الرئيسة \  واحة اللقاء  \  يتسللون إلى كل مكان.. قواعد الروس في الشرق الأوسط، كيف كانت وأين أصبحت؟ 

يتسللون إلى كل مكان.. قواعد الروس في الشرق الأوسط، كيف كانت وأين أصبحت؟ 

19.11.2020
عربي بوست


عربي بوست 
الاربعاء 18/11/2020 
كان حلم الوصول للمياه الدافئة يطارد قياصرة روسيا دوماً وكان التواجد الروسي في الشرق الأوسط هدفاً أساسياً لسياستهم، واليوم يواصل بوتين محاولة تأسيس قواعد عسكرية روسية بالدول العربية. 
حلم القياصرة في الوصول للمياه الدافئة، كانت تقف أمامه عوائق عديدة، منها الدولة العثمانية، والدعم الفرنسي والبريطاني لها لمنع ترسخ موسكو في المتوسط، والأهم أن روسيا كانت دوماً دولة قارية لا تتفوق في البر كما تفعل في البحر، بفضل جحافل قواتها البرية. 
وهذا لم يمنع الروس من استغلال القلاقل والتمردات في الدولة العثمانية لتحقيق تواجد مؤقت في الدول العربية عبر دعم المتمردين مثل علي بك الكبير، وثورات الموارنة. 
قواعد عسكرية روسية بالدول العربية.. حلم القياصرة يحققه السوفيت 
كان الاتحاد السوفييتي هو الذي حقق حلم القياصرة وكان السبب هو الغرب، فمع استمرار السياسات الاستعمارية الغربية، وصلت حركة القومية العربية إلى الحكم في دول عربية عديدة، وتقاربت مع الاتحاد السوفييتي طمعاً في مساعدته. 
ومن هنا بدأ الروس في تأسيس قواعد لهم في العالم العربي في الحقبة السوفييتية في الدول العربية الحليفة، ومن أبرزها مصر الناصرية التي كان الاتحاد السوفيتي يمتلك قاعدة بحرية فيها في مدينة سيدي براني المصرية حتى عام 1972، وكان يستغلها لمراقبة السفن الحربية الأمريكية، ولكن عقب تدهور العلاقات المصرية السوفييتية فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، غادرت القوات السوفييتية هذه القاعدة. 
كما أن هناك قواعد عسكرية في سوريا، وأيضاً في اليمن الجنوبي في عدن وجزيرة سقطرى، وهي منطقة شديدة الحساسية نظراً لموقعها في خليج عدن ومدخل البحر الأحمر وقربها من مضيق هرمز. 
كما كانت هناك قواعد سوفيتية في جزر دهلك الإريترية عندما كانت إريتريا جزءاً من إثيوبيا. 
ولكن التواجد الروسي في الشرق الأوسط انهار، إلا أن أعاده بوتين 
ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تراجع التواجد الروسي بشكل كبير في المنطقة العربية والشرق الأوسط، بسبب تدهور الأوضاع العسكرية والاقتصادية لروسيا فلم تعد تتعد تتحمل هذه التكلفة، كما ضعفت علاقتها بحلفائها أو انهارت بعض الدول الحليفة وتفككت كما حدث لإثيوبيا بعد سقوط الحكم الشيوعي في إثيوبيا بقيادة منغستو هيلاري ماريم بعد انفصال إريتريا. 
ولكن الربيع العربي والحرب السورية كانا أفضل مدخل للروس للعودة للمنطقة في ظل موقف أمريكي سلبي في عهد أوباما اكتشفت بالمشاهدة عن بعد مراهناً أن روسيا سوف تعاني من هذه المنطقة مثلما حدث لأمريكا. 
فقد كان التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 لحظة محورية لسياسة موسكو في الشرق الأوسط. غابت روسيا إلى حد كبير عن الشرق الأوسط خلال الجزء الأكبر من العقدين الماضيين، وتدخلت لإنقاذ نظام بشار الأسد وأعادت تأكيد نفسها كلاعب رئيسي في سياسات القوى في المنطقة. إن استخدام موسكو الجريء للقوة العسكرية جعلها لاعباً مهماً في الشرق الأوسط. 
