الرئيسة \  واحة اللقاء  \  واقع منظمات المجتمع المدني في الدول الشمولية والديمقراطية

واقع منظمات المجتمع المدني في الدول الشمولية والديمقراطية

03.03.2019
طارق جابر


سوريا تي في
السبت 2/3/2019
السوريون عموماً لم يكونوا معتادين على سماع مصطلح "منظمات المجتمع المدني" ولم يتقاطعوا مع هذه المؤسسات في حياتهم اليومية لندرة وجودها واقتصار دورها على مجال العمل الخيري في رعاية الفقراء والأيتام، بينما تنتشر بشكل واسع وتتنوع أدوارها ومهامها بشكل كبير جداً في الدول الديمقراطية.
رغم حداثة الاسم إلا أن المفهوم قديم وسابق لظهور الدولة، حيث كان أفراد المجتمع غير القادرين على تحقيق أهدافهم وحماية مصالحهم بشكل منفرد، يعملون بشكل جماعي ومتعاون لتحقيق أهدافهم، ومع مرور الزمن تنوعت مهام هذه المجموعات وأطلِق عليها اسم المنظمات،  ويقع تحت هذا الاسم الشركات التي تهدف إلى الربح، ومنظمات المجتمع المدني غير الربحية والتي تهدف إلى خدمة المجتمع، وتشكلت لاحقاً الدولة وهيئاتها لتكون هي المنظمة المهيمنة بتشريعاتها واحتكارها لحق استخدام العنف على المجتمع، حيث تختلف طبيعة العلاقة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني باختلاف مصدر شرعية الدولة ، مع ملاحظة أن منظمات المجتمع المدني على عكس الأحزاب تسعى إلى التأثير بالسلطة ولكن لاتسعى للمشاركة في الحكم.
فالعلاقة بين المنظمات والدولة الديمقراطية علاقة تعاون وتكامل مع وجود دور رقابي لهذه المنظمات فدوائر صنع القرار المختلفة في الحكومة تشرك هذه المنظمات بصنع القرار ووضع السياسات المحلية، على سبيل المثال تُستشار نقابة الأطباء بما يتعلق بالسياسة الصحية التي ستعتمدها الحكومة قبل طرحها على الرأي العام أو البرلمان لإقرارها مما يقلل من فشل
العلاقة في الدول الشمولية علاقة تابع ومتبوع حيث تقوم المنظمات بترويج لقرارات الدولة وتبريرها وإن كانت تتعارض مع مصلحة المجتمع
السياسات العامة ويضمن مخرجات إيجابية للقرارات الحكومية، كما يلحظ في الدول الحرة تنوع مجالات عمل المنظمات لتغطي مجالات الثقافة ، الحوار المجتمعي، حماية البيئة وحماية المستهلك، بما ينسجم مع  تطور المجتمع وحيويته ويدل أيضاً على نمو الاقتصاد وتطور القوانين والتشريعات.
بينما تكون هذه العلاقة في الدول الشمولية علاقة تابع ومتبوع حيث تقوم المنظمات بترويج لقرارات الدولة وتبريرها وإن كانت تتعارض مع مصلحة المجتمع، فتخون إدارة المنظمة منتسبيها لتحقيق مصالح ضيقة بتحولها لأبواق للنظام مبرررة للقمع كما حصل بُعيد ثورة الثمانينات حيث أعلنت "نقابة عمال حماة" تضامنها الكامل مع "القيادة الحكيمة ضد المؤامرة التي تستهدف صمود سوريا" ونفذت مسيرة تأييد!! وتكرر المشهد بسوداوية أكثر في الثورة السورية الثانية حيث هيمنت الصيغة الأمنية بشكل كامل على بيانات وإعلام النقابات، وتكون منظمات المجتمع في الدول الشمولية محدودة المهام والعدد وتقتصر على النقابات والجمعيات الحرفية والجمعيات الخيرية.
عندما تغيب مؤسسات الدولة يتمدد دور المنظمات ليملأ الفراغ الناجم عن هذا الغياب، وهذا كان واضحاً في الثورة السورية وبالتحديد في المناطق المحررة حيث تعرف السوريون بشكل أكبر على مفهوم المنظمات، وشارك العديد من النشطاء بتشكيل منظمات محلية في المناطق المحررة في المجال الإغاثي/ الإنساني، التنموي، المجال الحقوقي ومجال الحوكمة/ الإدارة المحلية، سعت لتخفيف المعاناة وتوعية المجتمع وتأهيل الكوادر لإدارة المناطق المحررة.
