الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يكون الرئيس الإيراني المقبل من قادة "الحرس الثوري"؟

هل يكون الرئيس الإيراني المقبل من قادة "الحرس الثوري"؟

12.10.2020
جمال عبيدي



النهار العربي 
الاحد 11/10/2020 
كثرت التكهنات في إيران مؤخراً، عمّن ستكون له الغلبة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإذا ما سيكون الرئيس الإيراني المقبل ذا خلفية عسكرية أم مدنية (من الساسة). وإذا ما أخذنا في الاعتبار مسعى "الحرس الثوري" الدائم للسيطرة على البلاد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، فعلينا أن ننظر بجدية إلى ما قاله العميد حسين دهقان، القيادي في "الحرس الثوري" ووزير الدفاع السابق لوكالة "تسنيم" للأنباء التابعة لـ"الحرس الثوري"، يوم الأحد 27 أيلول (سبتمبر) 2020، عن إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الثامن عشر من حزيران (يونيو) السنة المقبلة، وبأنه سيكون من المرشحين الأقوياء في هذه الانتخابات، مطلقاً الوعود بإنقاذ الشعب الإيراني مما هو فيه! هذا التصريح خلط الأوراق وأربك الشارع الإيراني ومعارضته الصامتة لما قد ينتج عنه، فيما لو تحقق وأصبح دهقان رئيساً، من سيطرة للمرشد و"الحرس الثوري" على البلاد والعباد!  
تعيدنا تصريحات دهقان واحتمال وصوله إلى كرسي الرئاسة، إلى ما قاله المرشد الإيراني عن "الحرس الثوري" عام 2013 بأنه "قام بإعداد أفضل المديرين لتستفيد منهم الأجهزة الحكومية كافة". في الواقع، رأي المرشد هذا بـ"الحرس الثوري"، يأتي أولاً في إطار استراتيجيته ونظرته لشكل النظام ومستقبله وضرورة اعتماده في شكل كبير، إن لم يكن كاملاً، على مؤسسة "الحرس الثوري" التي تنشط في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية. وثانياً، يأتي في إطار هندسة الانتخابات، إن لم يكن تزويرها في البلاد، والتي عادة ما يشرف عليها خامنئي بنفسه عبر الأجهزة والمؤسسات المعنية والتابعة له، وعلى رأسها مجلس صيانة الدستور، الذي يقوم عادة بغربلة الخصوم وإبعادهم كلياً عن المشهد السياسي، خصوصاً إذا لم يكونوا من الجناح الأصولي، أو ليسوا من المخلصين الأشداء لبيت المرشد ومؤسسته الدينية وتوجيه الناس إلى انتخاب مرشَّح بعينه. اللافت هنا أنه إذا ما تحقق الإطار الثاني فهو يعتبر مكملاً للأول!  
 ويأتي ذلك، إضافة إلى ما قاله الممثل السابق للمرشد الإيراني في "الحرس الثوري"، علي سعيدي (رجل دين) في عام 2013 عن واقع الانتخابات في البلاد، وبأن هندستها بشكل منطقي ومعقول من قبل "الحرس الثوري" هو وظيفة جوهرية يقوم بها. وهو ما يمكن أن نستدل إليه من خلال نظرة سريعة على تركيبة البرلمان الإيراني الحالي (مجلس الشورى الإسلامي) وسيطرة "الحرس الثوري" ومعهم الأصوليون على معظم مقاعده، عدا عن رئاسة البرلمان. وفي هذا السياق أيضاً، كان قال المرشد علي خامنئي، في أيار (مايو) 2019، في لقاء له مع الطلبة، إنه "إذا ما مهدتم أنتم الشباب، الطريق لحكومة شابة يكون أعضاؤها من "حزب الله" (ويقصد هنا المخلصين للنظام) إلى السلطة، فستنتهي أحزانكم...". أي أن المطالب الشعبية، كما يرى خامنئي، لن تتحقق إلا بوجود حكومة شابة ثورية تقود الشعب نحو تحقيق أهدافه!  
