الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وهم إعادة الإعمار في سوريا

وهم إعادة الإعمار في سوريا

05.09.2017
حسام ميرو


الخليج
الاثنين4/9/2017 
يستطيع المراقب للشأن السوري، في الأشهر الأخيرة، أن يلحظ تسرّب مصطلح "إعادة الإعمار" إلى التقارير والتصريحات المتعلقة بمستقبل سوريا، ولا يتعلق الأمر فقط بتقارير غربية، أو منظمات دولية، وإنما أيضاً في خطاب الإعلام السوري الرسمي، والذي أفردت إحدى قنواته حلقة خاصة بإعادة الإعمار، كما أن بعض الجهات المعارضة السورية القريبة من موسكو تداولت هذا المصطلح، وبعضها أعطاه اسم "إعادة عمار"، من أجل تخطي التباسات وأحادية المصطلح الأساسي، وما يرتبط بها من نفعية، ومصالح متداخلة لجهات عدة، محلية وإقليمية ودولية.
لا بأس من حيث المبدأ أن تكون العديد من الجهات أخذت تفكر في مستقبل بلد تدمّرت بنيته التحتية، وتجاوزت قيمة الأضرار المادية لتلك البنى أكثر من 300 مليار دولار، وهو رقم يبقى تقديرياً، نظراً لصعوبة إحصاء الأضرار عبر جهات متخصصة، لكنه يكفي لشرح مدى خسائر الوطن السوري على المستوى العمراني والخدمي، لكن التفكير في مستقبل سوريا وبناها التحتية يبقى أمراً في دائرة الشك، خصوصاً أنه يشي بإيحاءات بحاجة إلى تدقيق موضوعي، وخصوصاً على المستويين الوطني والسياسي.
 
إن استخدام مصطلح "إعادة الإعمار" من قبل النظام السوري يهدف إلى القول إن النظام قد انتصر في "حربه على الإرهاب"، وأنه تجاوز "المؤامرة الكونية" على سوريا ونظامها، وإن مرحلة جديدة واعدة اقتصادياً تنتظر السوريين الذين عانوا خلال السنوات الماضية على مختلف الصعد، ومنها بالطبع المستوى المعيشي المباشر، خصوصاً مع فقدان العملة الوطنية "الليرة" لقيمتها الشرائية، وانخفاض متوسط رواتب العاملين في القطاع الحكومي إلى حوالي 60 دولاراً، علماً أن متوسط الرواتب كان عند اندلاع "الانتفاضة" السورية حوالي 200 دولار.
وإذا كان استخدام النظام السوري لمصطلح "إعادة الإعمار" مفهوماً، بوصفه استثماراً سياسياً، لانخفاض حدّة المعارك العسكرية، وانحسار رقعتها، إلا أنه استثمار لما لم ينجزه النظام، وإنما أنجزه التدخل الروسي بشكلٍ رئيسي، وإذا تجاوزنا موقف النظام إلى محاولة المعارضة القريبة من موسكو إشاعة هذا المصطلح، فإننا سنجد، ومن دون الدخول في النوايا، تبسيطاً للواقع المحلي/الوطني من جهة، وقراءة خاطئة للواقع الإقليمي من جهة أخرى، وهو التبسيط ذاته الذي تحمله بعض التقارير الدولية، والتي تنطلق من فرضية انتهاء الحرب في سوريا، وحصر ما تبقى من عمليات عسكرية بقتال "داعش" في الرقة، ومن ثم المعركة المنتظرة في دير الزور.
إن إعادة الإعمار بعد الحروب هي نتيجة لتوافقات سياسية ووطنية، ولئن كانت تلك التوافقات في أغلب الأحايين لا تحقق العدالة من وجهة نظر أي طرف، لكنها تحقق الإنصاف على أقل تقدير، وهو إنصاف لا يخصّ جهة سياسية محددة، وإنما عموم المجتمع، كما أن أي توافق من شأنه أن يمهد لحالة السلم الأهلي ينبغي أن يأخذ بالحسبان أسباب الأزمة نفسها، وأن يمهد الطريق لإعادة هيكلة البنى التي أسهمت في الأزمة، وتحديداً النظام السياسي، وما يتفرّع عنه من مؤسسات عسكرية وأمنية وتنفيذية.
إن ما تهدّم في سوريا ليس العمران فقط، بل العقد الاجتماعي القديم، وظهرت إلى السطح هويات مناطقية ومذهبية وإثنية.
 
هل يمكن المضي نحو إعادة الإعمار من دون حل سياسي وطني؟
إن ملامح الوصول إلى حل سياسي وطني مازالت غائبة، وذلك على الرغم من محاولات الإيحاء بعكس ذلك، خصوصاً من المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا، والذي قدم منذ أيام إحاطة بالشأن السوري لمجلس الأمن الدولي، وقد ركّز فيها على انخفاض منسوب العنف، والعمليات ضد "داعش"، من دون التركيز على مهمته الأساسية بشأن الحل السياسي في سوريا.
إن انخفاض منسوب العنف هو ضرورة لا بدّ منها للوصول إلى تسويات سياسية في سوريا، لكنها ليست مؤشراً كافياً، فقد شهدنا في التجربة العراقية منذ 2003 حالات عديدة لانخفاض مستوى العنف، لكن سرعان ما كانت تتبعها دورات عنف جديدة، ففشل الحلول السياسية، أو سوء تصميمها، يجعل من العنف حالة كامنة قابلة للتفجّر في أي وقت، طالما أن مقومات بناء العقد الاجتماعي الوطني ظلّت غائبة.
وبناءً عليه، فإن تسويق مصطلح "إعادة الإعمار" يبدو وهماً جديداً يراد به الالتفاف على جوهر المأزق الوطني، وهروباً من مواجهة مشكلاته الأساسية، والتنصّل من الاعتراف بفشل المعالجات الإقليمية والدولية للمسألة السورية.