 هناك الكثير من الملاحظات على أداء هذه المنظمات مع ملاحظة أن المناطق المحررة لم تنل فترة هدوء كافية لإرساء نظم ومعايير تضبط عمل المنظمات ، وبالطرف المقابل استثمر النظام منظمات مدارة من قبل أزلامه كجمعية البستان التابعة لرامي مخلوف و منظمة الأمانة السورية للتنمية التابعة لأسماء الأسد حيث كانت أوعية لجمع المال وعلى الأخص من المؤسسات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة فكان الوصي على تنفيذ المشاريع المستهدفة للسوريين الموجودين بمناطقه وقد أظهرت العديد من التحقيقات المستقلة كيف أن هذه الأموال صبت خارج أوعية مستحقيها والأكثر من ذلك مولت آلة الحرب الأسدية وجيوب الشبيحة (تحقيق The Guardian)( تحقيق مركز كارينغي)
لابد من الإشارة إلى الوكالات الدولية العاملة في مجال  التنمية والإغاثة، وإن كانت لا تطابق التعريف الخاص بالمنظمات غير الحكومية فهي إما تابعة لهيئة الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوربي أو تابعة لوزارة الخارجية للدول، وتساعد بتحقيق أهدافها الاستراتيجية، إلا أن عملها يتداخل مع المنظمات المحلية العاملة، تمويلاً وشراكة تنفيذية، يجعل من الضروري مقاربتها من خلال السؤال التالي: لماذا تتدخل هذه الوكالات بمناطق الحروب والنزاعات وتنفذ مشاريع إغاثية، تنموية، حوكمية في دول العالم النامية أو في المناطق التي تعاني من نزاعات مسلحة وثورات؟
قد يكون الجواب الأسهل والذي يحبذه هواة نظرية المؤامرة أنه استكمال أو تأسيس للاستعمار والهيمنة وقد يكون هذا صحيحاً، ولا ننفي إمكانية استثمار أي حادثة لتعزيز مصلحة الدول المتدخلة، كتقديم المساعدات الأمريكية إلى فنزويلا في اللحظة الراهنة، إلا أن هناك سبباً ثانياً يتمثل بأنه لايمكن ضمان استمرار ازدهار إقليم ما على المدى الطويل، في حال وقوع أقاليم مجاورة أو حتى بعيدة عنه تحت تأثيرات
ميثاق المنظمات والوكالات الدولية ينص على منع التمويل المباشر وغير المباشر للأعمال العسكرية وتمويل مشاريع تقع بمناطق تسيطر عليها المنظمات الإرهابية أو الراديكالية
سلبية حادة ناجمة عن الحروب والكوارث الطبيعية من مجاعات وغيرها، مما يدفع بالدول المتمكنة اقتصادياً، لوجستياً، وعسكرياً بالتدخل من خلال أذرعها التنموية،  وهذا بغض النظر عن الدافع الأخلاقي الذي عبر عنه ببلاغة مارتن لوثر كنغ الظلم في مكان ما هو تهديد للعدالة في كل مكان الذي قد لا يكون من القيم المعتمدة  ضمن استراتيجيات الدول خارج حدودها ولغير من يقترع لاختيار هيئاتها السياسية.
من المهم أيضاً التنويه إلى أن ميثاق المنظمات والوكالات الدولية ينص على منع التمويل المباشر وغير المباشر للأعمال العسكرية وتمويل مشاريع تقع بمناطق تسيطر عليها المنظمات الإرهابية أو الراديكالية، أو التي ثبت ارتكابها لتجاوزات ممنهجة ضد حقوق الإنسان كالاعتقال القسري والتعذيب والقتل خارج إطار القانون، والتعدي على حرية المرأة وعمالة الأطفال، وهذا يفسر التوقف الحالي لعمل العديد من المنظمات في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، ما يدعو إلى الاستغراب والاستنكار ازدواجية المعايير، فالعديد من الوكالات مازالت تعمل في مناطق النظام، الذي ثبت ارتكابه لأكثر الجرائم شناعةً بحق المدنيين من قصف للمخابز والمشافي واستخدام الكيماوي وإعدامات جماعية خارج القانون للمعتقلين لديه، والتي تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
إنَّ الفضاء الذي تشغله منظمات المجتمع المدني لايمكن للدولة ولا للسوق والعمليات الاقتصادية أن تملأه، فمن خلاله يعبر الفرد عن تطلعاته وبتضامنه مع باقي الأفراد تتحقق إنسانيته وسعادته، كما تحافظ منظمات المجتمع المدني على قيم الديمقراطية وتعززها، وتشكل صمام أمان يمنع تغول الدولة على المجتمع، وتَحول السلطة السياسية إلى سلطة فاشية تعبر عن مصالح نخبة حزبية أو عائلية، أو تشارك في صنع القرار بمايخدم مصالح المجموعات المختلفة التي تشكل بمجموعها المجتمع.