الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل من صفقة كبرى في تل أبيب

هل من صفقة كبرى في تل أبيب

16.06.2019
عمار ديوب


جيرون
السبت 15/6/2019
اجتماع قادم في هذا الشهر، سيعقده مستشارو الأمن القومي لأميركا وروسيا و “إسرائيل”، في تل أبيب، المحللون مرتبكون إزاء أسبابه ونتائجه المحتملة، ولكن تباعد الفجوة بين الروس والأميركيين يقول بأنّه لن يكون اجتماعًا هزيلًا، وإذا أضفنا أن تلك اللقاءات لا تتم من دون مقدمات سريّة إيجابية، فإن ذلك يعني أن هناك محاولة للوصول إلى صفقة بين الدولتين العظميين، تخصّ سورية والوضع الإقليمي المتعلق بها، وبالتأكيد ستكون الفائدة الكبرى منها لـ “إسرائيل”.
السياسات قبل الاجتماع تقول بأن هناك تصعيدًا أميركيًا على إيران من ناحية، ويترافق مع محاولات إقليمية ودولية لتخفيفه من ناحية أخرى، أميركا تضغط إلى آخر الحدود الممكنة؛ فهناك تصفير صادرات النفط، ومؤخّرًا منعت استيراد الكيمياويات، وعلى الأرض السورية تتصاعد الخلافات الروسية الإيرانية، فعلى الرغم من حدة المعارك المحيطة بإدلب وشمال حماة، فقد أُبعدت وابتعدت إيران عن المشاركة الفاعلة فيها، وهناك الهجمات الإسرائيلية المتتالية ضد المواقع العسكرية المتعلقة بها، والتصعيد الأميركي لن يؤدي إلى أي صفقة تُبقي إيران دولة قوية في المنطقة، وبالتالي من شأن الصفقة فقط إحداث تغيير كبير في النفوذ الإقليمي لإيران، وتفكيك البرنامج النووي، وتحجيم إنتاج الصواريخ الباليستية. إيران التي حلمت بدور إقليمي وازن، وأهلكت شعبها بسببه، مضطرة إلى التراجع بسبب التهديدات الأميركية، وفي هذا علينا ملاحظة مصلحة ترامب وإعادة انتخابه مجددًا؛ فهو وصقور إدارته يضغطون من أجل تسوية جديدة مع إيران، تتجاوز بالتأكيد أشكال التسويات السابقة بين الدولتين.
اجتماع تل أبيب يهدف إلى حماية أمن “إسرائيل”، وتدعيم الوجود الروسي في سورية، وإخراج أو تهميش إيران في سورية، وتحجيم تركيا كذلك، والسؤال المطروح: هل يمكن تحقيق كل ذلك، أم إن التسوية لن تتجاوز المسألة الأمنية وتخفيف التوتر بين الدولتين العظميين؟ قوة الخلاف بين روسيا وأميركا، المتعلق بقضايا دولية وليس بسورية فحسب، تؤكد صعوبة الوصول حاليًا إلى صفقة تخصّ الحل السياسي في سورية، وتحديد الأدوار الإقليمية فيها.
تركيا تراقب المشهد ولديها مشكلاتها؛ فهي تنسّق مع روسيا عبر بنود اتفاقية سوتشي الخاصة بإدلب، ومسار أستانا، وبين الدولتين اتفاقات اقتصادية كبرى، والأهم اتفاقية (إس 400)، مشكلة تركيا أنّها معرضة لفقدان العلاقة مع أميركا بخصوص صفقة الطائرات والتدريب عليها، وهناك التقارب بين الدولتين بما يخصّ شرق الفرات، وهو ما يُقلق روسيا. تركيا بين نارين، وروسيا وأميركا قائدتان للعالم بالمعنى العسكري، وهما موجودتان في منطقتنا، وتخططان من أجل مصالحهما أولًا، وستكون، بالضرورة، على حساب كلّ من إيران وتركيا، وهنا علينا ألّا ننسى أن روسيا لم تدخل إلى سورية إلا بموافقة أميركا وأوروبا، فالدول الأخيرة كانت تتخوف من انتصار الثورة، أو أيّ تطورات غير محسوبة في سورية، وبعد فشل النظام وإيران في مواجهة الثورة كان دخول روسيا، إذًا ليس من الصحيح القول بتضارب كبير في المصالح بين الدولتين، ولكن كذلك هناك اختلافات كبرى أيضًا، و “إسرائيل” التي ربحت من انتصار العسكر في مصر وتفكك ليبيا وسورية واليمن وهامشية التجربة التونسية، انتقلت إلى تحجيم الدول الإقليمية الفاعلة، إيران وتركيا، وبالتالي أي تسوية ستتم في “إسرائيل” لا بد أن تناقش كيفية تحجيم هاتين الدولتين، وفي هذا تدعّم “إسرائيل” مواقفها بالدعم الخليجي والمصري لمواقفها.