جاء التدخل الروسي على خلفية انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وتزايد عدم اليقين بشأن دورها المستقبلي هناك. أدت إعادة الاصطفاف الجيوسياسي وعدم الاستقرار الناجم عن الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا والتنافس بين إيران والسعودية إلى إتاحة الفرص لروسيا لإعادة بناء بعض العلاقات القديمة وبناء علاقات جديدة. 
شهدت العلاقات الروسية الإيرانية تحولاً غير عادي نتيجة التدخل الروسي في الحرب الأهلية السورية، كما أعادت روسيا عبر تدخلها في سوريا علاقتها مع تركيا، وأصبحت الدول الثلاث تتحكم في مصير سوريا مع دور محدود للغرب. 
مدينة روسية على أرض عربية 
وينتشر الروس في سوريا في أماكن عديدة، حيث أصدر مركز جسور للدراسات خريطة لقواعد ونقاط التواجد الروسي في سوريا، وشملت الخريطة 66 نقطة، منها 24 قاعدة عسكرية، و32 نقطة تواجد، و10 نقاط مراقبة. 
ولكن الوجود الروسي الأبرز في سوريا في قاعدتين عسكريتين، جوية وبحرية. 
وهما قاعدة حميميم الجوية الواقعة في اللاذقية كانت مخصصة للطيران المروحي، واستخدمتها موسكو لقواتها سنة 2015، علماً أن استعمالها لهذه المنشأة غير مشروط. 
الآن أصبحت قاعدة حميميم واحدة من أكثر القواعد في العالم تحصيناً، حسبما يقول الروس. 
ويمكن القول إن قاعدة حميميم تحولت من كونها مطاراً صغيراً قبل خمسة أعوام إلى مدينة حقيقية فيها شوارع وميادين. 
وثمة خط اتصال مباشر بين قائد المجموعة الجوية الروسية في قاعدة حميميم ووزارة الدفاع في موسكو. كما أن بإمكان قائد المجموعة الروسية أن يتصل بممثلي التحالف الدولي في العراق من أجل منع الحوادث في سوريا. 
وتقول وكالة سبوتنيك الروسية إنه تم اتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة لتأمين قاعدة حميميم وتوفير الحماية لها من الهجمات. ومن أجل الحماية من الهجمات الجوية تم إحضار منظومات الدفاع الجوي "إس-400 و"تور-إم2 و"بانتسير-إس1" والمدافع المضادة للطائرات "زي أو-23" ومحطات الرادار القادرة على كشف كل الأهداف الجوية. 
وهناك عسكريون روس وسوريون يوفرون الحماية لقاعدة حميميم من الهجمات البرية. وتساهم طائرات مسيرة أيضاً في جهود تأمين قاعدة حميميم، حيث تحلق حوالي عشر منها فوق حميميم بصفة مستمرة على مدار 24 ساعة يومياً. 
وحسب تقرير للوكالة يمكن وصف الظروف المعيشية التي تم توفيرها للعسكريين الروس في قاعدة حميميم بالمريحة حيث تتوفر أسباب الراحة في بيوتهم التي يتسع كل منها لشخصين أو أربعة أشخاص. وهناك مخابز متنقلة ومطاعم وحمامات ومغاسل الملابس وساحات لمزاولة الرياضة. 
أما قاعدة طرطوس فهي قاعدة بحرية، وتعد الوحيدة لروسيا في البحر الأبيض المتوسط، وقد أعيد استخدامها من قبل موسكو ضمن اتفاق وقع عام 2017، يقضي بتعزيز الوجود العسكري الروسي جوياً وبحرياً في سوريا. 
والقاعدة مجهزة بثكنات ومستودعات تخزين عائمة، كما تضم عشرات البحارة الروس. 
وسبق أن دافع الفريق  الروسي المتقاعد سيرغي تشفاركوف، عن الفوائد الاقتصادية للقواعد العسكرية في حميميم وطرطوس بسوريا، ليس فقط من وجهة النظر العسكرية والسياسية فقط. 
وأضاف الجنرال، الذي شغل في عام 2016، منصب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا: " "يجب الإقرار بأن قرارات القيادة السياسية- العسكرية الروسية، كانت صحيحة وذات أساس مبرر، بغض النظر عما يحاول العديد من الاقتصاديين الليبراليين إعلانه بشأن التكلفة الباهظة لهذه القرارات"، مشيراً إلى أن الحديث يجري بالدرجة الأولى عن قطاع النفط والغاز، والزراعة، والخدمات اللوجستية. 
