الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فواجع قوارب الموت.. معاناة اللجوء المضاعفة

فواجع قوارب الموت.. معاناة اللجوء المضاعفة

27.11.2014
علي الرشيد



الشرق القطرية
الاربعاء 26-11-2014
كوارث قوارب الموت العابرة للبحر المتوسط باتجاه أوروبا متواصلة، إنها تصرّ أن تفجعنا من حين لآخر بأخبار مؤلمة جديدة، تكون نتيجتها فقدان أو موت العشرات أو المئات منهم، أو التعرض لأهوال البحر، ومعاينة مناظر الموت رأي العين.
منذ نهاية الأسبوع وحتى يوم الأحد الماضيين عمليات إنقاذ للكثيرين (820 مهاجرا) قبالة قبرص وإيطاليا وليبيا، جلّهم من السوريين.. حالات مأساوية للأطفال والنساء.. وإحباط وألم.
وللعلم فإن أكثر من 2500 غرقوا أو فقدوا منذ مطلع 2014، خلال محاولتهم عبور البحر المتوسط لأوروبا.. بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.
الأشد إيلاما في الموضوع أن هذا المسلسل لا يبدو أنه سيتوقف، رغم حجم الخسائر البشرية والكوارث المروِّعة التي تحدث، ولا يبدو أنها تشكل رادعا للاجئين الذين يواصلون رحلة الهجرة رغم المخاطر المحدقة بها، والتكاليف الباهظة التي قد تذهب هباء منثورا.
ولعل الأسباب التي تقف وراء هذا الأمر متعددة:
ـ استمرار نزيف النزوح واللجوء السوري، ووصوله إلى أعداد غير مسبوقة على مستوى المنطقة، في العصر الراهن، وبحسب مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة لـلأمم المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فإن عدد النازحين واللاجئين السوريين وصل خلال هذا الشهر إلى 10.5 مليون شخص (7.2 مليون نازح، و3.3 مليون لاجئ)، وهو انعكاس لاستمرار الأزمة، وعدم قيام المجتمع الدولي بواجباته لوقف هذا النزيف، والحدّ من عذابات السوريين المتواصلة، منذ أكثر من أربعة أعوام، والتي أدت بهم إلى ترك منازلهم وديارهم ومناطقهم، بحثا عن الأمن والأمان والحرية والكرامة.
ـ الصعوبات التي تعرقل وصول واستقرار اللاجئين السوريين، في دول الجوار خصوصا، والعالم العربي عموما، ومعروف أن أكثر من دولة مجاورة صارت تعبّر عن تبرمها من استقبال مزيد من أعداد اللاجئين، وتتحدث عن العبء الكبير الذي لحقها بسبب تواصل تدفقهم، فضلا عن القيود التي تضعها وتحول دون توفير سبل الاستقرار لهم، إضافة إلى نقص الخدمات الأساسية في مجالات المأوى والرعاية الصحية والتعليم، وعدم توفر العمل في كثير من الأحيان وإن بالحد الأدنى.
وقد برزت في الآونة الأخيرة صعوبات إضافية لدى بعض الدول المستضيفة في جانب قبول وتعليم أولاد اللاجئين في المدارس، وتوفير العلاج للأسر. فضلا عن ظهور بعض النعرات والحساسيات ضد اللاجئين مع تقادم الزمن، أما الدول العربية الأخرى، فالدخول والعمل في أغلبها "دونه خرط القتاد".
ـ رغبة اللاجئين والنازحين بالاستقرار في جو آمن بعد تعقد ملف الأزمة السوية، نظرا لطول أمدها، والتدخل الخارجي الكبير في شؤونها، وآخره التحالف العسكري الدولي، وتنامي قوة داعش بكل تأثيراتها السلبية.. حيث لا تبدو إمكانية تحقيقه لهذا الاستقرار إلا في دولة غربية.
ـ الإغراءات والتسهيلات التي تقدمها الدول الغربية للاجئ في توفير مرتبات الضمان الأسري والحصول الرعاية الصحية والتعليم له ولأولاده وأسرته، والجنسية.. فضلا عن الحرية والكرامة الإنسانية، مما يدفعه إلى القبول بكل هذه المخاطرة التي قد تودي بحياته وحياة أسرته أحيانا، وتجعله ومن معه عرضة للأهوال، وتتطلب منه تكاليف باهظة.
ومن العجب أن تتلاحق هذه الفواجع فيما نلج خلال هذه الفترة إلى فصل الشتاء بكل ما يتركه هذا الدخول من معاناة مضاعفة على اللاجئين والنازحين، البرد والمطر والثلوج والحاجة إلى الدفء، فهل جاءت هذه الكوارث الإضافية استباقا من اللاجئين لمعاناة الشتاء وهربا منها، أو أن توقيتها لا علاقة له بذلك؟
بعيدا عن التساؤل الأخير، فإن من المؤكد أن قوارب الموت التي ستتكرر مشاهد مآسيها أمام أعيننا وأعين العالم، قد زادت من معاناة اللاجئين الذين فقدوا حضن الوطن الدافئ وشردتهم المنافي هنا وهناك، وفقدوا المأوى ومصدر الرزق.. ويبدو أن الأقربين والأبعدين يتحملون المسؤولية عن ذلك، بنسب مختلفة، ولذا فإن المهم هنا ليس استعراض الفواجع.. مرارتها وأسبابها، وإنما اجتراح الحلول لإيقافها.
أعرف أن قوارب الموت ورحلاتها الخطرة ستستمر طالما أن الأزمة السورية متواصلة، ولن تتوقف دون توقفها، لذا فالأهم والأكثر جدوى أن يتحمل العالم مسؤولياته للحد منها على الأقل، كواجب أخلاقي وإنساني، طالما أنه قصر حتى الآن في إيجاد حل لأزمتهم منذ أربعة أعوام، وألا يكتفي بإنقاذ الضحايا عندما يرمون للبحر الأبيض، أو يغرقون في مياهه، أو تتعرض قواربهم المتهالكة للخطر، وترسل رسالة استغاثة للجهات ذات العلاقة.. وهنا أتحدث عن دول الجوار، الأشقاء العرب، دول منظمة التعاون الإسلامي، الدول الكبرى، ما يسمى بأصدقاء سوريا، المنظمات الدولية.
الحلّ باختصار يكمن في معالجة الأسباب التي تدعو النازح واللاجئ للمخاطرة بنفسه وأولاده وصغاره.. الحل في توفير شروط الكرامة الإنسانية لهذا الشعب الذي لم يعتد على هذه الظروف الصعبة والإهانات، بل كان هو من يستضيف اللاجئين على أراضيه منذ نحو مائة عام عربا وعجما، مسلمين وغير مسلمين، دون منّ أو أذى.
وفّروا لهذا اللاجئ وأسرته وذويه في دول الجوار أو غيرها عيشا كريما، لا يقع عليه فيه حيف أو ظلم أو تمييز، ولا تمنع عنه حقوقه الأساسية من مأوى ومطعم ومشرب، وصحة وتعليم، ومكّنوه من الاعتماد على نفسه معيشيا. فجلّ هذا الشعب يتمتع بسوية علمية، وخبرات مهنية جيدة، وعندها لن يفكر بقوارب الموت، والابتعاد عن مسقط رأسه.
قليل من الإنسانية وشيء من تحملّ المسؤولية أيها العالم الحر ويا ذوي القربى، عندما ترون الأطفال والنساء يصارعون الموت في عمق البحار والمحيطات!