الرئيسة \  واحة اللقاء  \  يحدث في إسرائيل ومصر وسورية

يحدث في إسرائيل ومصر وسورية

27.07.2019
معن البياري


العربي الجديد
الخميس 25/7/2019
مشتركاتٌ غير قليلة تجمع النظامين الحاكمين الراهنين في سورية ومصر مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أحدها الاستخفاف بحياة الإنسان، المصنّف في أعراف هذه الكيانات الثلاثة عدواً. ولأن شرح هذه الحقيقة يطول، تحصُر هذه السطور التفاتتها هنا بالضحايا الذين يموتون في السجون، بالتعذيب أو بالإهمال الطبي، المتعمّد بحسب هيئاتٍ مختصةٍ وشهادات ذوي هؤلاء المحتجزين والمختطفين والأسرى. وليست مصادفةً أبداً أن يموت الفلسطيني، نصار طقاطقة (31 عاماً)، الأسبوع الماضي، في سجن الرملة الإسرائيلي، في جريمة إهمالٍ طبيٍّ متعمّد، على ما قالت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية، تزامناً مع موت المصري، عمر عادل، في زنزانة في سجن طره في القاهرة، بعد تعذيبٍ تعرّض له، ثم الكيلاني حسن، في سجنٍ في المنيا، جرّاء إهمال طبي، بعد رفض علاجه. ثم تنشر "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" أن لاجئاً فلسطينياً من مخيم اليرموك قضى أخيراً، في واحدٍ من سجون النظام، وأن ذويه امتنعوا عن إذاعة اسمه، رعباً من أجهزة الأمن وانتقامها ومساءلاتها. وليس في توالي الوقائع هذه، الإسرائيلية والمصرية والسورية، في أسبوع واحد، أي مصادفة، فذلك من المعهود الذائع في الأخبار الشبيهة عن ضحايا يسقطون في السجون المشار إليها، ولا ينطق بغير سنّةٍ واحدة يسترشد بها الحاكمون في تل أبيب ودمشق والقاهرة، تجاه المخطوفين في زنازينهم.
ويجد كاتب هذه السطور حرجاً بالغاً، وهو يؤشّر إلى الإحصائيات التي اعتنت بأعداد الذين أزهقت أرواحهم في زنازين مصر وإسرائيل وسورية، تعذيباً وإهمالاً طبياً، ذلك لأن المحتل الإسرائيلي، المطبوع بالعنصرية، والمحسومة صفته عدواً، أقل كعباً من نظامي بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي في هذه المثابرة على رمي مساجين مرضى ومنتهكي الحقوق الآدمية إلى المقابر، من دون أن يستشعرا خجلاً. وتلك واقعة وفاة الرئيس محمد مرسي في المحكمة، في يونيو/ حزيران الماضي، مرّت، واستقبلتها حكومات العالم بعاديةٍ. ومُفزعٌ أن تنعدم الأخلاق الإنسانية المحضة عند كثيرين كنا نحسبهم دعاة حقوقٍ وحرياتٍ وديمقراطيةٍ في مصر، فلا نلحظ عند أي منهم اكتراثاً خاصاً بهذه المقتلة التي لا يُراد لها أن تتوقف في سجون مصر، بعد انقلاب 3 يوليو، فليس مروِّعاً في أفهام هؤلاء أن تعلن المنظمة العربية لحقوق الإنسان وفاة 717 شخصاً داخل مقار الاحتجاز في مصر، بينهم 122 قُتلوا جرّاء التعذيب من أفراد الأمن، و480 توفّوا بسبب الإهمال الطبي، و32 نتيجة التكدّس وسوء أوضاع الاحتجاز، و83 نتيجة فساد إدارات مقار الاحتجاز.
وفي سورية، على الرغم من وثائق وشهادات وصور تراكمت في السنوات السبع الماضية، عن آلافٍ قضوا في السجون، فإن مثقفين عرباً ينتسبون إلى أهل الفن والأدب لا يرون محدلة القتل هذه أمراً يجدر الانتباه إليه، فيما تتعرّض سورية، الدولة كما يؤثرون القول، لصنوفٍ من التآمر، بسبب الممانعة الجسورة التي يقيم عليها النظام الذي نال رئيسُه الشرعية من حادث سيرٍ قضى فيه أخوه. وحده العام 2014 شهد مقتل 2100 شخص في السجون هناك، على ما وثّق أسماءهم المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن لدى النظام 127593 معتقلاً، منهم نحو 82652 تحولوا مختفين قسرياً، وفي حوزة تنظيم الدولة الإسلامية 9800 مواطن سوري أغلبهم مجهولو المصير. ووثَّقت الشبكة 836 حالة شملت مختلف المحافظات السورية، لم يكشف النظام عن سبب الوفاة، ولا عن تاريخها، ولم يسلّم أي جثة، ولم يكشف عن مصيرها. وتفيد مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية إن 606 لاجئين، بينهم أطفال ونساء، قضوا تحت التعذيب في سجون النظام الذي يواصل الإخفاء القسري بحق أكثر من 1759 في السجون وأفرع الأمن، بينهم 109 إناث، ويتعرّضون للتنكيل وانعدام الرعاية الصحية.
بالغ الشناعة أن يتحوّل هؤلاء البشر في مصر وسورية (وغيرهما طبعاً) إلى أرقام، فيما كانت لكل واحد منهم أحلام وأوجاع وآلام وآمال، وجارحٌ إلى حد الفجيعة أن النظامين، في القاهرة ودمشق، فاقا العدو الإسرائيلي في هذا، وإنْ لا يجوز أبداً أن تُقرأ هذه الإشارة بغير حدودها، فهم 220 شهيداً فلسطينياً قضوا في سجون الاحتلال منذ 1967..