اخر تحديث
الثلاثاء-07/05/2024
موقف
زهيرفيسبوك
رؤية
دراسات
مشاركات
صحافةعالمية
قطوف
جديد
مصطلحات
رسائل طائرة
الثورة السورية
حراك الثورة السورية
حدث في سورية
نساء الثورة السورية
اطفال الثورة السورية
المجتمع السوري المدمر
شعارات الثورة السورية
ثلاث سنوات على الثورة
أيام الثورة السورية
المواقف من الثورة السورية
وثائقيات الثورة السورية
أخبار سورية
ملفات المركز
مستضعفين
تقارير
كتب
واحة اللقاء
برق الشرق
وداع الراحلين
الرئيسة
\
مشاركات
\ وسائل الإعلام : بين الهِداية والهَذيان
وسائل الإعلام : بين الهِداية والهَذيان
27.08.2018
عبدالله عيسى السلامة
قال المعرّي : يَكفيك شرّاً من الدنيا، ومنقصة = ألاّ يَبينَ لك الهادي ، من الهاذي !
لمْ يَنصبّ الشرُّ والمنقصة ، هنا ، على الهاذي ، بل ، على من لايَميزه ، من الهادي ! فلمَ ؟
إنّها مشكلة معقدة ، حقاً ، لم يستطع البشر حلها ، على مدى العصور، ولايبدو أنهم قادرون ، على حلها ، حتى يَرث الله الأرض ، وما عليها !
وسبب تعقيدها، أن عناصر كثيرة ، جدّاً، متداخلة فيها، متشابكة ، يُمسك بعضُها برقاب بعض!
في القرآن الكريم ، آيات كثيرة ، تتحدّث عن الصادقين والكاذبين ، وعن الذين يحلفون الأيمان، كي يصدّقهم الناس ، وهم كاذبون !
وفي الحديث النبويّ ، أنه : ستأتي على الناس ، سنون خدّاعات ، يُصدّق فيها الكاذب ، ويُكذّب الصادق ، ويخوّن فيها الأمين ، ويؤتمَن الخائن !
وإذا كانت هذه الأمور، موجودة ، من أقدم العصور، فالمقصود ، هنا ، تكاثرها ، بشكل كبير، حتى يلتبس أمرها ، على كثير من البشر !
المستويات المتفاوتة ، بين الناس ، من حيث : الفهمُ والعلمُ ، والطبعُ والخُلقُ .. تؤثر في ، كثرتها وقلتها !
المصالح والأهواء ، والنزعات الإنسانية المتباينة ، لها تأثير كبير، في هذه الأمور!
ثمّة طرفة ، تُنقل ، عن بعض الحلاّقين ، في باريس :
كَتب أحدُ الحلاقين ، على باب محله ، لافتة ، تقول : هنا أحسن حلاّق ، في العالم !
وكتب آخر، في اليوم الثاني ، على باب محله ، في الشارع ، نفسه: هنا أحسن حلاّق، في فرنسا!
وكتب أخر، بعده ، على باب محله ، في الشارع ، ذاته : هنا أحسن حلاق ، في باريس !
وكتب الرابع ، بعدهم ، في الشارع ، ذاته : هنا أحسن حلاق ، في هذا الشارع !
فإلى أيّ المحلات الأربعة ، يدخل ، مَن يودّ حلاقة شعره !؟
ودعاياتُ الناس ، لبضائعهم وسلعهم ، ليست مقصورة ، على الأمور المادّية ، بل تدخل فيها، الأمور المعنوية والأدبية ، وغيرها !
مفاخراتُ الشعراء ، فيما بينهم ، كثيرة ، ودعاوى النقاد ، حول أفضليات الشعراء ، كثيرة جدّاً!
مدائحُ الشعراء ، للملوك والأمراء والأثرياء ، تَرفع بعض الممدوحين ، إلى مراتب عليا ، من الفضل والجود والشجاعة ، حتى ليظنّ السامع ، أن الممدوح الفلاني ، هو وحيد عصره !
مدائحُ المتنبّي ، لكافور، كيْ يُوليه ، على أحد أقاليم مصر، معروفة ، مدوّنة ، في ديوانه.. وأهاجيه ، له ، بعد أن خاب أمله ، فيه ، معروفة ، مدوّنة ، في ديوانه ، كذلك ! وكافور، هو ذاته، لم يتغيّر، ولم يتبدّل ، كلّ ما تغيّر ، هو نظرة الشاعرإليه ، بين الأمل ، وخيبة الأمل !
سأل النبيّ ، عَمرو بن الأهتم ، عن الزبرقان بن بدر، بحضور الزبرقان ، فأثنى عليه ! وغضب الزبرقان ؛ لأنه رأى الثناء ، قليلاً عليه ! فذمّه عمرو ! وحين رأي التغيّر، في وجه النبيّ ، الذي استغرب الثناء والذمّ ، من الرجل نفسه ، في الرجل ذاته ، في المجلس عينه ! قال عمرو: يارسول الله ، رضيتُ ، فقلت أحسن ماعلمتُ ، وغضبتُ فقلت أسوأ ماعلمتُ ، وماكذبتُ في الأولى ، ولقد صدقتُ في الثانية ! فقال النبيّ : إنّ من البيان لسِحراً ، وإنّ من الشعر لحِكمة !
أمّا في العصر الحديث ، فقد أخذت الأمور مناحيَ مختلفة ، في المدح والذمّ ، وفي الترويج لبضائع ، من أصناف مختلفة ، مادّية ومعنوية : عَقدية ، ومذهبية ، وقومية ، وحزبية ..!
صار للحكّام ، أجهزة إعلام كاملة ، عملها اليومي ، هو الثناء عليهم ، وعلى منجزاتهم ، وعبقرياتهم ! تجعل هزائمهم انتصارات ، وخيباتهم إنجازات ، وحماقاتهم سياسات حكيمة، وتذلّلهم ، بين أيدي حكّام الغرب : حنكة ، وحكمة ، ودهاء ، ومرونة ، وكياسة.. !
وتُبث ، في هذه الأجهزة ، قصائد الشعراء ، في المدح والتبجيل .. وفتاوى علماء السلطان ، في تسويغ أعمال الحكّام ، من الناحية الشرعية ، وذلك ؛ لتضليل الشعوب ، وكسب إعجابها بحكّامها، العظماء النبلاء !
ولله درّ القائل : وكلٌّ يَدّعي وصلاً ، بليلى = وليلى لا تُقِرّ ، لهمْ ، بذاكا
وبرغم أن وسائل التواصل الحديثة ، مفتوحة للجميع ، من صاقين وكاذبين ، ومن هادين وهاذين، فإن أصوات الكذب والدجل ، والهذيان والتزييف .. أعلى ، بكثير، من أصوات الصدق والحقّ ، والخير والنبل والهداية ! وأسباب ذلك كثيرة ، لامجال لتعدادها ، هنا ، لكنّ الأخيار القادرين ، على منافسة الأشرار ، مسؤولون عن تقصيرهم ، أيّاً كان نوعه : فنياً ، أو فكرياً ، أو مالياً ؛ بدعم قنوات الصدق والخير والهداية !
وسبحان القائل :( بل الإنسانُ على نفسهِ بَصيرةٌ * ولو ألقى معاذيرَه ) .