الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل ينجح رهان نتنياهو على بوتين؟

هل ينجح رهان نتنياهو على بوتين؟

30.07.2018
رندة حيدر


العربي الجديد
الاحد 29/7/2018
تعكس الوتيرة المتسارعة للمحادثات بين الحكومة الإسرائيلية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين صورة الواقع الحالي الجديد المرتسم في سورية، والذي بدأ يفرض توازنات وتفاهمات من نوع جديد، فإسرائيل التي يربطها تحالف تاريخي مع الولايات المتحدة التي طالما اعتبرت نفسها المدافعة الأساسية عن أمن إسرائيل ومصالحها أصبحت اليوم تعتمد على روسيا، من أجل ضمان أمن وهدوء حدودها مع سورية، ما يثبت أن بوتين نجح، إلى حد بعيد، في مسعاه إلى استرجاع مكانة روسيا في المنطقة ودورها القيادي وملء الفراغ الذي تركته وراءها الولايات المتحدة. وما لا شك فيه أن شخصية الرئيس بوتين، وعلاقاته الشخصية الوثيقة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومع شخصيات سياسية إسرائيلية من أصول روسية، لعبت وتلعب دوراً مهماً قي تقريب وجهات النظر بين الدولتين، وفي البحث عن قواسم مشتركة، وحل الخلافات في وجهات النظر.
ظهرت أخيرا بوضوح محاولة إسرائيل التأثير على ما يجري حالياً في سورية، فبعد وقوف الإسرائيليين موقف المتفرّج حيال تطورات الحرب في سورية، والتزامهم بسياسة الخطوط الحمراء التي هدفت، أساسا، إلى وقف انتقال السلاح الإيراني المتقدّم إلى حزب الله عبر الأراضي السورية، يتبنون اليوم توجهاً مختلفاَ، ويطالبون بدور أكبر في تحديد الوقائع بالقرب من الحدود "الإسرائيلية" – السورية. تشترط إسرائيل حالياً لعودة قوات النظام السوري إلى المنطقة المحاذية للحدود، الحصول على تعهد روسي مكتوب بإبعاد الإيرانيين والمليشيات التابعة لهم مسافة مائة كيلومتر مرحلة أولى، على طريق خروجهم النهائي من سورية كلها.
يعلم الإسرائيليون مدى إصرار الرئيس بوتين على تعزيز نظام الأسد، واستعادة سيطرته على
"يعلم الإسرائيليون مدى إصرار بوتين على تعزيز نظام الأسد" كامل أراضي سورية. ولهذا، ضاعفوا من ضغوطهم عليه، لإخراج الإيرانيين من سورية في مقابل تسهيلهم تحقيق هدفه. ومن بين أدوات الضغط التي استخدموها تصعيد الوضع العسكري مع سورية، مع تواتر الهجمات الإسرائيلية الجوية، وازدياد الاحتكاك مع الجيش السوري، كما برز أخيرا من خلال اعتراض صاروخ باتريوت إسرائيلي طائرةً حربية سورية وإسقاطها.
في ضوء هذا الواقع الجيوسياسي الجديد، اتخذ التحرك الإسرائيلي في اتجاه روسيا من أجل حل إشكال الوجود العسكري الإيراني منحى تصاعدياً، وذلك في ظل طرح مطالب إسرائيلية شبه تعجيزية من روسيا، فبالإضافة إلى المطلب الأساسي لاخراج الإيرانيين من سورية كلها، هناك المطالبة بإغلاق المصانع الإيرانية لإنتاج الصواريخ في سورية، وإخراج بطاريات الصواريخ الإيرانية المضادة للطائرات من هناك، وإغلاق المعابر الحدودية بين العراق وسورية وبين سورية ولبنان لمنع تهريب السلاح الإيراني المتقدم إلى حزب الله، وتحميل نظام الأسد وجيشه مسؤولية أي خرقٍ تتعرّض له إسرائيل، حتى بالخطأ، وتدفيعه الثمن، بينما كانت سابقاً تمارس سياسة احتواء لمثل هذه الحوادث. وهي تعلم أن التشدّد في ردودها العسكرية سينعكس سلباً على خطة بوتين لتعزيز نظام الأسد، ونشر سيطرته على كامل أراضيه.
تتعامل إسرائيل مع روسيا من موقعها باعتبارها أهم قوة عسكرية في المنطقة، وتستغل بصورة أساسية قدرتها الكبيرة على العرقلة، واستغلال تناقضات الوضع في سورية من أجل إملاء إرادتها على الرئيس الروسي. لكن إلى أي حد يمكنها أن تنجح في ذلك؟ وهل الرهان الإسرائيلي على بوتين يمكن أن يحقق هدفه؟