هذا الواقع، أو بالأحرى، هذه الاستراتيجية السياسية التي اتبعها المرشد وينفذها "الحرس الثوري" والمتمثلة بالسيطرة على السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وعدم إفساح المجال مطلقاً أمام أي صوت مخالف، أدت إلى تحويل الانتخابات الرئاسية إلى مسرحية هزلية وكذلك إلى إفراغ الحياة السياسية في البلاد من مضمونها كلياً. وما نشاهده اليوم من تصنيفات ومصطلحات سياسية في إيران تعكس توجهات سياسية مختلفة، من قبيل أصوليين، إصلاحيين، متشددين أو معتدلين، ما هي إلا مسرحية أخرى للنظام والتي أخرجها لضرورات سياسية، أو بالأحرى للتنفيس السياسي، كما هو حال ما سمي بالتيار الإصلاحي، على سبيل المثال لا الحصر، والذي جاء به رجال الأمن وعلى رأسهم سعيد حجاريان، الذي أسس وزارة الاستخبارات (اطلاعات). 
 وما الهتافات التي رددها الشارع المنتفض ضد رأس النظام والعملية السياسية وحكومة الرئيس حسن روحاني "المعتدل" والذي يصفه داعموه قبل خصومه بـ"الكذاب" وأنه غير كفؤ لإدارة البلاد اقتصادياً وسياسياً، إلا خير دليل على هذا الإشكال أو بالأحرى هذا الإنسداد السياسي الذي يمر به النظام، والذي عبّر عنه المنظر السياسي الإصلاحي عباس عبدي، في أكثر من مناسبة. إذ قال عبدي في مقابلة له مع جريدة "اعتماد" في 27 آب (أغسطس) 2020، أن الخلافات المتصاعدة بين كل من الرئيس حسن روحاني وحكومته المدعومة من التيار الإصلاحي من جهة، والأصوليين المدعومين من بيت المرشد و"الحرس الثوري" والمؤسسة الدينية من جهة ثانية، جعلت من روحاني كعظمة عالقة في الحلق بالنسبة إليهم، فلا هم يستطيعون ابتلاعها، ولا هم قادرون على هضمها إذا ما بلعوها. ولهذا زعموا أنهم تحملوا روحاني. لكن في الواقع أن هذا كان من باب الإكراه وليس طوعاً، لأنهم غير قادرين على استجواب الرئيس روحاني والمرشد لن يسمح لهم أصلاً باستجوابه. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المرشد يعتقد أن استجواب رئيس الجمهورية ومن ثم إقالته قد يضعفان النظام وهذا ما لم يقبل به أبداً.
وكما هو معلوم، فإن المرشد و"الحرس الثوري" والأصوليين يعملون جاهدين على أن يسيطروا على السلطات الثلاث، وبما أن رئاسة السلطة القضائية يعينها المرشد، وهم سيطروا على السلطة التشريعية إثر الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي قدرت المشاركة فيها بـ20 في المئة فقط، فالسلطة التنفيذية هي هدفهم المقبل في انتخابات 2021. وبالتالي، إذا ما تمكنوا من المجيء بحسين دهقان القيادي في "الحرس الثوري"، أو أحد القادة السياسيين المحسوبين على المرشد علي خامنئي كسعيد جليلي أو غيره، يضمنون عندئذ السيطرة على السلطات الثلاث، وبذلك تكون الاستراتيجية التي رسمها المرشد وقادة "حرسه الثوري" قد تحققت في شكل كامل. 
 إذا ما تحققت أهداف هذه الاستراتيجية، فإن المنطقة، بما فيها الداخل الإيراني، قد تكون مسرحاً لسياسات أكثر تطرفاً وتدخلاً في الشؤون العربية. وقد تنزلق المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه.