الرئيسة \  واحة اللقاء  \  واشنطن ـ طهران.. الاحتواء أم الردع؟

واشنطن ـ طهران.. الاحتواء أم الردع؟

14.08.2017
إميل أمين


الاتحاد
السبت 12/8/2017
كيف يمكن للمرء أن يوصف العلاقة بين واشنطن وطهران؟ أفضل ما يمكن أن يقال إنها علاقة تصادم في الزحام وتصالح في الظلام، وربما هذا ما دعا "تريتا برزي" الكاتب والباحث الأميركي الجنسية، الإيراني الأصل، لأن يطلق على العلاقة بين طهران وتل أبيب وواشنطن أنها حلف المصالح المشتركة. ذروة مأساة المشهد الأميركي تجاه طهران تجلت في الاتفاق النووي الذي سارع باراك أوباما إلى توقيعه مع الإيرانيين لأغراض لا تبدو ظاهرة الآن، وإن كان في عالم السياسة لا يوجد شيء خفي إلا وسيعلن في وقت لاحق. ذهب أوباما، وقبل غيابه عن المشهد كان الرئيس المنتخب قد ملأ أميركا تهديداً ووعيداً بشأن الاتفاق الذي وصفه بأسوأ اتفاق أميركي مع أطراف خارجية في العصر الحديث وتوعد وتهدد بإلغائه بمجرد دخوله البيت الأبيض، غير أن هذا لم يحدث. يحاول ترامب الخلاص من ربقة الدولة الأميركية العميقة التي ألزمته في الأيام الماضية بالتوقيع على قانون العقوبات الموجهة ضد روسيا، غير أنه لا تبدو إمكانية فراره فيها ممكنة، فالأوليجاركية الأميركية الحاكمة في واشنطن من القوة والمنعة بشكل لا يفهمه أحد، حتى وإنْ حاول ترامب تغيير الفريق المنوط به الملف الإيراني. من يقف من وراء الكواليس الأميركية داعماً لإيران، رغم الجلبة والضجيج المعلنين رسمياً؟
قبل نحو أسبوعين سحب ترامب الملف الإيراني من وزير خارجيته "ريكس تيلرسون" ممثل "لوبي النفط" في إدارة ترامب، تلك التي تحرص على مصالح النفط والغاز في الشرق الأوسط قبل أي شيء آخر، واستبدله بفريق على رأسه كبير مستشاريه "ستيف بانون" وأحد عتاة اليمين الكاره لإيران "سباستيان غوركا"، عطفاً على "ديريك هارفي" كبير المستشارين لشؤون الشرق الأوسط في الإدارة الحالية، والهدف الخروج من خانة المجبر على التوقيع والتمتع بحرية الخيار تجاه إيران المنفلتة. يبدو من الصعب على المرء أن يتفهم الموقف الأميركي من طهران، وهي مستمرة في برنامجها للصواريخ الباليستية، عطفاً على تهديداتها المستمرة والمستقرة للملاحة في المياه الدولية بالخليج العربي، إضافة إلى أدوارها في اليمن وسوريا، العراق ولبنان، وغيرها من النقاط الساخنة على الخريطة الشرق أوسطية، ما يدعونا للتساؤل وبعيداً عن فكر المؤامرة: هل واشنطن وطهران يمضيان في طريق تقاسم نفوذ ما يحقق مصالحها المتبادلة ولتذهب من بعد بقية دول المنطقة ما شاء لها أن تذهب؟
تاريخياً لعبت واشنطن الدور الأكبر في نجاح ثورة الخميني، ولم تكن واشنطن بعيداً أبداً عن طهران يوماً ما، فقد قام كل من الرؤساء أيزنهاور ونيكسون وكارتر بزيارتها على التوالي أعوام 1959 و 1972 و 1977 ما يدلل على أهميتها الاستراتيجية لواشنطن.
على أن المعلومة المثيرة للتأمل والتي تكشف لنا عمق الاتصالات الأميركية الإيرانية هي تلك المتعلقة بـ "وليام كيسي" مدير حملة المرشح "الجمهوري" رونالد ريجان للرئاسة الأميركية، والذي أصبح لاحقاً مدير المخابرات المركزية الأميركية. لقد لعب "كيسي" دوراً كبيراً في إسقاط المنافس "الديمقراطي" الرئيسي "جيمي كارتر"، بعد أن التقى مع حكومة الثورة الإيرانية في مدريد سراً، وتمت الصفقة في باريس على عدم إطلاق الرهائن الأميركيين إلا بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 1981، وبالفعل خسر كارتر ونجح ريجان، وكان الثمن فضيحة "إيران - كونترا"، التي عقدت بموجبها إدارة ريجان اتفاقاً مع إيران لتزويدها بأسلحة متطورة لقاء إطلاق سراح بعض الأميركيين المحتجزين في لبنان. الازدواجية الأميركية تجاه إيران اليوم باتت تسبب حيرة في الفهم للكثيرين، والذين تابعوا تصريحات البيت البيض الذي أعلن الشهر الماضي عن أن طهران ملتزمة بالاتفاق النووي لكنها تنتهك روحه، توقفوا طويلاً أمام التلاعب بالألفاظ الكامن في العنوان، الأمر الذي دعا بعض الأصوات الأميركية لحتمية تبديد مسيرة الغموض الاستراتيجي بين البلدين، والعودة إلى سياسة الردع التي استخدمتها واشنطن في عهود سابقة، عوضاً عن سياسة الاحتواء التي ظهرت جلياً، وبدا أنها لا تفلح مع طهران. كتب "مارك جوبوتيز" الرئيس التنفيذي لـ"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، أوائل يوليو الماضي، مطالباً ترامب بإعادة استنساخ سياسة ريجان أمام الاتحاد السوفييتي، تلك التي أتبعها أوائل الثمانينيات عندما تحول من سياسة الاحتواء التي ظل يتبعها أسلافه إلى خطة جديدة بدأت عام 1983 وعرفت باسم "الخطوط الإرشادية لقرار الأمن القومي 75"، وهي خطة استراتيجية شاملة تدعو إلى استخدام جميع أدوات القوة الأميركية العلنية منها والسرية، لتحطيم أركان إمبراطورية الشر. والمؤكد أن الإقرار الأميركي بأدوار إيران في دعم الإرهاب الدولي، يقتضي خطة أميركية شاملة للمواجهة، وقد بدأ بالفعل مدير وكالة المخابرات المركزية CIA "مايك بومبيو" وضع وكالته على أهبة الاستعداد وتجهيز برامج سرية لمجابهتها. الخلاصة، هناك تباين أميركي داخلي بين جبهتين تجاه إيران، ولا أحد قادر على التنبؤ بمن سيفوز في نهاية المشهد، سيما وأنه معقد ومتشابك، والأخطر أنه مرتبط بمصير الرئيس ترامب نفسه، فإذا ثبت ملكه وتجاوز الفخاخ المنصوبة له فحتماً سيكون للمشهد الإيراني حسابات أخرى ستدفع طهران ثمنها غالباً وعالياً، وحال إخفاقه، سيبقي مسار حلف المصالح المشتركة ماضياً من واشنطن إلى طهران، وعلى الدول العربية ودول الخليج التطلع إلى حلول وخطط على أساس القاعدة الذهبية وهي أن (طرح القضايا يبدأ من الذات وليس من الآخرين(.
*كاتب مصري