الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وثائق قيصر تتحوّل لقانون يعاقب النظام السوري

وثائق قيصر تتحوّل لقانون يعاقب النظام السوري

17.06.2020
عقاب يحي



القبس
الثلاثاء 16/6/2020
بعضٌ قليل من جرائم النظام السوري بحق المعتقلين تمكّن العسكري المنشق قيصر أن يوثقها بالصور في الفترة من بدايات انطلاق الثورة السورية وحتى منتصف عام 2013، وبلغت 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل ممن تمّت تصفيتهم، تمكّن قيصر من تصويرها كحقيقة دامغة لما يقوم به النظام من جرائم بحق الإنسانية. الصور التي انتشر بعضها هزّت ضمير العالم الذي شاهد بعضها وكانت صادمة جداً وهي تُظهر بقايا بشر، وهياكل عظمية تعرّضت للقتل والتعذيب بطريقة رهيبة تدوس كل قوانين حقوق الإنسان، وحياته، وتشكّل إثباتاً دامغاً على ارتكاب فظائع ترقى إلى مستوى الجريمة الموصوفة بحق البشرية والتي لا تموت بالتقادم. تلك الصور لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من الجرائم المرتكبة بحق المعتقلين، والتي تقدّر بعشرات الآلاف من السوريين الذين جرت تصفيتهم بتلك الوسائل الرهيبة، فيما يعرف بقصة المفقودين التي يرفض النظام الاعتراف بمصير عشرات الآلاف منهم، وقد اعتبرها عديد منظمات حقوق الإنسان العالمية "الهولوكست" السوري المنظم كفعل جرمي يتحمل النظام المسؤولية القانونية عنه. ورغم ما أحدثته تلك الصور المروّعة من تأثير على الصعيد العالمي والدولي، إلا أنها أهملت ولم تجرِ قوننتها واتخاذ إجراءات لمعاقبة الفاعل من قبل الهيئة الأممية، أو الدول، خاصة تلك التي تهتمّ بقضايا حقوق الإنسان، ومتابعة الأفعال الجرمية التي ترتكب بحق البشرية، خاصة في الولايات المتحدة. لكن فريقاً من الناشطين السوريين والمنظمات المدنية المعنية بحقوق الإنسان، وبمشاركة عدد من منظمات حقوقية أوروبية، ودعم شخصيات أميركية، ومنهم أعضاء في الكونغرس، نجحوا في تقديمها إلى مكتب التحقيقات الفدرالي الذي تأكّد من صحتها، ثم العمل على تحريك الملف، وتقديم قيصر لشهادته أمام الكونغرس، وصياغة مسودة "قانون قيصر" في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، وقد رفض مجلس الشيوخ عام 2017 النظر فيه، واستمر تعطيل صدور القانون زمناً طويلاً، لكن جهوداً كبيرة كانت تبذل من قبل "اللوبي السوري" خاصة "المجلس السوري الأميركي"، وعدد من الناشطين السوريين وهيئات أميركية مختلفة، والتي نصحت بتمرير القانون ضمن ميزانية وزارة الدفاع، وقد تمّت الموافقة على الميزانية في 11 ديسمبر من عام 2019، وبتاريخ 17 من الشهر نفسه أقره الكونغرس ورفعه للرئيس للتوقيع عليه، وقد جرى توقيعه من دونالد ترامب بتاريخ 20 ديسمبر، ليصبح نافذ التطبيق خلال مدة أقصاها ستة أشهر، أي أن سريان القانون سيبدأ في 17 يونيو من هذا العام. *** ينص "قانون قيصر" على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية أو التقنية لمؤسسات الحكومة السورية، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن الحكومة السورية أو روسيا أو إيران، أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسوريا قبلاً، وكل من يقدّم الدعم المالي أو التقني أو المعلومات التي تساعد على إصلاح أو توسعة الإنتاج المحلي لسوريا من الغاز والنفط أو مشتقاته، ومن يقدّم الطائرات أو قطعها أو الخدمات المرتبطة بالطيران لأهداف عسكرية في سوريا. كما يفرض عقوبات على المسؤولين لجهة انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم. وحدد مجموعة من الأشخاص المقترح أن تشملهم العقوبات، بينهم رئيس النظام بشار الاسد، ورئيس الوزراء ونائبه، وقادة القوات المسلحة البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولين في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولون عن السجون، ورؤساء الفروع الأمنية. ولإظهار اهتمام الإدارة الأميركية بتطبيق القانون سيتمّ الإعلان عن ذلك من داخل مبنى وزارة الخارجية وبحضور الوزير مايك بومبيو، ومن المتوقع الإعلان عن قائمة تضمّ نحو 25 ـ 40 شخصية من المسؤولين في النظام لفرض عقوبات جديدة عليها. *** لا شكّ أن تطبيق قانون قيصر بشمولية البنود التي يتضمنها، وإشراك الأمم المتحدة والدول دائمة العضوية في واجب تنفيذه سيخلق واقعاً جديداً على النظام يزيد أزمته الاقتصادية، وحتى العسكرية تأزماً، ويقطع عنه أوردة مالية مهمة تتجاوز سوريا إلى لبنان والعراق وإيران، وبما ظهر جلياً في انهيار قيمة الليرة السورية بشكل متسارع. من جهة مقابلة، هناك من يتناول آثار تطبيق القانون على المواطن السوري بأنه سيكون المتضرر الأول منه، وستزداد معاناته بشكل متسارع، وستهبط فئات كثيرة من الطبقة المتوسطة، خاصة من أصحاب الدخل المحدود إلى ما دون خط الفقر، في حين تتحدّث الوقائع أن نحو %80 من السكان هم فعلاً تحت خطّ الفقر، وأن عصبة النظام لن تتأثر كثيراً بتلك العقوبات، خاصة أن معظمهم يملك ثروات ضخمة وأرصدة موجودة في دول خارجية. ضمن ذلك هناك رهان على أن إضعاف النظام بقطع شرايينه الاقتصادية سيجبره على الدخول بالعملية السياسية والانصياع للقرارات الدولية، التي عارضها على مدار السنوات، وإلا سيكون عليه الرحيل وترك البلاد لشعبها الذي يقرر مستقبله، واختيار النظام السياسي الذي يريده.