الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وضع إنساني مأساوي في "خان شيخون" مع نزوح 100 ألف ودخول قوات النظام السوري إلى المدينة

وضع إنساني مأساوي في "خان شيخون" مع نزوح 100 ألف ودخول قوات النظام السوري إلى المدينة

22.08.2019
هبة محمد


القدس العربي
الاربعاء 21/8/2019
دمشق – "القدس العربي": انسحبت فصائل المعارضة السورية والتشكيلات العسكرية "الجهادية" الأخرى، فجر الثلاثاء، من أربع مدن وبلدات متجاورة، في أرياف إدلب وحماة شمال غربي سوريا، في أعقاب حملة عسكرية متواصلة، يشنها النظامان الروسي والسوري منذ نحو 100 يوم، على المناطق المحيطة بالطريق الدولي بين حلب ودمشق، على كل من مدينة خان شيخون الاستراتيجية، وبلدات اللطامنة، كفرزيتا ومورك في ريف حماة الشمالي القريبة منها.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ان النظام السوري وحليفه الروسي، يواصلان تصعيد عمليات القصف الجوي على ريفي حماة وإدلب، بالرغم من دخول قوات النظام إلى مدينة خان شيخون حيث عملت القوات على تمشيطها، فيما باتت نقطة المراقبة التركية الموجودة في مورك بحكم المحاصرة، ولم يبق أمام عناصرها إلا الانسحاب عبر طرق تحت سيطرة النظام ميدانياً أو نارياً.
يجري ذلك وسط تدهور الأوضاع الإنسانية، بسبب مواصلة الأعمال الدموية في آخر معقل للمعارضة السورية، إذ يُواجه المدنيون في ريف ادلب الجنوبي أزمة إنسانية ضخمة، دفعت بعشرات الآلاف منهم للنزوح من مساكنهم، بعد ارتكاب عمليات قتل ومجازر متعمدة بحق المدنيين.
"النقاط التركية"
وعلى ضوء محاصرة قواتها، وبقائها في موقعها، تحاول تركيا إدارة الوضع بشكل يبقي تفاهم "سوتشي" مع روسيا قائماً، وهو الخيار الذي اعتبره مراقبون وخبراء لـ "القدس العربي" "المنطقي الوحيد بالنسبة لها" إذ أنها لا يمكن ان تضع نفسها بوضع تصادمي مع روسيا، دون دعم كامل وغطاء من الناتو وبالتحديد من الولايات المتحدة. وأكدت انقرة في تصريحات لوزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، أمس الثلاثاء، أنها لا تنوي نقل نقطة المراقبة التاسعة في إدلب السورية إلى مكان آخر، لافتة إلى انها تجري "اتصالات على المستويات كافة" مع روسيا على خلفية واقعة الهجوم على الرتل العسكري التركي.
لافروف للأتراك: موجودون في إدلب… تشاووش أوغلو محذراً النظام: لا تلعب بالنار
وحذر تشاووش أوغلو، النظام السوري من مغبة "اللعب بالنار" بعد تعرض رتل عسكري تركي لهجوم، يوم الاثنين، أثناء توجهه إلى نقطة مراقبة في محافظة إدلب الخاضعة لاتفاق خفض التصعيد. وقال تشاووش أوغلو، في مؤتمر صحافي عقده في أنقرة: "على النظام السوري ألا يلعب بالنار وسنفعل كل ما يلزم من أجل سلامة جنودنا".
وحول أهمية بقاء نقطة المراقبة التركية التي نتج تأسيسها عن اتفاق سوتشي، والحفاظ على موقعها في ريف حماة وسط سيطرة قوات النظام، ويقول خبراء ان اتفاق سوتشي، المبرم بين الرئيسين التركي رجب طيب اردوغان، والروسي فلادمير بوتين، سيبقى قائماً ومستمراً، بالرغم من سيطرة النظام على الطريق الدولي، شمال خان شيخون، و"سيحكم ذلك ما سيلي من إجراءات لتثبيت تفاهم سوتشي وإجراءات تثبيت وقف إطلاق النار مجدداً، إذ ان للطريق أهميتين، أولهما انه خط إمداد عسكري وتجارة داخلية، كما انه خط ترانزيت للتجارة الدولية بين أوروبا والخليج عبر سوريا، وهذا يعطي وزناً للدور التركي في هذا البند".
