الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يطرد بوتين إيران من سوريا

هل يطرد بوتين إيران من سوريا

06.12.2016
د. صالح النعامي


السبيل
الاثنين 5/12/2016
تحمل الغارة التي استهدفت الأسبوع الماضي إرساليات سلاح كانت متجهة إلى حزب الله في تخوم العاصمة السورية دمشق التي نسبت لإسرائيل دلالات خاصة. فقد جاءت هذه الغارة بعد فترة طويلة نسبيا لم ينسب خلالها لإسرائيل شن أية غارات في العمق السوري لاستهداف إرسالات السلاح. فقد توصلت دوائر صنع القرار في تل أبيب لقناعة مفادها أنه يتوجب تحري أقصى درجات الحذر في أعقاب استكمال روسيا نشر أجهزة الإنذار المبكر ومنظومات الدفاع الجوي الأكثر تطورا في العالم في سوريا، مما جعل الروس قادرين على تتبع مسار أية طائرة تتحرك في أية نقطة داخل إسرائيل. فعلى الرغم من ارتباط الجيشين الروسي والإسرائيلي بمنظومة تنسيق، إلا أن الإسرائيليين يفضلون أن يحتفظوا بعنصر المفاجأة والسرية لدى تنفيذ مثل هذه الغارات، وخشية أن يقوم الروس بتحذير حزب الله وإيران مسبقا مما يقلص من فرص نجاح الغارات.
وفي تقديري أن تجاوز إسرائيل هذه المخاوف يرتبط بتصورات قادتها إزاء رهانات الروس على إمكانية التوصل لصفقة شاملة مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تتعلق، ضمن أمور أخرى، بالأزمة السورية وآليات التعاطي معها. إن حاجة الرئيس الروسي فلادمير لصفقة مع ترامب تنهي الخلاف بشأن الأزمة الأوكرانية وتضع حدا للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم، والتي أنهكت الاقتصاد الروسي، تجعله مستعدا للدفع للأمريكيين ومن ورائهم إسرائيل بالعملة الإيرانية، فيسمح لتل أبيب بضرب أذرع طهران في سوريا وعلى رأسهم حزب الله.
وفي الوقت ذاته، فإن الصفقة الروسية الأمريكية المحتملة ستأخذ بعين الاعتبار المعايير الإسرائيلية ل "سوريا المفيدة" التي يفترض أن تفضي إليها أية تسوية سياسية للصراع هناك. وتشمل هذه المعايير عدم السماح بحالة من الفوضى وغياب هياكل سلطوية، بما يسمح للحركات الجهادية باستغلال العمق السوري للانطلاق في تنفيذ عمليات ضد العمق الصهيوني.
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل معنية أيضا بأن تضمن أية تسوية تقليص النفوذ الإيراني في سوريا وتقليص حضور حزب الله هناك إلى أبعد حد. وتنطلق تل أبيب من افتراض مفاده أن نفوذا إيرانيا قويا في ظل وجود نظام ضعيف وهش في دمشق يدين ببقائه لطهران يمثل وصفة خطيرة، حيث إن هذا يعني أن تتحول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات بين إسرائيل وكل من إيران وحزب الله.
من هنا، فليس من المستبعد أن يوضح الروس والأمريكيون لإيران بأن عليها وعلى أدواتها من تنظيمات وتشكيلات طائفية مغادرة سوريا، أو على الأقل تقليص وجودها هناك إلى أبعد حد، وأن يقدم الروس ضمانات لكل من الأمريكيين والصهاينة بشأن هذا الوجود.
وهناك هدف آخر تراهن تل أبيب أن تضمن الصفقة الروسية الأمريكية تحقيقه ويتمثل في اعتراف كل من واشنطن وموسكو بضم إسرائيل لهضبة الجولان. وبالنسبة للموقف الإسرائيلي من بقاء نظام الأسد، فقد نسف رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدبيديف مزاعم حلفائه من "الممانعين"، عندما أخبر الصحافيين الصهاينة أثناء زيارته الأخيرة لتل أبيب أن جميع المسؤولين الإسرائيليين الذين تحدث إليهم يرون أن بقاء الأسد أفضل من أي خيار آخر.
ويمكن القول إن الصفقة المحتملة بين موسكو وواشنطن لن تشمل إعادة فتح الاتفاق النووي مع إيران، على الرغم من تعهد ترامب وكبار مستشاريه بالغاء هذه الاتفاق، حيث إنه على الرغم من اعتراض حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب على هذا الاتفاق، فإنها ترى حاليا أن مصلحة إسرائيل تقتضي استنفاذ هذا الاتفاق؛ نظرا لأنه يضمن بالفعل تجميد المشروع النووي الإيراني.
في الوقت ذاته، فإنها تخشى أن يفضي أي قرار أمريكي بإعادة النظر في الاتفاق النووي إلى منح المحافظين في طهران المسوغات لاستئناف المشروع النووي بكثافة ورفع مستوى التخصيب في المنشآت النووية بما يضمن تمكين إيران من انتاج أسلحة نووية.
ويمكن الافتراض أن الإسرائيليين لن يكتفوا بالتحرك لدى ترامب للتأثير على مضامين الصفقة المحتملة مع بوتين، بل سيتوجهون للكونغرس وتوظيفه لضمان احترام المصالح الإسرائيلية في هذه الصفقة. ونظرا لأن الكونغرس مسؤول عن إصدار العقوبات المفروضة على روسيا ردا على ضم شبه جزيرة القرم، فإن بعض نخب اليمين في تل أبيب جاهرت بالدعوة لاقناع الكونغرس برفع العقوبات عن روسيا مقابل ضمان احترامها خارطة المصالح الإسرائيلية في سوريا تحديدا.
قد تجد إيران نفسها مضطرة للخروج من سوريا مرغمة، فالدب الروسي في النهاية تاجر يتكلم بلغة الربح والخسارة ولن تنال إلا عداء أمة أغضبها مشاركتها في التآمر على ربيع العرب وولوغها في دماء الشعب السوري