الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل نحن إزاء حرب باردة ثانية؟

هل نحن إزاء حرب باردة ثانية؟

24.07.2014
السيد أمين شلبي



الحياة
الاربعاء 23/7/2014
مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية وبروز الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كقوتين عظميين، بدأ تحالف الحرب يتفكك نتيجة لاختلاف المصالح والأيديولوجيات، وهو ما تطور في الحقبة التالية إلى ما سيعرف بـ "الحرب الباردة".
وقد بدأت التشققات في تحالف الحرب خلال مؤتمري طهران 1943، ويالطا 1945. وكان الخلاف حول مصير الحكم وطبيعته في دول شرق أوروبا بخاصة بولندا، وطالب الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بإجراء انتخابات ديموقراطية حرة في بولندا وتكوين حكومة وطنية، وإن كان اعترف بأنه يجب أن تكون حكومة "صديقة" للاتحاد السوفياتي. إلا أن جوزيف ستالين كانت له خطط أخرى، فهو لم يكن يكتفي بحكومات "صديقة"، ولكن حكومات "حليفة" للاتحاد السوفياتي، وهذا ما تحقق، حيث فرض الأيديولوجية السوفياتية علي بلدان شرق أوروبا واكتمل بالانقلاب الشيوعي في تشيكوسولوفاكيا عام 1949. وهو ما جعل ونستون تشرشل يقول "الآن انسدل ستار حديد حول شرق أوروبا"، وتأكد انقسام القارة.
ومع انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفياتي انفرطت دول شرق أوروبا وهو ما أقره حينذاك الزعيم الشيوعي غورباتشوف ولم يقاومه. ومع بروز روسيا الاتحادية على أنقاض الاتحاد السوفياتي، حاول الرئيس الروسي الجديد يلتسن أن يثبت للولايات المتحدة والغرب أن روسيا ستكون حليفاً يعتمد عليه وأن أيام الحرب الباردة قد ولت. غير أنه في الرؤية الروسية تصرف الغرب والولايات المتحدة على غير ما وعدا به من أن حلف الأطلسي لن يمتد إلى الحدود الروسية، وانتهى الأمر بانضمام دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق إلى حلف الناتو، وهو ما قاومه الرئيس الروسي الجديد فلاديمير بوتين، واعتبره تهديداً للأمن القومي الروسي. وعلى رغم محاولة الغرب تهدئة المخاوف الروسية بإنشاء ما يسمى "مجلس روسيا والناتو"، إلا أن إجراءات أميركية وأوروبية جاءت مع عهد جورج بوش الابن بإنشاء ما يسمى "نظام الدفاع الصاروخي" في كل من بولندا وجمهورية تشيخيا. أما التطور الثاني فجاء مع التدخل العسكري الروسي في جورجيا عام 2008، وهو ما ابتلعته الولايات المتحدة والغرب، ثم التدخل في أوكرانيا عام 2014 وضم روسيا شبه جزيرة القرم. وهو ما دفع الولايات المتحدة والغرب إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على روسيا واستبعادها من مجموعة الثماني.
في هذه الأجواء جاءت رحلة أوباما الأوروبية في حزيران (يونيو) الماضي والتي بدأها بزيارة بولندا، وكانت النقطة الجوهرية في هذه الزيارة إطلاق مبلغ بليون دولار لمناورات عسكرية جديدة في الأرض والجو والبحر. وللمفارقة فإن الزعماء البولنديين انتقدوا هذه الخطة حيث كانوا يتوقعون بدلاً من إنفاق الأموال لنقل القوات والمعدات في شرق أوروبا، كان على أوباما أن يتبنى استراتيجية جريئة، فقوات الناتو والقوات الأميركية يجب أن تكون لها قواعد دائمة في بولندا وأراضٍ أخرى لأعضاء الناتو في شرق أوروبا.
هذا التطور على المسرح الأوروبي هو الذي يدفع المراقب أن يتساءل عما إذا كانت الحرب الباردة بدأت حول أوروبا، فهل تتجدد على المسرح الأوروبي أيضاً؟ إن حقائق العلاقات بين الجانبين لا تقود إلى هذه النتيجة. فالعامل الرئيسي الذي حرَّك الحرب الباردة كان هو العامل الأيديولوجي. وهو ما يقر الجانبان اليوم بأنه اختفى كمحرك لعلاقاتهما، وعلى رغم الغيوم والاختلافات فثمة إدراك أن هناك مجالات يحتاج فيها كل جانب إلى تعاون الآخر، فالولايات المتحدة تحتاج – ومعها الغرب - إلى التعاون والتنسيق مع روسيا حول قضايا مثل الإرهاب وأفغانستان، واستكمال ما بدأوه من اتفاقات تقييد التسلح، والبرنامج النووي الإيراني والكوري الشمالي، وسورية. أما روسيا فإنها تقدر أن حرباً باردة جديدة ستضُر بها أكثر لأنها تعتمد أكثر على أوروبا وليس العكس، بخاصة في مجال مهم وهو تحديث وتنويع اقتصادها الذي يعتمد على مصدر واحد وهو البترول، وتحديث بنيتها التحتية المتآكلة من العهد السوفياتي، ومن ثم فإن روسيا اعتمدت على تدفق رأس المال والتكنولوجيا الغربية.
غير أنه على رغم مجالات التعاون المشتركة هذه، فهذا لم يمنع نائب سكرتير عام حلف الأطلسي من أن يقول: "إن روسيا أصبحت خصماً أكثر منها شريكاً".
* المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية