الرئيسة \  تقارير  \  فورين آفيرز: على أمريكا نزع فتيل التوترات في الشرق الأوسط قبل الانسحاب منه

فورين آفيرز: على أمريكا نزع فتيل التوترات في الشرق الأوسط قبل الانسحاب منه

08.12.2021
السياق


ترجمات - السياق
الثلاثاء 7/12/2021
طالبت مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية، الولايات المتحدة بضرورة نزع فتيل التوترات في الشرق الأوسط، قبل الانسحاب من المنطقة.
وقالت المجلة، في تقرير، إن شعار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشرق الأوسط بسيط للغاية وهو "إنهاء الحروب الأبدية"، مشيرة إلى أن البيت الأبيض يبدو منشغلاً بإدارة التحدي الذي تشكله الصين، كما أنه يهدف إلى فصل الولايات المتحدة عن صراعات الشرق الأوسط التي لا نهاية لها، ولا يمكن الانتصار فيها، لكن فك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة، يهدد بترك فراغ سياسي تملأه الخصومات الطائفية، ما يمهد الطريق لمنطقة أكثر عنفاً وغير مستقرة.
تحديات إيران
وأضافت المجلة أن الصراع على الأسبقية الجيوسياسية، بين الثيوقراطية (الحكم الديني) الشيعية في إيران والدول التي يقودها العرب السُّنة، ومؤخراً تركيا، يؤجج الصراع في المنطقة، ما يؤدي إلى تآكل المواثيق الاجتماعية، وتفاقم عدم كفاءة الدول، وتحفيز الحركات المتطرفة، وذكرت أن الشرق الأوسط كالصندوق القابل للاشتعال.
وقالت المجلة، إن التحديات التي تواجه إيران، تتزايد في جميع أنحاء المنطقة "صحيح أن السُّنة سئموا التطرف، لكن الغضب الذي غذى صعود داعش لا يزال موجوداً، ومن المتوقع أن تستخدمه حركات التمرد الجديدة، في الأجزاء المحطمة من المنطقة مرة أخرى، إذ يتزايد غضب السُّنة في العراق ولبنان وسوريا، من تحركات طهران وحلفائها لتشديد قبضتهم على السلطة، كما ظهر الإرهاب في أفغانستان، حيث تنزلق البلاد إلى الفوضى، في أعقاب وصول حركة طالبان إلى السلطة مرة أخرى".
وحذرت المجلة، من أنه من دون تبني أي عملية سياسية لنزع فتيل هذه التوترات، من المحتم أن تندلع موجات جديدة من الاضطرابات وإراقة الدماء في المنطقة.
مسار تصادمي
وقالت المجلة إنه بسبب تدخل تل أبيب، فإن الاستقرار الإقليمي يخضع بدرجة أكبر لمصير البرنامج النووي الإيراني.
وأضافت أن واشنطن وتل أبيب تتناقشان الآن بشأن "الخطة ب" إذا ظلت التسوية الدبلوماسية الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني بعيدة المنال، وهو المسار الذي سيضع إيران والولايات المتحدة على مسار تصادمي، إضافة إلى تفاقم التوترات الطائفية، وتعميق الانقسامات المجتمعية، وإثارة صراعات جديدة من بلاد الشام إلى أفغانستان.
وأوضحت مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية، أن رغبة واشنطن في بذل جهود أقل في الشرق الأوسط، تأتي في وقت تميل فيه الصين وروسيا إلى المنطقة بشكل أكبر، بينما ترفض حكومة أبراهيم رئيسي في إيران الاستسلام، مشيرة إلى أن الدول العربية أقل ثقة من أي وقت مضى، في الضمانات الأمنية الأمريكية، لذا فإنه ما لم تمهد الولايات المتحدة الطريق لنظام إقليمي أكثر استقراراً، بدءًا من إبرام صفقة لبرنامج إيران النووي، فإنها قد تجد نفسها منجرفة مرة أخرى إلى صراعات الشرق الأوسط، رغم بذل قصارى جهدها للانسحاب منها.
التوسع الإيراني
واعتبرت المجلة أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 هو الذي سمح لإيران بتوسيع نفوذها بشكل كبير في العالم العربي، وقالت إنه منذ أن أسقطت الولايات المتحدة النظام الاستبدادي، الذي ضمن بقاء حكم الأقلية السُّنية في بغداد، لعبت طهران على الولاءات الطائفية، لتمكين شبكة من الوكلاء المسلحين، التي تمتد من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن، والتي يُطلق عليها "الهلال الشيعي"، وبذلك تكون إيران مكنت الشيعة على حساب السُّنة في جميع أنحاء المنطقة.
وأضافت المجلة، أن وجود إيران الإقليمي توسع بالتوازي مع برنامجها النووي، مشيرة إلى أنه رغم أن الولايات المتحدة كبحت طموحات طهران النووية عام 2015 بشكل فعال من خلال صفقة بوساطة دولية، فقد ثبت أن احتواء طموحاتها الإقليمية بعيد المنال، إذ أثار إصرار واشنطن على عدم إدراج المسائل الإقليمية في المحادثات النووية حفيظة حلفائها العرب، الذين كانوا آنذاك على وشك دخول النهاية الخاسرة للحروب الطائفية بالوكالة في العراق وسوريا واليمن.
وحسب المجلة، فإن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، عزز مخاوف حلفاء أمريكا من العرب بشأن مدى التزام واشنطن بمساعدتهم في هذه الصراعات عندما نصح الإيرانيين والسعوديين بأنهم بحاجة إلى "طريقة فعالة لمشاركة الجوار".
قنبلة نووية
وبحسب المجلة،  فإن إيران خرجت من عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أكثر عدوانية وقدرة على الفتك، فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، زادت طهران مخزونها من اليورانيوم المخصب، ووسعت بنيتها التحتية النووية، واكتسبت المعرفة النووية المهمة، وأصبحت قريبة بشكل خطير من امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لصُنع قنبلة نووية.
ورأت المجلة أن الاتفاق النووي مع إيران، يظل الرادع الأهم لمزيد من عدم الاستقرار الإقليمي، قائلة إن هناك أسبابًا مفهومة تجعل إدارة بايدن مترددة في العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، إذ من المقرر أن تنتهي بعض قيود الاتفاقية على إيران، قبل نهاية الولاية الأولى للرئيس بايدن، كما أن رفع العقوبات المطلوبة كجزء من الصفقة، سيثير انتقادات من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) ولهذه الأسباب، تقول الإدارة الأمريكية إنها تريد صفقة "أطول وأقوى".
وتابعت: "لقد شجعت إدارة بايدن الجهات الفاعلة الإقليمية على التحدث مع بعضها، لكن هذه الحوارات لن تستمر إذا تعثرت الجهود المبذولة لاستعادة الاتفاق النووي، والضحية الأولى سيكون الاستقرار في العراق ولبنان، الأمر الذي يتطلب توافقاً بين الأطراف الشيعية والسُّنية، ولكي تتمكن إدارة بايدن من إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، فإنها بحاجة إلى تحقيق قدر ضئيل من الاستقرار الإقليمي، ويجب أن يبدأ هذا الجهد بإعادة إيران والولايات المتحدة إلى الامتثال المتبادل لاتفاق 2015".
 مناورة خطيرة
على مدى أكثر من أربعة عقود، نظرت الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، على أنه منطقة حيوية لمصالحها الوطنية، وأقامت تحالفات مع دول عربية لاحتواء إيران، وإبعاد الإسلاموية، وإدارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن الاستراتيجية الأمريكية كانت أكثر نجاحاً، عندما تمكنت من الحفاظ على توازن قوى مستقر بين إيران وجيرانها العرب، وظلت تحاول استعادة هذا التوازن، منذ أن قوضته بغزو العراق عام 2003.
والآن، في مواجهة تحديات عالمية أخرى مُلِحة، فإنها تتخلى عن هذا الجهد، إلا أنها لها مبرراتها لتبني هذه الاستراتيجية، فالسعي إلى تحقيق توازن قوى بعيد المنال، مكلف للغاية، خاصة أن الشرق الأوسط لم يعد حيوياً للمصالح القومية الأمريكية كما كان.
ورأت المجلة، أن ترك المنطقة لأجهزتها الخاصة، مناورة خطيرة أيضاً، قائلة إنه من دون ترتيب أمني جديد، ستكون الفوضى والصراع، النظام السائد في الشرق الأوسط.
وتابعت: "عودة التطرف، وشبح المزيد من انهيار الدول، والحروب الكبيرة والصغيرة على الأراضي والموارد، والصراع المفتوح بين إيران وإسرائيل، ستكون لها عواقب أمنية وإنسانية كارثية، تتطلب حتماً الاهتمام الأمريكي بالمنطقة من جديد".
وأضافت المجلة: "إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تتجاهل عبء الحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط، يتعين عليها أن تبحث عن بديل، وهو ما يتمثل في ترتيب يمكن أن ينهي الصراعات الأكثر خطورة في المنطقة، ويضع قواعد قابلة للتطبيق، كما يجب أن تبدأ تلك المهمة بنزع فتيل الصراع، الذي يمثل أكبر تهديد للمنطقة وهو المواجهة مع إيران".