الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ور نام نهادن”.. زهور على جسد الثورة السورية

ور نام نهادن”.. زهور على جسد الثورة السورية

25.04.2019
عماد غليون


جيرون
الاربعاء 24/4/2019
يستحضر سلافوي جيجك في كتابه (سنة الأحلام الخطيرة) تعبيرًا رائعًا بالفارسية هو: “ور نام نهادن”، ويعني “أن تقتل شخصًا وتدفن جثته، ثم تُنمّي زهورًا حول جثته لتخفيها”.
يرى سلافوي ذلك معبرًا عن مهمة الأيديولوجيا المهيمنة، في تحييد البعد الحقيقي لثورات الربيع العربي، حيث لعب الإعلام المسيطر دور “ور نام نهادن”، من خلال قتل التحرر الجذري الكامن في الحراك، ثم تنمية الزهور فوق الجثة المدفونة.
رافق “ور نام نهادن” مراحل إجهاض الثورة السورية، في سلسلة منهجية من قتل الشعب وتهجيره، وتدمير البلاد والتفريط بالسيادة والاستقلال وسرقة الثروات الوطنية وإهدارها، وبات ممكنًا ضياع الخارطة السورية بكاملها كما كانت قبل 18 آذار/ مارس.
يبدو أن الإيرانيين كشفوا للأسد أسرارًا جديدة من “ور نام نهادن”، تجلى ذلك في طقوس غرائبية من الرقص والدبكة، ترافق كل انتهاك تتعرض له جثة الوطن السوري المتفسخة، ويعجز الطب النفسي عن فهم وتفسير مظاهر الفرح الاستفزازية المبالغ بها لدرجة تتجاوز حدود الوقاحة، ضمن طوابير الانتظار المذل أمام محطات الوقود، يتخطى ذلك وصف متلازمة ستوكهولم، وكما يبدو فإن سوريي الداخل باتوا متعايشين مع متلازمة خطيرة هي عبثية مفرطة تلعب دورًا إيجابيًا في استمرارهم على قيد الحياة، والتغطية على عجزهم في العثور على تفسيرات حتى ما ورائية لمصابهم الجلل، ويشوب ذلك حالة من العدمية، من جراء ممارسات أو ردات أفعال خلال سنوات، تعرضوا فيها لأخطار القتل والخطف والاعتقال والتهجير، وتهديدات مستمرة باحتمال التعرض لخسارة مقومات الحياة في أي لحظة ومن دون مقدمات.
في مواجهة حالات متوقعة من الشماتة، ظهرت لدى بعض سوريي الخارج من جمهور الثورة دعواتٌ لإبداء التعاطف مع أهل الداخل، ودعمهم في أزمات متنقلة متكررة يعانونها، ويدافعون عن وجهة نظرهم تلك من منظور وطني، إضافة إلى البعد الإنساني، ويدعون لتجاوز ردات أفعال سابقة من مؤيدي النظام، عند حصار مناطق الثورة والمعارضة بشكل جائر وقصفها بشكل همجي، ومظاهر الفرح والابتهاج التي أبداها كثيرون منهم، وفي الحد الأدنى عدم الاكتراث بما يحصل، على أمل أن ينسج ذلك خيوطًا جديدة من التواصل والتقارب بين السوريين.
تبدو أزمة المحروقات خانقة وغير مسبوقة، وينبغي عدم الوقوع في شراك التفاؤل المخادع، والاعتقاد بأنها تندرج ضمن خطة خارجية مبرمجة لإسقاط النظام الذي بات طفيليًا بالمطلق، وتستغل الأنظمة الدكتاتورية عادة الأزمات الناتجة عن الحصار المفروض عليها، حيث تعتاش عليها الطغمة الحاكمة والطبقة المحيطة بها.
تبدو دوافع حلفاء نظام الأسد واضحة في تكريس الأزمة، بدلًا من تقديم حلول فورية ناجعة لها، وهي تعمل على استغلالها، قبل بروز تموضعات جديدة في صراع المصالح الإقليمية والدولية على مائدة الملف السوري. وتريد إيران (التي تواجه هي الأخرى عقوبات أميركية شديدة) استعادة جزء من الفاتورة الضخمة التي دفعتها في سورية، بينما حصد الروس بالفعل مكاسب ضخمة، كان آخرها مرفأ طرطوس، بعد اللاذقية وقاعدة حميميم وامتيازات التنقيب الهائلة عن النفط والغاز قبالة الساحل السوري.
على خلفية الأزمة، ظهرت صراعات مصالح داخلية تجلت في اقتتال مباشر بين ميليشيات تابعة لروسيا وأخرى لإيران، كما تجري تصفيات بين رجالات المافيا الجديدة وتجار الحرب مثل قاطرجي وفوز، ضد حيتان الاقتصاد السوري التقليدية من آل الأسد ومخلوف وشاليش، وهو ما قد يفتت أو يضعف تماسك البنية الاقتصادية الداخلية الداعمة للنظام.
لم تنجح الثورة والمعارضة في إسقاط النظام عسكريًا أو سياسيًا، وربما كان خيار الحصار الاقتصادي مؤثرًا وفاعلًا، عندما عاشت الثورة زخمها الأقصى، لكن المعارضة لم تتبنَ ذلك الخيار بشكل واضح، لاعتقادها أن الفقراء وحدهم يدفعون فاتورة الحصار، كما أن دول الجوار العربي -الأردن ولبنان والعراق- خرقت الحصار منذ بدايته، وساهمت دولة الإمارات بشكل رئيسي في احتضان رجال أعمال ورؤوس أموال النظام المهربة وتبييض عملياته غير المشروعة، وتلقّى اقتصاد النظام دعمًا قويًا من التحويلات المالية بالعملة الصعبة، مقابل رسوم الجوازات وبدلات الخدمة العسكرية والمساعدات الأممية الضخمة.
ور نام نهادن”… ويستمر الرقص فوق الجسد السوري المثخن بالجراح بانتظار سقوط النظام.