الرئيسة \  واحة اللقاء  \  يحدّثونك عن انتخابات في سورية 

يحدّثونك عن انتخابات في سورية 

28.07.2020
معن البياري



العربي الجديد 
الاثنين 27/7/2020 
واحدةٌ من مشكلاتنا، نحن أصحاب التعاليق في الصحافة السيّارة، أن الخبر إذا كان شحيح الأهمية وقليل القيمة فذلك لا يعني عدم الاكتراث به. ولذلك يحدُث أن يلتفت واحدُنا إلى أيٍّ من "سفاسف الأمور"، فيصادف ما يحثّ على انتباهةٍ منه، ولو عاجلةٍ، إلى مضامين دالّة، خافيةٍ أو بادية، كأن تفيدك، مثلا، بأن مقادير الخراب في الحالة المتحدّث عنها أكبرُ مما تظن أو تقدّر أو تتخيّل. ومن هذا القبيل أن فيروس كورونا أفلح في إلغاء حفل غداءٍ كان مقرّرا أن ينتظم في ديسمبر/ كانون الأول المقبل للذين سيفوزون بجوائز نوبل المرتقب أن يعلَن عنهم في أكتوبر/ تشرين الأول، غير أنه لم يُرجئ انتخابات مجلس الشعب السوري أكثر من ثلاثة أشهر عن موعدها في إبريل/ نيسان الماضي، لتنتظم الأسبوع الماضي، وذلك فيما السلطات في الأردن، دولة الجوار، ما زالت تقلّب الأمور على ألف وجه ووجه، بشأن تعيين موعد انتخابات مجلس النواب. ولكن أمرا كهذا لا يحسُن إنفاق الوقت في كلامٍ كثيرٍ عنه، وقد صار ما صار، ووصل إلى المجلس السوري 250 ممثلا عن الشعب، أو عن كثيرٍ من الشعب على الأصح، طالما أن اقتراعا لم يتم في المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، في بعض شمال البلاد وشرقها. وبحسب هيئة قضائية مختصة، زاول 33.17% من المسجلين في قوائم المقترعين حقهم الانتخابي. ولقائل أن يقول، بشأن هذه النسبة المتدنية، إن النظام، غاصب السلطة في دمشق، ربما صار يتحلّى بشيء من التواضع، فقد كان في وسعه أن يرفعها، هذه النسبة، أقلّه إلى النصف مثلا، فيخبر العالم بذلك عن إقبال الشعب السوري على انتخاباته، غير أنه لم يفعل. 
دعْك من الكلام المسترسل عن "مسرحية هزلية" جرت، فليس هنا مربط الفرس، وإنما هو في فائض ثقة النظام بنفسه، وهو يتحدّث عن دورٍ تشريعيٍّ ثالثٍ بعد الدستور المعدّل، المُستفتى عليه في العام 2012. وهو لا يمانع في أن يسافر ممثلون عنه إلى جنيف وغيرها، من أجل الأخذ والرد بشأن "اللجنة الدستورية"، وهو الذي لم يمتنع عن المشاركة في كل جولات التفاوض في أي موضوع، يتعلق بالعملية السياسية في البلاد. وفي الغضون كلها، يلتزم تماما بتوازي المساريْن، التهديم والفتك في البلاد والعباد مع اللتّ والعجن في أي مداولات مع الأمم المتحدة وغيرها في شأن "الانتقال السياسي"، ولو حتى عبر بوابة "جنيف 1". وكما هي مدرسة رابين وشارون كانت حاضرة في قتل 30 ألف سوري في حماة بغرض القضاء على 300 عنصر من الإخوان المسلمين في شتاء 1982، فإن مدرسة إسحاق شامير لمّا ذهب إلى المفاوضات مع الفلسطينيين في مدريد، خريف 1991، ليجعلها مفاوضاتٍ بلا نهاية لها، حضرت أيضا في سفرات بشار الجعفري، وغيره، للتفاوض إلى ما شاء الله. ولا تخرج واقعة انتخابات الأسبوع الماضي عن هذا الجوهري في أداء نظام غاز السارين، في التعاطي مع الرعايا الباقين في البلاد، وفي التعامل مع ثرثرات العالم عن حل سياسي، أو غير سياسي، في سورية. 
لأي واحدٍ في الدنيا أن يقول ما يقول، فجلود أهل النظام في دمشق سميكة. والراجح أنهم لم يحفلوا بقول المبعوث الأميركي، جيمس جيفري، إن هذه الانتخابات "استفزازٌ حقيرٌ ضد السوريين"، فقد أجازوا للممثل بشّار إسماعيل، الموالي لهم، والذي سقط (أو أُسقط، لا فرق) في الانتخابات أن يفضفض عن نفسه، ويدوّن أن الرشاوى وصلت إلى 75 مليون ليرة سورية لكل ألفي صوت. بل إن رئيسة حزب الشباب للبناء والتنمية (متى قام هذا الحزب؟)، بروين إبراهيم، المرشّحة التي سقطت أيضا في الحسكة، دوّنت إن حزب البعث إقصائي، و"يتعامل كأن الدولة السورية مزرعة له". وفعل الأمر نفسه كثيرون غيرهما سقطوا، ثم جهروا بسخطهم ضد "التزوير الفاضح". والظاهر أن الأجهزة الحاكمة أرادت مجلسا للشعب أكثر تمثيلا للنظام وتشكيلاته، ولذلك أبعدت زعاماتٍ عشائريةٍ وازنة، سيما من شرق البلاد، وخرج عتاقى مكثوا طويلا على مقاعدهم في مجالس سابقة، و"فاز" قادة مليشيات شبّيحة، ومسؤولو كتائب بعثية، وضباط متقاعدون (أجاز دستور 2012 اقتراع العسكر، بالمناسبة)، وتوزّع هؤلاء وأمثالهم بين الـ 177 بعثيا وعضوا في الجبهة الوطنية ومن "المستقلين" والبيْن بيْن. 
قصارى القول، قال مواطنون سوريون إن أمر هذه "الانتخابات" لا يستحقّ عناء التفكير به. ولكن العاملين كتّاب تعاليق في الصحافة يتجشمون هذا العناء.