المختص في العلاقات الروسية – التركية، د. باسل الحاج جاسم اعتبر ان النقطة التركية في الأساس هي نقطة مراقبة في إطار اتفاق أستانة لخفض التصعيد، لافتاً إلى ان وجودها لا يعني التمهيد لعودة سيطرة المعارضة المكانية إلى المنطقة، حيث قال "ان اي تعويل على أهداف أخرى لوجودها هو بعيد عن الواقع".
ومن البداية، كان معروفاً، حسب رؤية الخبير في العلاقات الدولية، لـ "القدس العربي"، ان اي معارك في هذه البقعة الجغرافية هي لهدفين بشكل أولي، تأمين الطرق الدولية والتي تحمل رموز: "إم فور"، بالإضافة إلى تأمين روسيا قاعدتها العسكرية في حميميم، وذلك بتأمين منطقة جغرافية حولها لعمق معين. ومع سقوط المدينة، يعتبر مراقبون ان ما جرى في خان شيخون هو اقتراب من استكمال اتفاقات "أستانة" و"سوتشي"، التي نفذ أغلب البنود التي نصت عليها حتى الآن، حيث قال الحاج جاسم، ان سيطرة النظام على المدينة الهامة، يبقى في إطار "سوتشي"، المعروف ببنوده الكثيرة وتعدد مراحله، و"لا يخفى أن روسيا سبق وأعلنت أن تركيا لم تتمكن من تنفيذ بنود الاتفاق على طريقتها" كما ان استمرار العمل باتفاق سوتشي محكوم بمدى استمرار حاجة الأطراف الموقعة عليه. وبعد تحقيق الأهداف المذكورة، لا بد من الانتظار، إلى أن يحين موعد تحديد أولويات المرحلة المقبلة وما هي الاتفاقات التي ستحكمها، وهل سيكون هناك تحديث للاتفاقات السابقة أم لا؟
وفي رسالة اعتبرها مراقبون موجهة للأتراك أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس وجود عسكريين روس على الأرض في إدلب، وشدد على أن أي اعتداءات انطلاقاً من إدلب سيتم التصدي لها بكل حزم وقوة. ونقل موقع "روسيا اليوم" عن لافروف القول في موسكو: "لقد أكدت بشكل واضح أنه إذا واصل (الإرهابيون) هجماتهم انطلاقاً من تلك المنطقة على الجيش السوري والمدنيين وقاعدة حميميم الجوية الروسية، فإنهم سيواجهون رداً حازماً وقاسياً". وتابع أن "الجيش التركي أنشأ عدداً من نقاط المراقبة في إدلب وكانت هناك آمال معقودة على أن وجود العسكريين الأتراك هناك سيحول دون شن الإرهابيين هجمات، لكن ذلك لم يحدث". وشدد على أنه تم إبلاغ تركيا بأن "الجهود من أجل التصدي لاعتداءات مسلحي "جبهة النصرة" والقضاء على الإرهابيين في إدلب ستتواصل". وأضاف لافروف "الإرهابيون يتحكمون في معظم مساحة محافظة إدلب السورية، بعد أن كانوا يتحكمون بـ 50 في المئة".
عسكرياً
وتتواصل المعارك والمواجهات العنيفة، بين قوات النظام السوري والميليشيات الحليفة له، من جهة، وفصائل المعارضة السورية، التي أعلنت انسحابها من مواقعها، وقال المتحدث العسكري للجبهة الوطنية للتحرير ناجي مصطفى ان الانسحاب جاء نتيجة "للهجمة المسعورة والقصف العنيف المستمر الَّذي تعرضت له قرى وبلدان ريف حماة الشَّماليِّ، لافتاً في بيان عسكري نشره على قناته الرسمية عبر "التلغرام" انه "من الطبيعي جداً أن تقوم وحداتنا المقاتلة بتغيير مواقعها .. الَّتي بات من العسير تأمين خطوط إمدادها، وإعادة الانتشار في مواضع أخرى تؤمّن إمكانية الاستمرار في المقاومة".
القيادي العسكري، العقيد فاتح حسون، قال لـ "القدس العربي" ان المعركة في القطاع الجنوبي لمنطقة خفض التصعيد إدلب لم تحسم بعد، والمنطقة لم تطوق بشكل كامل، لافتا إلى ان "مجموعات الفصائل الثورية لازالت تدخل وتخرج إلى المدينة، ولديها قدرة على المناورة وتنفيذ الكمائن والإغارات، بل وتنظيم الصفوف من جديد لاستعادة ما تمت خسارته، فالقوات المشتركة المعتدية (الروسية والإيرانية والأسدية) استطاعت بعد استخدام سياسة الأرض المحروقة والصبيب الناري الكثيف والمتواصل أن تحتل تلة النمر وبالتالي استطاع التأثير نارياً حتى شمال خان شيخون، وتوقف تقدمه في حاجز أبو رباح، ولم يدخل للآن إلى داخل خان شيخون، وما زالت فصائل الثورة والمعارضة تسيطر على خزانات خان شيخون وتلال استراتيجية ولا يوجد تطويق محكم من قبله، والمعارك ما زالت كراً وفراً". بحسب قوله.
وأكد ان نقطة المراقبة لحليف المعارضة الدولي "موجودة في مورك لم تنسحب ولن تنسحب وفق تصريحات وزير الخارجية التركي، وهذا يدلل على ثبات الموقف التركي إلى جانب الشعب السوري المضطهد، وعلى إجراءات وتدابير قريبة يتم اتخاذها على المستويات كافة للجم القوات المعتدية".
إنسانياً
ويتواصل تدهور الأوضاع الإنسانية، في آخر معقل للمعارضة السورية، المدنية منها والعسكرية، إذ ما تزال المعارك محتدمة في ريف إدلب الجنوبي وسط كثافة نيران من قبل سلاح الجو الروسي ومقاتلات النظام على مدار الساعة، وهو ما يخلق كارثة إنسانية بسبب موجات النزوح التي تغادر باتجاه شمال إدلب والمناطق المحاذية للشريط الحدودي مع تركيا.
المعارض السياسي، درويش خليفة قال إن نزوح ما يقارب مئة ألف شخص، من مدينة خان شيخون وحدها، بمن فيهم النازحون من المناطق التي تم تهجيرها في السابق باتجاه قطاع إدلب. ولفت إلى ان "الإمكانات لدى المجالس المحلية والمنظمات العاملة في المناطق المنكوبة، غير قادرة على تأمين المأوى للنازحين والغذاء ومياه الشرب الصالحة، بسبب الانقسام الدولي حول وضع قطاع إدلب الذي تعتبره بعض الدول الغربية محاربة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) والبعض الآخر ينظر للأحداث هناك على أنها انتهاك لحقوق الإنسان من خلال القصف المستمر للمؤسسات المدنية كالمشافي والمدراس ومراكز الدفاع المدني".
من جهة أخرى أصدر فريق "منسقو استجابة سوريا" بياناً عبر فيه عن القلق البالغ من تدهور الأوضاع الإنسانية في "ريف ادلب الجنوبي"، مؤكداً أنه لا يمكن الحفاظ على ما تبقى من حياة المدنيين إلا "بتجنيبهم الخطر وتطبيق القواعد الأساسية والإنسانية أثناء الحروب". ولفت إلى ان القصف المتواصل حوّل المدنيين إلى أهداف عسكرية، وعرّض حياتهم للخطر، "فلم يمتنع النظام السوري وحليفه الروسي من ممارسة الأعمال الارهابية ضد المدنيين، ولم يهتم بتقليل الخراب الذي يُلحقه بالأشخاص وممتلكاتهم العامة والخاصة، لقد تم تدمير المستشفيات والمدارس، واليوم هناك جزء كبير من السكان بات رهينة، ويعيش تحت رعب القتل إن حاول الهرب".
وأطلق الفريق مناشدة إنسانية ودعوة فورية، مُطالباً بتجنيب المدنيين في "ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي" من أي خطر، وابعادهم عن مناطق الحرب من خلال السماح بفرض هدنة إنسانية لإخراج المدنيين العالقين من المنطقة.