الرئيسة \  واحة اللقاء  \  يحدث في شرق المتوسط 

يحدث في شرق المتوسط 

27.08.2020
جمعة بوكليب


 
الشرق الاوسط 
الاربعاء 26/8/2020 
يقال إن تداعيات الانفجار الذي دمّر مرفأ بيروت وما حوله، وأحاله إلى أنقاض، استشعرتْ من شدّتها في جزيرة قبرص. لكن قبرص قبل أن يهزها الانفجار اللبناني، كانت في وضع استعداد توقعاً لانفجار على مسافة أقرب، وأكثر رعباً، ممثلاً، في خوفها من اندلاع حرب جديدة تكتوي بنارها، بين عدوين تاريخيين هما تركيا من جهة واليونان من جهة أخرى، حول حق التنقيب عن الغاز والنفط في الحوض المتوسطي. البلدان يقفان، جنباً إلى جنب، على جبهة واحدة عسكرياً، في حلف الناتو، مما جعل توقعات خوضهما غمار حرب، مرّة أخرى، أمراً مثيراً للتساؤل، حول المآل الذي آل إليه الحلف العسكري الغربي هذه السنوات، وعجزه عن إخماد نار فتيل حرب بين دولتين عضوين، ومنعهما من الانزلاق قصداً إلى هاوية مواجهة عسكرية مدمرة. حلف الناتو نجح خلال قرابة نصف قرن في تهدئة واستقرار العلاقات بين البلدين، عقب حربهما في صيف 1974، التي أدَّت إلى تقسيم قبرص على شقين: تركي ويوناني. المشكلة أن تركيا بدأت، مؤخراً، تتحول إلى عضو متمرد في معادلة الحلف، منذ قرارها شراء صفقة صواريخ دفاعية روسية، في خرق لميثاق الحلف ونظمه، ثم بعد ذلك إرسال قواتها لاحتلال شمال سوريا، متجاهلة الإدانات الدولية، أضف إلى ذلك مسارعتها إلى التدخل في الصراع الدائر في ليبيا لصالح حكومة الوفاق، وتسبب، كل ذلك، في إثارة كثير من الجدال داخل الحلف الأطلسي، تحول إلى خلافات حالت دون وصول أعضائه إلى رأي موحد حيالها. 
الاتحاد الأوروبي، أيضاً، يبدو منشغلاً بأمور أخرى ليس أقلها البحث عن مخرج من النفق الذي وجدت دوله محشورة داخله منذ حلول الوباء الفيروسي، وما أنزله من أضرار اقتصادية، وليس لديه ما يوفره من وقت للتدخل وللحيلولة دون تطور الموقف بين دولة عضو وأخرى حليف، وتعدّ بالتجربة حارساً غير مأمون على إحدى بواباته لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين. الاتحاد الأوروبي اكتفى بتأكيده أن ما تقوم به تركيا من تنقيب قرب شواطئ قبرص - دولة عضو بالاتحاد - غير قانوني. 
التقارير الإعلامية البريطانية المنشورة مؤخراً، تميل بثقلها في الصراع نحو دعم الكفة اليونانية. لكنها، في الوقت نفسه، تطلب من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي ضرورة استخدام كل الوسائل الدبلوماسية المتوفرة الكفيلة بنزع فتيل الحرب. دعوات ضبط النفس، لم تكن في أي وقت حاجزاً يحول بين الدول والاحتراب، ما لم يتمّ التصدي عملياً لمعالجة الأسباب، والوصول إلى حلول مرضية تضمن حقوق الأطراف المتنازعة ولو نسبياً. وفي حالة التوتر الحالية، والاستعدادات تجهّزاً للحرب، لا يبدو أن الرئيس التركي إردوغان على استعداد لسماع نصائح التهدئة، في وقت يرى فيه اصطفافاً سياسياً جديداً، رأس حربته اليونان، ينشأ من عدة دول متوسطية، بغرض تقاسم غنيمة ما ستوفره حقول الغاز والنفط من طاقة وأموال. 
بعض المراقبين والمحللين السياسيين يرون أن التجاء الرئيس إردوغان إلى التصعيد العسكري ضد اليونان، ليس إلا محاولة لتحويل الأنظار عما يتعرض له الاقتصاد التركي من مشاكل، وانعكاسها بالخسائر التي تعرضت لها الليرة التركية. 
التحركات العسكرية التركية الأخيرة أثارت حنق وغضب الرئيس الفرنسي ماكرون الذي اتهم تركيا بانتهاج سياسة توسعية، بمزيج من مبادئ قومية وإسلامية، تتعارض مع المصالح الأوروبية، وتؤدي إلى زعزعة الاستقرار في أوروبا، وتستدعي التصدي لها بكل الوسائل. الغضب الفرنسي مبعثه التدخل التركي في حرب طرابلس لصالح حكومة الوفاق، مما أدى إلى تراجع قوات الجيش بقيادة المشير حفتر حليف فرنسا. 
هذا التدخل العسكري الأخير في ليبيا استناداً لتقارير إعلامية بريطانية ربما أعطى الرئيس التركي إردوغان الثقة للدفع بقوة أكبر في شرق المتوسط. وفي الوقت نفسه، أثار حفيظة فرنسا. وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي، كادت القطع البحرية العسكرية للبلدين تدخل في مواجهة عسكرية، لدى قيام القطع البحرية الفرنسية بإيقاف باخرة تركية محملة بالسلاح إلى طرابلس، لكن القطعة العسكرية التركية المرافقة هددت بإطلاق النار، مما اضطر الفرنسيين إلى السماح للباخرة التركية بمواصلة طريقها. أضف إلى ذلك، إقناع تركيا حكومة طرابلس بتوقيع اتفاق للتنقيب البحري بهدف منع الدول الأخرى، مما زاد في تفاقم الغضب الفرنسي، واضطر الرئيس ماكرون إلى اتخاذ قرار بإرسال قطع بحرية عسكرية فرنسية لدعم نظيراتها اليونانية، معلناً استعدادها للدفاع عن حق اليونان في التنقيب في مياهها الإقليمية التي يكفلها القانون الدولي. 
ووفقا للتقارير، فإن قيام اليونان بالتنقيب عن حقول الغاز في حوض البحر المتوسط، يكتسب أهمية بتوفير مصدر طاقة بديل في أوروبا، يؤدي إلى الاستغناء عن استخدام الفحم الحجري، وبأضرار تلوث بيئية أقل بشكل ملحوظ. المشكلة أن تركيا تحرص وبعناد على ألا تستثنى من الغنيمة، ولو اضطرت لاستخدام القوة. وهذا يعني أن على الرئيس إردوغان خوض مغامرة يعرف أنها غير متكافئة عسكرياً، على جبهتين حربيتين: واحدة فوق الأراضي الليبية، والأخرى في شرق البحر المتوسط.