حتى الآن، تتفهم القيادة الروسية المواقف الإسرائيلية، وأبرز دليل على ذلك زيارة وزير الخارجية ورئيس أركان الجيش، الروسيين، تل أبيب، للتفاهم مع نظرائهما الإسرائيليين بشأن النقاط الخلافية. وإذا كان الروس حتى الآن غضّوا النظر عن الغارات الجوية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية التي استهدفت بصورة أساسية منع تهريب السلاح الإيراني إلى حزب الله، ومنع اقتراب مقاتلين إيرانيين وعناصر من حزب الله من "الحدود الإسرائيلية"، فإن هدف الغارات اليوم قد تبدل، وأصبح، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، عرقلة انتشار قوات جيش الأسد وعودة الأمور على حدود الجولان إلى ما كانت عليه قبل الحرب الأهلية السورية. وهذا يتعارض تعارضاً مطلقاً مع الجهود الحثيثة التي يبذلها الرئيس بوتين، لتسريع استعادة الأسد كامل سيطرته على سورية وطرح تسوية سياسية، تنهي الحرب وتعيد الاستقرار، وتصوير روسيا المنتصر الأكبر في هذه الحرب.
إلى أي حد يمكن أن تدفع شبكة العلاقات الإسرائيلية الروسية والمصالح المشتركة بين الدولتين بوتين إلى الاستجابة للمطالب الإسرائيلية المطروحة حالياً؟ وهل استخدام التهديد والتصعيد العسكري ضد قوات الأسد سلاح فعال في الضغط على بوتين؟ تملك روسيا حالياً شبكة علاقات وثيقة وغنية مع أغلبية دول المنطقة، سواء التي تنتمي إلى المحور الخاضع لنفوذ إيران، أم إلى معسكر الدول العربية السنية المعتدلة. وتربطها بهذه الدول مصالح اقتصادية، والأهم صفقات بيع سلاح كبيرة، حتى مع السعودية التي تعتير مستوردا رئيسيا للسلاح الأميركي. في الموقف من الوجود العسكري الإيراني في سورية، يلعب بوتين على أكثر من حبل في آن، فهو من خلال مقاربته هذه المسألة لا يحاول فقط إرضاء الإسرائيليين فحسب، بل أيضاَ الدول السّنية 
"تتعامل إسرائيل مع روسيا من موقعها باعتبارها أهم قوة عسكرية في المنطقة" المعادية لتوسع النفوذ الإيراني في المنطقة. ومن ناحية أخرى، يدرك بوتين تماماً أنه لولا القتال البري الذي خاضه الإيرانيون والمليشيات الشيعية على الأرض، لما استطاع حسم الوضع عسكرياً ضد "داعش"، إذ على الرغم من أهمية القصف الجوي، فالانتصار على داعش لم يتحقق لولا جهد القتال البري، وهو يدرك أن الجيش السوري النظامي خرج من الحرب منهكاً ومستنزفاً، ومن دون دعم المليشيات الشيعية قد يعجز عن السيطرة الفعلية على الأرض، في ظل وجود جيوب خطرة لتنظيم داعش في أكثر من منطقة. ويفرض هذا كله عليه عدم تعريض التحالف العسكري القائم مع الإيرانيين لأي خطر في المرحلة الحساسة الحالية.
يناور بوتين، حتى الآن، بين إسرائيل وسورية وإيران، ويبذل جهده لمنع التصعيد ونزع فتيل الصدام، وهو ينجح في ذلك، لأنه يعرف تماماً أن لا إسرائيل في وارد الدخول الآن في مواجهة عسكرية واسعة مع نظام الأسد، أو مع حليفه الإيراني، ولا الإيرانيون يريدون حصول هذه المواجهة التي قد تجهض مساعيهم لقطف ثمار إنجازهم العسكري في سورية. يستغل بوتين هذا من أجل تدوير الزوايا، ودفع إسرائيل الى القبول بالخطوات التي يقترحها: استعادة الجيش السوري سيطرته على الحدود بالقرب من هضبة الجولان، في مقابل الالتزام لاحقاً بإبعاد الإيرانيين مائة كيلومترعن إسرائيل.
والتعنت الذي تظهره إسرائيل حالياً ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية محاولة فاشلة لدفع الروس إلى الدخول في صدام مع إيران في سورية بدلاً منها. ومن الصعب أن يحقّق رهان نتنياهو على بوتين هدفه. وعاجلاً أم آجلاً، سيضطر الإسرائيليون إلى النزول عن الشجرة العالية التي صعدوا إليها، وقبول ما يريده بوتين، وليس بما يطالب به نتنياهو.