ازدادت قوّة العلاقة بين روسيا و “إسرائيل” بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، ولديها بالأصل توكيل أميركي لتخريب المنطقة، وعلى الرغم من رفض الروس ضمّ الجولان إلى “إسرائيل” فإن روسيا تسمح لها بالتدخل في سورية، هذا يعني أن التنسيق بين الدولتين يتجاوز الجولان، ويصل إلى كل ما يخصّ سورية، وربما هذا سيطرح قضية التسوية السياسية بين “إسرائيل” والنظام السوري، ما سُقْتُه يؤكد أن هذه الفكرة ستكون تحصيل حاصل، وليست قضيةً ذات أهمية بالنسبة إلى “إسرائيل”، وما يُقلق الأخيرة هو الوجود الإيراني في سورية، ولكن على ماذا ستحصل روسيا مقابل إخراج إيران، وعدم الاكتفاء بتحجيم وجودها التدريجي كما يتم؟ ألا يفتح هذا باب التساؤل عن مصير التقارب الأميركي التركي، وفي هذا ستكون “إسرائيل” إلى جانب روسيا، حيث هي بدورها متضرّرة من دور تركي قوي في سورية، ومن تركيا كدولة قوية أيضًا، إذًا لن تتجاوز الصفقة حدود تهميش كل من إيران وتركيا في سورية، ولا سيّما أن روسيا غير راضية عن المواقف التركية، ودعمها الفصائل في المعركة الأخيرة، وارتفاع الخسارات الروسية والنظامية في شمال حماة وجنوب إدلب وريف اللاذقية، وإضافة إلى ذلك فإن روسيا تهدف إلى الدخول إلى إدلب وإنهائها كآخر مناطق خفض التصعيد، وإن ما يحول دون ذلك، مصلحة تركيا في هذه المدينة، والتخوف الأوروبي من أزمة لجوء جديدة، وفي هذا فإن أميركا تكرّر أسطوانتها، بأنها تسمح بكل أشكال الحرب باستثناء استخدام الكيمياوي، وبالتالي، إدلب وكافة المناطق الواقعة تحت السيطرة التركية يمكن أن تكون ضمن أوراق الصفقة بين الدولتين، وهذا يوجب بالضرورة وضع أوراق الشأن السوري على الطاولة، وهذا بالطبع ليس أمرًا بسيطًا، بل معقد للغاية، ولم تنضج شروطه بعد؛ فخلافات روسيا مع أميركا تخص قضايا دولية كثيرة، وأميركا من ناحيتها ليست بعجلة من أمرها، فسورية تُدمّر، والعراق كذلك، وبقية الدول العربية، وقد انتهجت، كما روسيا، دعم العسكرياتية، وتقودنا كافة الاحتمالات إلى أن الصفقة الثلاثية لن تتجاوز تدعيم الأمن الإسرائيلي، ومتابعة الضغط على إيران، والتنسيق بخصوص الوجود العسكري للدولتين العظميين في المنطقة والعالم، أما موضوع الصين، وأنها دخلت بقوة على الشرق الأوسط، والبحث عن آليات لتحجيم دورها، كما يحلّل البعض، فلا أظنه قضية ذات وزن، ولا سيّما أن الوضع في المنطقة ليس مستقرًا، والصين لا تغامر بهكذا توتر. ويمكن تحديد نتائج تلك الصفقة، ولكن لا يمكن التوهم بانفراجات كبرى أيضًا، ودور دول المنطقة وشعوبها ليس ذا شأن؛ فكافة الأنظمة تبحث عن كيفية إنقاذ نفسها، وأما شعوبها، بعد تعثر قوة ثوراتها، فلا تمتلك من ذاتها شيئًا، ومن هنا أسقطنا بحثها في المسألة الأمنية التي نناقشها في مقالتنا.