الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وهكذا ينام بشار مطمئناً 

وهكذا ينام بشار مطمئناً 

24.01.2021
عمر قدور



المدن 
السبت 23/1/2021 
لا نعلم ما إذا كان بشار قد احتفل ذلك اليوم بصخب، قبل أن يغط في نوم عميق، أم أنه خشي تسرب نبأ فرحه إلى بوتين الذي لديه حسابات مختلفة. منذ الأربعاء الماضي، ولأربع سنوات مقبلة، يستطيع بشار النوم بلا قلق يتسبب به شبح ترامب. النظام عاد أخيراً إلى البيت الأبيض ولن تكون هناك مفاجآت، خاصة في الشأن السوري البعيد عن اهتمامات الرئيس الجديد. 
من جهة، كان ترامب مبعث أمل لبشار، فيما لو لم تمنعه المؤسسة الأمريكية من سحب جنوده من سوريا، وتوصلت معه إلى حل وسط يقضي ببقاء عدد محدود منهم. من جهة أخرى، كان ترامب حسبما صرح أثناء حملته الانتخابية الأخيرة قد أراد قتله عام 2017، إلا أن وزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس عارض الفكرة. أي أن المؤسسة التي رفضت انسحابه من سوريا رفضت في المقابل قتل بشار، والمؤسسة الباقية "أو العائدة بقوة" لن تمنحه الأمل. 
كان الأمل مع ترامب ملاصقاً الخوف والقلق، الأمل بأن يتسرع ذات ليلة أو نهار بسحب جنوده، والقلق من أن يتصرف براديكالية مضادة. على نحو معكوس، كان هذا حال خصوم بشار الذين يتمنون نوبة "حماقة" ينقض بها ترامب على رأس بشار، ويخشون نوبة مقابلة يقرر فيها الانسحاب التام من الشأن السوري. هكذا تكون الحماقة منصفة، وليس من طبيعتها التمييز بين قاتل وضحية. 
ينام بشار مطمئناً لأنه لن يكون بعد الآن تحت طائلة قرار أمريكي "طائش" بتصفيته، ومهما كانت سياسة بايدن فهي لن تصل إلى استهدافه شخصياً. هذا الحد كافٍ لمن كان منذ اندلاع الثورة همّه البقاء بأي ثمن، ولمن اعتاد شراء بقائه بضعفه وبهوانه أمام الحلفاء والخصوم الدوليين والإقليميين. قد تعزز إدارة بايدن قواتها في سوريا، وقد تستمر بفرض عقوبات جديدة بموجب قانون قيصر، ذلك كله وسواه لن يؤرقه، لن تؤرقه أية إجراءات أو ضغوط لا تقترب من قصره. 
بل ثمة مكاسب محتملة لبشار من إدارة بايدن، فالأخير بحسب الأخبار فتح قبل تنصيبه قناة اتصال بطهران، ولم يحتفظ مؤقتاً بالمبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، وقد لا يعين مبعوثاً خاصاً ليبقى الشأن السوري رهن المفاوضات مع إيران. رأينا ما يشبه ذلك في عهد أوباما، وكانت النتيجة إفلات الميليشيات الإيرانية والشيعية في سوريا. المعارضة التي ارتمت في الحضن التركي، برضا نسبي من إدارة ترامب، ربما تدفع الثمن مع موقف بايدن الذي لن يحابي أنقرة، خاصة في إدلب التي كانت محمية مؤخراً بالموقف الأمريكي أكثر مما هي محمية بالحشود التركية أو بالتفاهمات التركية-الروسية. 
في الجهة المقابلة، يخشى سوريون كثر أن تكون سياسات بايدن إزاء سوريا استئنافاً لسياسات أوباما، لا يبدد الخشية إعلان بعض أركان إدارته المقبلة عن نوايا مختلفة في ما خص التعاطي مع الملف النووي الإيراني ربطاً بملف الصواريخ والتدخلات الإيرانية في المنطقة. الأمل يكاد ينحصر بوزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن الذي كان في أثناء إدارة أوباما مع توجيه ضربة لبشار عقاباً على استخدامه الكيماوي، تعيين ويندي شيرمان في منصب نائب وزير الخارجية يثير المخاوف بسبب ماضيها ككبيرة المفاوضين في الاتفاق النووي أيام أوباما، وكان الاتفاق من ضمن الأسباب التي دفعت الأخير إلى التضحية بوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون المتحفظة حينها على المفاوضات. 
هذه ليست المرة الأولى التي تبرز فيها المفارقة ذاتها، إذ يُفترض أن تبتهج الشعوب المقهورة في المنطقة بمجيء إدارة لها موقف متقدم من قضايا المهمشين عموماً، وما يخص البشرية قاطبة مثل قضايا المناخ والصحة والهجرة وغيرها. إلا أن هذه المواقف المتقدمة تبدو بمعظمها شأناً داخلياً لا ينعكس على السياسات الخارجية التي لا يندر أن تكون في غير صالح تطلعات هذه الشعوب. 
من الأمثلة الشائعة اتخاذ الأحزاب اليسارية، أو الأقرب إلى اليسار، مواقف إيجابية في بلدانها من اللاجئين والمهاجرين، مع اتخاذ مواقف خارجية محابية لطغاة مثل بشار الأسد. هذا يضع اللاجئ، بسبب أولئك الطغاة، في مأزق سياسي إذ يضعه موقعه كلاجئ أمام استحقاق تأييدها، بينما تدفعه سياساتها الخارجية الخاصة ببلده الأم في الاتجاه المعاكس. ومن الأمثلة الشائعة، التي لا تخلو من دلالة وتبعات أيضاً، اتفاق اليمين واليسار المتطرفين والشعبويين على دعم أولئك الطغاة رغم اختلافهما الشديد في الموقف من اللاجئين. 
ليس هذا ما يريده أنصار التغيير الديموقراطي في سوريا؛ أن يبتهج بشار وينام مطمئناً بفضل انتصار الحزب الديموقراطي في الانتخابات الأمريكية، بينما لا يستطيعون الابتهاج بلا غصة أو بلا تخوف من سياسات بايدن. هكذا يجد بشار لنفسه مكاناً ضمن العالم الواسع المحتفل برحيل ترامب، بينما يُطرد ملايين السوريين من الانتماء إلى الاحتفال، وإلى القيم التي يُفترض أنها لصالحهم بينما يرونها تعمل ضدهم. 
من السهل على الذين اعتادوا توبيخ شعوب المنطقة وصمها بمعاداة القيم "التقدمية" المشتركة للبشرية، إذا علّقت آمالها على قادة مثل ترامب، من دون التوقف عند الواقع العملي الذي يطرد تلك الشعوب خارج المنظومة المشتركة بينما يستوعب بقاء بشار وأمثاله. لقد قدّم أوباما درساً نموذجياً، عندما كان يرى وحشية بشار، لكنه لا يرى بديلاً مناسباً له، أو لا يرى سوريين قادرين على الانتصار عليه لأنهم بسبب سياسة إدارته محرومون من وسائل فعالة للدفاع عن أنفسهم. 
ما سبق لا ينبغي أخذه كإمتداح لقيادات من طراز ترامب، هو دفاع عن حقنا بالشراكة والاحتفال بقيم تكون لصالحنا مثلما هي لصالح البشرية. هو دفاع عن ألا يبقى احتفالنا احتفال الضعفاء بفرح الأقوياء "البخلاء"، بل أن يكون احتفالاً بما لنا حق فيه.