الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وهي تغني

وهي تغني

11.11.2017
سمير عطا الله


الشرق الاوسط
الخميس 9/11/2017
بعد الحرب العالمية الأولى، تغيرت معاني الأرقام ومقاييسها في إحصاءات الكوارث البشرية؛ لم يعد الضحايا بالآلاف القليلة، كما في زمن الطاعون الذي ضرب أوروبا. ها هم القتلى والمصابون بالملايين، وما من إحصاء دقيق. مئات الألوف مضوا دون تسجيل ودون اكتراث، واعتاد العالم بعد 1914 الأرقام المرعبة والمهولة، كما حدث في الحرب العالمية الثانية، ثم كوريا وفيتنام والهند، ناهيك بضحايا الأوبئة.
ولم يكن الضحايا فقط من القتلى والمصابين، بل أيضاً من الجوعى والمهجرين قسراً، وخاسري الأملاك والبيوت والحياة الطبيعية الهادئة والآمنة. وعرف العالم ظاهرة أخرى هي الإبادات الجماعية والتطهير العرقي، كما حدث في بلاد البلقان، ويحدث الآن في ميانمار.
يقول المؤرخ إريك هوبزباوم إنه بعد 1914، أصبحت الكوارث الجماعية والأساليب الهمجية جزءاً متوقعاً لا يتجزأ من "العالم المتمدن". بعد الحرب العالمية الثانية، انضمت هذه المنطقة إلى قطاع الكوارث الجماعية، بدءاً بحلول إسرائيل محل الفلسطينيين في أرضهم. وكانت تلك، على صعيد التهجير والقسر، الكارثة الأكبر، لكن الحروب العربية الإسرائيلية التي تلت لم تترك كوارث بالمقياس الحديث.
دخلنا المقاييس الكارثية من جديد في حروب "الأهل والأشقاء"؛ ما يزيد على 200 ألف قتيل ومليون مهجر في حرب لبنان، ونحو 200 ألف قتيل في حرب الجزائر. وبعدها، لم يعد للأرقام مقياس أو معنى. فليس هناك أي إحصاء دقيق لضحايا الحروب في العراق، ولا أي رقم متوافق عليه، حتى تقريبياً، لأعداد القتلى والمصابين والمهجرين وضحايا العذابات الأخرى في سوريا.
وإذا كان حجم الكوارث هو المقياس، واعتبرنا أن عالم ما بعد 1914 هو الفارق، فإن العالم العربي ما بعد النزاع السوري هو غير ما قبله في العصور الحديثة؛ لقد تحطمت جميع الأرقام المأساوية السابقة في الخسائر البشرية والمادية والروحية والوطنية والنفسية.
تجاوزت النزاعات الداخلية جميع الحروب الخارجية. وقد بقيت الدول العربية خارج الحربين الكونيتين، رغم المعارك التي دارت على أرضها، لكن من ليبيا إلى سوريا انجرفت نحو الحروب الداخلية وهي تغني.