الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يحتمل الواقع العربي استسلام السوريين للأسد؟

هل يحتمل الواقع العربي استسلام السوريين للأسد؟

02.05.2016
وائل مرزا


المدينة
السبت 1-5-2016
هل يحتمل الواقع العربي استسلام السوريين للأسد؟ من القواعد الشائعة في التفكير الاستراتيجي أن عدم المبادرة بمشروع سياسي، ابتداءً، أفضلُ بكثير من إطلاق المبادرة، ثم التردد في إنهائها.
خرج السوريون منذ خمسة أعوام إلى الشوارع محتجين على الظلم والطغيان. كان هذا شأنًا سوريًا يومذاك. لكن نظام الأسد أشعل معركة مع شعبه، ثم نقلها لتُصبح، بالتدريج، شأنًا دوليًا. من وقتها، وبالتدريج، أدرك العرب أن سوريا باتت، شأنًا عربيًا محضًا لايمكن الهروب منه.
وشهرًا إثر شهر، علموا أن تجاهل حقائق الجغرافيا السياسية مستحيل؟ كما هو الحال مع التاريخ والثقافة والاجتماع واللغة والاقتصاد، و..المصير المشترك، ليس بالمعنى التقليدي الرتيب الذي كان يُطلقُ يومًا شعارًا للاستهلاك في منابر الإعلام، وإنما نتيجة الوقائع الجديدة الأمنية والعسكرية والسياسية التي فُرضت على المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية.
قد يحاول البعض الهروب من الحقائق والأسئلة السابقة، استسهالًا ومللًا، على المدى القريب. قد يرى آخرون أن ثمن مواجهتها كبير، على المدى القريب أيضًا. لكن حسبةً تاريخيةً سياسية جدية تُظهر أن ثمن الهروب سيكون أكبر من أي ثمنٍ آخر، وبما لا يُقاس، على المدى المتوسط قبل البعيد.
ثمة تقاطعاتٌ هامة في قواعد الاستراتيجيا بين عالمي السياسة والاقتصاد. من هنا، تصدقُ المقولة التي يؤكد عليها دائمًا مارك زوكيربيرغ، مؤسس موقع فيسبوك الذي يُغيِّر العالم، حين يقول: "إن أكبر مخاطرة تكمنُ في محاولة تجنب المخاطرة. ففي عالمٍ يتغير بسرعة، تتمثل الاستراتيجية الوحيدة المحكومة بالفشل في عدم القيام بأي مخاطرة".
منذ أعوام، تقود السعودية جهدًا عربيًا لدعم الشعب السوري محورهُ الإصرار المتكرر على حلٍ سياسي تؤكد دومًا باستحالتهِ "في ظل بقاء الأسد". ولإدراكها العميق، المبني على الحسابات، بالتأثير السلبي الاستثنائي لبقائه في موقعه، على وجود ومصير المنطقة بأسرها، وليس فقط على سوريا، فإنها تَذكرُ بين آونةٍ وأخرى أن "ذهابهُ" يجب أن يكون حتميًا، إن لم يكن بالوسائل السياسية فبغيرها.
واستمرار هذا الموقف الحاسم، طوال الفترة السابقة وإلى الآن، ليس ردة فعل أو فرقعةً إعلامية تتلاشى بعد وقتٍ قصير. وإنما هو نتيجةٌ منطقية لحسبةٍ استراتيجيةٍ معقدة لا تنحصر في النظر إلى الأسد كلاعبٍ في المعادلة السورية الداخلية، وإنما تتسع لتدرك دوره الأداتي والوظيفي الخطير والمركزي في ترتيبات إقليمية وعالمية لا يمكن وصفُ تَبِعاتها سوى بعبارة "التهديد الوجودي"، وتحديدًا، للدول العربية القليلة التي لا يزال بإمكانها أن تتصدى لتلك الترتيبات. والمؤهلة، بالمقاييس الاستراتيجية أيضًا، للمساهمة في فرض ترتيبات جديدة تأخذ مصالحَها بعين الاعتبار، وبلغةٍ وأدوات يفهمها تمامًا أهل الترتيبات المذكورة.
نقولها مرةً أخرى: ما يجري خطيرٌ جدًا. وهو يستهدف كل المكونات، دون استثناء.. ولا تنفع معه لا التطمينات السرية، ولا الوعود الزائفة، ولا التنازلات الجانبية، ولا التفاهمات المُنفردة. فهذه كلها تدخل في تكتيكات (الاستفراد)، وهي جزءٌ من اللعبة الجديدة التي انطلق مسارُها، ولن يوقفها إلا تفكيرٌ استراتيجيٌ حقيقيٌ لايزال موجودًا دون شك.
لا مفر هنا من مصارحةٍ اعتادها القارىء في هذا المقام. وفي قلب المصارحة إجماعُ السوريين على أن رحيل الأسد، وانتقال سوريا لتُصبح دولةً تضمن الكرامة والحرية لمواطنيها، لن يُشكلا تهديدًا لأحد.. وإذ يركزُ أهلها على إعادة بناء بلدهم من الخراب الكامل فسيبقونَ مستغرقين في هذه المهمة لأجيال.. وسيكون أقل واجبهم ردَ الجميل، لمن وقف معهم فعليًا في محنتهم، على جميع المستويات، ليس فقط بالكلام والشعارات، وإنما بالتنسيق والتعاون والتحالفات على جميع المستويات. وهذا أمرٌ لن ينبع فقط من اعتبارات أخلاقية، وإنما انسجامًا مع جوهر الواقعية السياسية.
ثمة اعتقادٌ بأن التعامل مع المسألة سيكون أسهل بعد رحيل أوباما من البيت الأبيض، وهذا يُجانبُ الصواب من أكثر من وجه. فمن ناحية، إن فازت كلينتون مثلًا كما هو مُرجح، سيجري استنزافها لشهور في معارك داخلية يخطط لها الجمهوريون منذ الآن.
وبما أن الرئيس أوباما دخل الآن فيما يُسمى مرحلة (البطة العرجاء) في السياسة الأمريكية، فهذا يعني أنه أضعف من أي وقتٍ مضى في إدارته حين يتعلق الأمر بصنع السياسات، داخليةً كانت أو خارجية. وأن ثمة نافذة فرصة خلال الأشهر القادمة لتشكيل أمرٍ واقعٍ جديد في سوريا بأساليب يعرفها المختصون. ويدعم إمكانية النجاح الهوة المتزايدة بين الرجل ومُجمل مؤسسة صناعة السياسة الخارجية، من الساسة والدبلوماسيين والأمنيين والعسكر، داخل إدارته نفسها وخارجها.
لا دعوة لمواجهاتٍ طفولية في هذا المقام. كل المطلوب هو الاعتماد على القوة وكأنه لا يوجدُ شيءٌ اسمه دبلوماسية أو سياسة، واستخدامُ الدبلوماسية والسياسة وكأنه لايوجد شيءٌ اسمه القوة، دون تضاربٍ موهوم بين الأمرين. ويأتي معه الفهم العميق والمستمر لمعادلات موازين القوى والمصالح العالمية، وتحقيق الأهداف، بإبداع، من خلال استيعاب وتوظيف مناطق الخلخلة والتغيير المتكررة في تلك المعادلات