إلى أين وصل مشروع القاعدة الروسية في مصر 
أنهت مصر الوجود الروسي على أراضيها في عهد الرئيس أنور السادات، حتى قبل اندلاع حرب العبور، (حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973)، بعد ذلك تحولت للعداء للسوفييت في عهده، ثم توقف هذا العداء في عهد مبارك، ولكن ظلت العلاقة محدودة، ولكنها عادت وازدهرت في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. 
وفي هذا الإطار، تحدثت صحف روسية عام 2016 عن وجود محادثات مع مصر حول استئجار منشآت عسكرية، من ضمنها قاعدة جوية في مدينة سيدي براني شمالي غرب مصر، قرب ساحل البحر المتوسط. 
وسبق أن نقلت صحيفة "ازفيستيا" الروسية عن مصدر في الخارجية الروسية، ومقرب من وزارة الدفاع الروسية، أنه تم التطرق أثناء المحادثات إلى أن القاعدة ستكون جاهزة للاستعمال بحلول عام 2019، في حال توصل الطرفان إلى اتفاق. 
ولأكثر من عام، كان نشاط الطائرات الروسية بالقواعد الجوية المصرية سبباً لإثارة التكهنات حول احتمالات إنشاء قاعدة عسكرية روسية على الأراضي المصرية، حسبما قال قال موقع Al-Monitor الأمريكي في عام 2019. 
 فقبل عامين فقط، أقرت موسكو والقاهرة مسودة اتفاقية "من شأنها أن تسمح لكل جانب باستخدام المجال الجوي والقواعد الجوية للطرف الآخر". لكن لم يتضمن ذلك إنشاء قاعدة عسكرية في حد ذاته، لكنه ساهم إلى حد كبير في توسيع التعاون العسكري بين البلدين. 
وتتفق مصر مع رؤية روسيا فيما يخص الشأن السوري، ومصر، بطريقة ما، هي الطريق المؤدي لمصالح روسيا في ليبيا. 
فقد أعقب الأخبار المتداولة في عام 2016، حول أن جهاز الاستخبارات العسكرية الخارجية الروسي درب قوات الأمن المصرية خلال حملة "مكافحة الإرهاب في سيناء"، ظهور تقارير تفيد بأن خليفة حفتر كان يتلقى معلومات استخبارية من قوات الجيش الروسي المتمركزة في مصر، وهي أمور تشير إلى تواجد عسكري بارز في مصر. 
أما عن القاعدة في سيدي براني، فإنه يجرى استكمال بنائها، حسب تقارير روسية. 
وخلافاً للقواعد الروسية الأخرى، حيث التركيز على الطيران والبحرية، من المفترض أن تنشر في القاعدة المصرية أكبر مجموعة من مشاة الجيش الروسي، يبلغ عددها عدة آلاف جندي. 
وبعد ذلك، فمن المتوقع أن يتحول الربط التشغيلي الروسي في البحر الأبيض المتوسط ​​إلى شيء أكبر من ذلك. وهكذا، فخلال عام أو اثنين سيكون لروسيا عدة قواعد عسكرية في الخارج- خدمتها ستكلف الخزانة حوالي نصف مليار دولار سنوياً. ومن غير المعروف كم سيكلف بناؤها. 
ولكن قد يكون الإعلان الرسمي عن تأسيس قاعدة روسية في مصر سبباً لمشكلات للقاهرة مع الولايات المتحدة. 
ليبيا.. وجود غير رسمي ولكنه فاعل 
يعتبر الوجود الروسي في ليبيا، نموذجاً فجاً على قدرة موسكو في استغلال الأحداث. 
فقد أصبح لروسيا وجود عسكري دون أي دعوة رسمية، تقول روسيا إن مرتزقة فاغنر الذين يحاربون في ليبيا إلى جانب قوات حفتر لا علاقة لهم بالحكومة، ولكن هذا لم يمنع موسكو من نقل طائرات حربية من سوخوي 24 وميغ 29 إلى ليبيا، حيث أصبحت ثاني أهم لاعب خارجي في البلاد، بعد تركيا، مهمشتين قوات حفتر، ومصر والإمارات التي تدخلت بشكل أبكر من أنقرة وموسكو. 
