الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يفتح تراجع النفوذ الأميركي في سورية بابَ دخول الأموال الصينية؟

هل يفتح تراجع النفوذ الأميركي في سورية بابَ دخول الأموال الصينية؟

14.04.2019
نسرين أنابلي


جيرون
السبت 13/4/2019
منذ أن أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب ألفي جندي أميركي من سورية، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مدعيًا أن تنظيم (داعش) قد هُزم في سورية؛ تحولت الأضواء إلى الدول الأخرى ذات المصالح الاستراتيجية في استمرار الحرب في سورية، كالصين التي ترى في تقلص الوجود الأميركي فرصةً للاستفادة اقتصاديًا، وتوسيع نفوذها في سورية التي مزقتها الحرب، من خلال تعزيز مبادراتها الاستثمارية للبنية التحتية.
وبحسب تقرير أصدرته شبكة (CNBC) الإخبارية حديثًا، فإن الصين تواجه منافسة ضئيلة في سورية، لتحقيق أهدافها الاقتصادية، خاصة أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، تبديان القليل من الاهتمام بدعم نظام الأسد اقتصاديًا، وقيادة جهود إعادة الإعمار في سورية.
أورد التقرير أن “الصين من الممكن أن تساهم في استثمارات تصل قيمتها إلى 250 مليار دولار، وهي الكلفة التي حددتها الأمم المتحدة لإعادة إعمار سورية. وعلى الرغم من أن الانسحاب الأميركي سيعزز الوجود الإيراني والروسي، كما يقول العديد من المحللين، فإن الاقتصاد المنهك في كل من روسيا وإيران، بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليهم، سيعزز من توسع النفوذ الصيني في الفترات المقبلة”.
في المعرض التجاري حول مشاريع إعادة الإعمار في سورية، الذي أقيم في بكين عام 2017، تعهدت الحكومة الصينية بتقديم ملياري دولار، لإنشاء منطقة صناعية في سورية. كما تناقلت وسائل إعلامية تابعة للنظام أن شركتي السيارات الصينية (جيلي وتشانجان) قد أبرمتا شراكة مع شركة تصنيع السيارات السورية (ملّوك وشركاه) منتصف عام 2018. ومن المتوقع -بحسب ما ذكرت تلك الوسائل الإعلامية- أن ينتج مصنع شركة (ملّوك) في مدينة حمص، علامتي السيارات الصينية.
ونقل تقرير (CNBC) عن بوني جلاسر، وهي مستشارة بارزة في (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن) أن “من مصلحة الصين أن تدخل سورية أولًا اقتصاديًا، وأن يُنظر إليها على أنها مساهمة في إعادة بناء ما دمّرته الحرب، لأن هذا يمكن أن يخلق مشاعر ومواقف أكثر إيجابية تجاه الصين”. وأضافت: “في النهاية يمكن أن يترجم ذلك إلى مزيد من النفوذ الصيني في المنطقة”.
علاوة على ذلك، من المرجح أن تستفيد بكين من دورها في إعادة إعمار سورية، لتعزيز مبادرة (الحزام والطريق)، كما تقول جلاسر، وهي مخطط استثمار بمليارات الدولارات، يهدف إلى إنشاء شبكة عالمية واسعة للبنية التحتية مرتبطة بالصين، وتهدف إلى إنشاء شبكة طرق تجارية، تمر عبر جنوب آسيا لتربط الصين بدول جنوب وشرق آسيا، والشرق الأوسط وصولًا إلى تركيا. ووفقًا لجلاسر: “يمكن أن تصبح سورية لاعبًا حاسمًا في هذه المبادرة”، حيث يعدّ ميناء طرطوس السوري نقطة وصول مهمة بالنسبة إلى الصين”.
في حديث إلى (جيرون)، يقول الباحث السوري محمد منير الفقير: “مع فرض العقوبات الأميركية على كل من إيران وروسيا، قد لا يرغب البلدان في تخصيص مزيد من الأموال لإعادة بناء سورية، وهذا يترك الأسد أمام خيارات قليلة للغاية، باستثناء الصين. لكن في المقابل من الممكن أن يشجع الروس توسع النفوذ الصيني وقيادة بكين لعمليات إعادة الإعمار؛ لأن الروس يبدو أنهم قد يأسوا من تحصيل أموال إعادة الإعمار من الأوروبيين، بسبب الشروط التي يفرضونها والمرتبطة بإحداث تغيير سياسي حقيقي، وعودة آمنة وطوعية للاجئين. لذلك من المتوقع أن يشجع الروس الصين، كي تأخذ دورها في تقوية نفوذها الاقتصادي، وتمويل عملية إعادة الإعمار.
لهذه الأسباب جميعها، ستجد الصين المجال متاحًا أمامها، بحسب الفقير، وتابع: لكن في المقابل، من يتابع التصريحات الصينية بهذا الشأن، يلاحظ أنهم يربطون موضوع إعادة الإعمار ودعم الاقتصاد السوري، بحدوث استقرار شامل في سورية. وقبل تحقيق ذلك، لا يمكن أن يكون هناك أي مساهمة اقتصادية لهم، ولا سيما أن تحقيق الاستقرار بعيد المنال في سورية”.
يضيف الفقير: “يربط الصينيون موضوع مساهمتهم في إعادة الإعمار في سورية، بملفات أمنية خاصة بهم، كملف مصير المقاتلين الإيغور المنحدرين من تركستان الشرقية، وهم أقلية مسلمة مضطهدة في الصين، وكثير من أبناء هذه الطائفة يقاتلون في سورية، وهم مقاتلون أشداء موجودون في معسكرات منفصلة، في محافظة إدلب شمال سورية، ويعدّون من أهم القوى الأجنبية التي تقاتل مع فصائل المعارضة، وأسسوا (الحزب الإسلامي التركستاني) في إدلب، أحد فروع الحزب الأساسي الذي تم إنشاؤه في الصين عام 1997. وتخشى الصين من عودة هؤلاء المقاتلين إلى الصين، وترى فيها تهديدًا لأمنها القومي”.
يختتم الفقير قائلًا: “بكل الأحوال، إن قضية بسط النفوذ الاقتصادي للصين في سورية، ستكون من القضايا التي يجب أن يتم التعامل معها، وتحليل نتائجها وأبعادها، بشكل دقيق”.