الرئيسة \  مواقف  \  وجهة نظر : ليس على طريقة الاستبداد والمستبدين.. وإنما على منهج من قال: "الدين النصيحة..."

وجهة نظر : ليس على طريقة الاستبداد والمستبدين.. وإنما على منهج من قال: "الدين النصيحة..."

07.05.2022
زهير سالم



زهير سالم*

ولقد أفسد الاستبداد والمستبدون، عقولَ أبناء الأمة، وذائقتَهم، وسلامة تقديرهم للأمور، وأفقدوهم الحكمة التي تعني القدرة على وضع الشيء في موضعه.
يعتبر المستبد ومنظومة الاستبداد من حوله، كلَّ نصح يوجه للحاكم انتقاصا من الهيبة، وجرأة على الدولة، وتزيد فتتمادى فتعتبر كل ناصح ناقما أو رافضا أو متربصا أو فاسد مفسدا، فكيف يقول شخص محكوم لحاكمه: لِمَ؟؟ أو كيف؟؟ أو متى؟؟ أو إن هذا يضر ولا ينفع، أو يفسد ولا يصلح، أو يفرق ولا يجمع، أو يسيء ولا يحسن!!
تمادى المستبد، فتمادت منظومة الاستبداد بكل طبقاتها، حتى فقدت الأمة أجيالها، رجالها ونساؤها، شيبها وشبابها، معنى الفقه الحقيقي لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم." - صحيح مسلم
ولو أنعمنا النظر وأمعناه في كل واحد من هذه العناوين لرأينا عجبا!!
كيف أكون أو تكون أو نكون ناصحين لله؟؟!! أو ناصحين لكتاب الله؟؟!! أو ناصحين لرسول الله؟؟!! أو ناصحين لأئمة المسلمين من الخلفاء والسلاطين والحكام، أو كيف نكون ناصحين لأنفسنا، ينصح بعضنا بعضا، ويهدي بعضنا إلى بعض!! هل ترون كم هو هذا الحديث موئل للعلم بعيد الغور، مستشرف الآفاق..
ولكننا هنا في هذا المقام لاجتلاء أمر آخر، ينبني عليه هذا الفقه، ويبنى عليه. وقد نعود في فرصة أخرى للارتقاء في معارج ذلك الحديث.
نحن هنا لنبين ونميز بين نصح مسلم لمسلم على منهجية الدين النصيحة، وانتقاد مستبَد به لمستبد، على قاعدة أهينوا كبيرهم لا يبقى له هيبة بين الناس.
أحكي لكم هذه الحكاية- وهذه لم تسمعوها ربما من قبل كثيرا - وهي في خلاف تقدير موقف بين سادتنا أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. قالوا: ودخل رجل جِلْف على سيدنا أبي بكر في خلافته، وعمر حاضر مع بعض الصحابة، وأخذ هذا الجلف يتطاول في حضرة سيدنا أبي بكر، وعلى قولنا "يشوبر ويهوبر ويبهور" غير معتبر لحرمة الخليفة ولا لمكانته، ولا لمجلسه منه، وسيدنا أبو بكر يأخذه بلطفه المعهود، وحلمه الممدود، على غيظ وضيق. فاجترأ أحد الصحابة الكرام على الرجل، ولطمه على وجهه لطمة تأديب، وقال له: تأدب في حضرة خليفة رسول !! قالوا وهنا دبت الحمية في رأس سيدنا عمر، فقال لسيدنا أبي بكر: قُده!! أي اسمح للرجل الذي كان قد خنس، أن يلطم الصحابي الذي لطمه، على وجه القصاص والإنصاف. فرد عليه سيدنا أبو بكر : لا والله لا أقيده أبدا إن هذا أهان سلطان الله فاستحق ما نزل به.
المهم في الراوية أن هناك خيطا رفيعا يفصل بين إرادة النصح وإرادة التصغير أو التحقير أو التعيير. وعلينا أن نتربى على إدراك هذا ومعرفته وتعليمه وتدريب الناس في العصر الذي يسمونه "الديمقراطي" عليه.
علينا أن نتربى جميعا حكاما ومحكومين، أمراء ومأمورين على قول كلمة الحق في لبوسها الحق. وعلى سماع كلمة الحق باعتبارها حقا على الناصح وهدية للمنصوح.
وأن نتعلم أنّ
اختلافنا على صاحب قرار في تقدير موقف، لا يجوز أن يعني، ولا أن يحمل ولا أن يفسر على أنه اختلاف على تقدير الشخص نفسه، وإجلاله وحبه وإرادة الخير له، والدعاء له بالتوفيق.
ما أجمل ذلك الذي قال: لو علمت أن لي دعوة مستجابة لادخرتها لصاحب الأمر، لأن في صلاحه صلاح الناس أجمعين..
وحين ترى بعض الكواليش قد تعلقوا بنصح توجه به ناصح لصاحب قرار، أو تقديم رأي أمام رأي، أو تحذير من مغبة رأي، أو حتى تفنيد لرأي، ليجعلوا من كل ذلك سلما، للنيل من الشخص المقصود، ربما يحرجك من هم في منظومة الاستبداد ليقولوا لك: أرأيت فاصمت؟؟
أقول لكل الذين يحاولون هذا: صاحبنا ليس مستبدا، وننصح حبا وثقة لا نقمة، وربما هذا في الزمن الصعب صعب. ولكن يجب أن نرتاض جميعا عليه. لأن فيه السلامة في الدنيا والدين.
اخرجوا من جلودكم أو من جحوركم، هذا منهج رباني يجب أن يسود، وليس للرئيس رجب طيب أردوغان في قلوبنا إلا الخير والحب والنصح ونسأل الله أن يجعله ومن حوله من الذين يحبون الناصحين...
لا تفرحوا بنا أيها الشامتون..
لندن: 4 شوال/ 1443
5/ 5/ 2022
____________
*مدير مركز الشرق العربي