ويبدو الوجود الروسي في ليبيا نموذجاً للبراغماتية الروسية، فهو وجود داعم لحفتر في مواجهة حكومة الوفاق، التي تساندها تركيا، في المقابل فإنها تنسق مع أنقرة وتواجهها في الوقت ذاته في سيناريو تكرر بين البلدين في سوريا وأذربيجان، وجعل البلدين المتنافسين اللاعبين الأساسيين في الأزمات الثلاث. 
ويعتقد أن الوجود العسكري الروسي يتركز حالياً في قاعدة الجفرة، ومن المرجح أنه وجود مستقل خارج عن سيطرة حفتر. 
فبعد هزيمة حفتر وداعميه من المرتزقة الروس إثر فشل حصار طرابلس بعد وصول الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق، منتصف 2020، كشف مصدر تابع لميليشيات حفتر، في تصريحات خاصة لــ"عربي بوست" أن عدد مرتزقة مجموعة "فاغنر" الروسية الذين سيطروا على قاعدة الجفرة يزيد عن 2000 مقاتل، مدعومين بأسلحة ومدرعات ومنظومات تشويش إلكتروني ومنظومات دفاع جوي. 
وقال إن قيادات "فاغنر" عمِلت على تأمين القاعدة منذ وصولهم إليها، بتركيب أكثر من 6 منظومات دفاع جوي، إضافة إلى نشر عددٍ من المراصد حول القاعدة للتصدي إلى أي تقدم بري، استولت على القاعدة بشكل كامل، ومن بينها أسلحة ومعدات كانت تابعة لميليشيات حفتر. 
والأغرب أن المصدر قال إن مجموعة فاغنر استولت في قاعدة الجفرة على منظومات البانستير وطائرات من الجيل الثاني والثالث الروسية، ومدرعات إماراتية، وحاملات جنود أردنية، وعدد من منظومات التشويش المتطورة وأربع منظومات دفاع جوي متطورة أيضاً لم يُفصح عن اسمها. 
المفارقة أن الروس يبنون قواعدهم في ليبيا التي تمثل أهمية بالغة لأوروبا، دون أن يفعل الغرب والناتو شيئاً باكتفاء القيادة العسكرية الأمريكية أفريكوم من إعلان الأنباء عن قدوم الطائرات الروسية ونشر صورها بالأقمار الصناعية، بينما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصرخ من الدعم التركي لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، والذي لم يصل إلى إنشاء قواعد عسكرية أو يمثل تهديداً يذكر لأوروبا. 
القاعدة الروسية في السودان.. لماذا تكتسب أهمية خاصة؟ 
يمثل إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان، آخر المغامرات الروسية بالمنطقة. 
أعلنت الحكومة الروسية عن مشروع اتفاق مع الخرطوم، لإنشاء مركز لوجستي للأسطول الروسي على ساحل السودان في البحر الأحمر، ولم يرصد "عربي بوست" تعليقاً رسمياً سودانياً على هذا الإعلان. 
وسيتمّ إنشاء القاعدة في الضاحية الشمالية لمدينة بورتسودان، بحسب الإحداثيات الجغرافية المذكورة في هذه الوثيقة المفصلة والمؤلفة من ثلاثين صفحة. 
وينص الاتفاق على أن المركز المقترح سيكون قادراً على استيعاب السفن المزودة بتجهيزات نووية "مع مراعاة متطلبات السلامة النووية والبيئية"، على ألا يزيد عدد السفن الراسية فيه في وقت واحد عن أربع، وألا يتجاوز الحد الأقصى لعدد أفراد المركز 300 شخص. 
وتمثل السودان أهمية خاصة لروسيا، فحسب الكاتب الروسي رسلان غوريفوي فإن القاعدة في السودان، تسمح لروسيا بالسيطرة على جميع السفن المدنية والعسكرية التي تبحر في البحر الأحمر. نشر منظومات مضادة للسفن هناك، يمنح روسيا بداية جيدة في إفريقيا. 
وأضاف "نحتاج إلى التفكير في ذلك. فالوجود العسكري الروسي يخدم شركاتنا التي تستخرج ثروات في إفريقيا- النفط والمعادن الأخرى. وربما ينبغي أن تمول هذه الشركات ولو جزئياً قواعدنا؟ هذا في مصلحتها".