الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل من تسوية بين أنقرة وموسكو في  "قرة باغ " وإدلب؟ 

هل من تسوية بين أنقرة وموسكو في  "قرة باغ " وإدلب؟ 

12.11.2020
هبة محمد



القدس العربي 
الاربعاء 11/11/2020 
دمشق –  "القدس العربي ": يواصل الجيش التركي سحب نقاط المراقبة العسكرية التابعة له، شمال غربي سوريا، بموجب تفاهم مع روسيا، يتضمن وفق مراقبين وخبراء تنازل أنقرة عن التمسك باتفاق  "سوتشي " كمرجعية، وخفض عدد القوات التركية والعتاد الثقيل في محافظة إدلب ومحيطها، غير مستبعدين العلاقة بين هذا التنازل، بالملفات العالقة بين تركيا وروسيا، وتحديداً في إقليم  " قرة باغ " والاتفاق الذي أنجزته روسيا لضمان عودة الاستقرار للإقليم، والذي تم توقيعه أول أمس، بين أذربيجان وأرمينيا. 
الانسحاب مع محطات مراقبة الجيش التركي في إدلب، والذي بدأ بالنقطة العسكرية التركية المتمركزة في مدينة مورك شمال حماه، في العشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، هي إحدى  "جبهات التفاوض بين روسيا وتركيا، تنوي من خلالها هذه الأخيرة تحصيل أعلى قدر ممكن من المكاسب الاستراتيجية مع تقديم تنازلات في أوراق تفاوضية جرى الاحتفاظ بها لوقت معين " وفق مراقبين. 
 
القوات التركية تبدأ انسحابها من نقطتين بعد إخلائها  "مورك " شمال غربي سوريا 
الخبير السياسي والقانوني، محمد سليمان دحلا اعتبر أن  "الشراكة " التركية الروسية تزداد قوة يوماً بعد يوم نتيجة لتشابك المصالح وتلاقيها حيناً وتضاربها أحياناً كثيرة بين الشريكين اللدودين في عدد من الملفات خاصة سوريا وليبيا والمناطق المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان. 
ورأى الخبير في حديث مع  "القدس العربي " أن الاتفاق الذي جرى في موسكو بين روسيا من جهة وكل من أرمينيا وأذربيجان من جهة أخرى، لم يجر بغياب تركيا أو بدون تنسيق كامل معها، فتركيا  "التي أعلنت دعم أذربيجان منذ اليوم الأول سياسيًا وعسكريًا، لا يمكن أن تسمح بتمرير ذلك الاتفاق الذي يحقق مصالح واضحة لموسكو تتمثل في حضورها العسكري كقوات مراقبة وفصل في العديد من مناطق الإقليم وطرقه الاستراتيجية وممراته في الشمال والجنوب إضافة إلى احتمالية استبدال الحكومة الأرمينية الموالية لأمريكا بأخرى موالية لموسكو.. كل تلك المكاسب الروسية من شبه المؤكد أنها تحققت بموجب تفاهم روسي – تركي في أكثر من ملف وخاصة ملف إدلب سيما أن سحب نقاط المراقبة التركية جنوب M4  "الساقطة عسكرياً ". 
الانسحاب جرى بالتزامن مع المعارك الدائرة في قره باغ والتي امتنعت فيها روسيا عن تقديم أي مساندة لأرمينيا بما يعني إعطاء الفرصة الكاملة لتركيا وحليفها الأذري بتحقيق انتصار عسكري في الإقليم، ومن هذا المنطلق استنتج الخبير السياسي  "ملامح التفاهم بين الجانبين الروسي والتركي في الملفين معاً ". 
ورجح دحلا أن يضمن الاتفاق أن  "تسحب تركيا نقاط المراقبة جنوب إدلب، وما يتضمنه ذلك من تنازل ضمني عن حدود اتفاق سوتشي بما يعتبر تعديلاً لذلك الاتفاق وفي المقابل تمتنع روسيا عن عرقلة النجاح التركي في قره باغ وصولًا إلى فتح ممر جنوب أرمينيا يصل بين نخشيفان الأذرية وأراضي أذربيجان وبالتالي يصل عملياً بين تركيا وأذربيجان، على أن يتم نشر قوات روسية على ذلك الممر الواقع أقصى جنوب أرمينيا قرب الحدود الإيرانية ". ومن المحتمل أن تكون هناك مكاسب أخرى لتركيا في الشمال السوري، مقابل تلك المكاسب الكبيرة التي سيحققها الروس في كل من ارمينيا وأذربيجان من دون أن يتكبدوا أي عناء عدا تفاهمات سياسية وتبادل مصالح مع الشريك التركي. 
 
إدلب: مسرح تسويات؟ 
وبطبيعة الحال، ونظراً لما تحظى به أذربيجان، من أهمية كبيرة بالنسبة إلى روسيا وتركيا، الفاعلين الرئيسيين في الملف السوري، فقد تتفاوت رؤى الخبراء في تفسير مجريات الأحداث، حيث يرى البعض أن ثمة خلافاً تركياً – روسياَ يخيم على المشهد، بدءًا من ليبيا والقوقاز وصولاً إلى شرق المتوسط، بهدف الضغط والكسب السياسي والعسكري، وهو ما يترجم الانسحاب المتتالي للقوات التركية من محيط إدلب. 
وفي هذا الصدد اعتبر الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد حوراني أن القوات التركية لم تنسحب من منطقة خفض التصعيد، بل سماها  "إعادة انتشار " ضمن النطاق الجغرافي الذي دخلت إليه هذه القوات بالاتفاق مع روسيا. 
وأوضح المتحدث لـ  "القدس العربي " أن  "إعادة الانتشار تفرضها التطورات الخاصة بكل حالة " وقال: يبدو أن عدم صدور بيان مشترك بين الطرفين عن إعادة انتشار القوات التركية يوحي بحجم الاختلاف بين الطرفين، خاصة أن تركيا تضع وتنشر القوات الخارجة من نقاط المراقبة كحاجز صد في محيط المنطقة التي تعتبر خاضعة لها. فإعادة الانتشار للقوات التركية تشير وفق رؤيته إلى  "أن الجانب التركي يحضر مسرح العمليات لمعركة على مقاسه قياساً بما فعله في ليبيا وأذربيجان، حيث دعم حلفاءه هناك وفرض واقعاً جديداً أصبح بموجبه أنه لا يمكن تجاوزه دون رضا حلفائه في كلا المنطقتين، أما روسيا فمن الضروري الإشارة إلى عدم وفائها بالاتفاقات، فهي ترى إدلب الجهة الأضعف والأكثر تأثيراً على تركيا فتحاول الضغط عليها عسكرياً وانسانياً (لجهة النزوح) ". 
وتوقع الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، أن تركيا وبعد أن انتهت بشكل تقريبي من تثبيت الواقع في ليبيا وأذربيجان وشرق المتوسط، فإنها ستتوجه بعمل عسكري في إدلب خاصة أنها لم تعلن عن انتهاء عملية درع الربيع التي بدأتها مطلع العام الجاري كعادتها بإعلان وانتهاء العمليات التي نفذتها في سوريا، إضافة إلى أنها اختبرت قدرتها العسكرية المؤثرة على النظام وحلفائه من خلال استخدام سلاح الطيران المسير. 
يواصل الجيش التركي، منذ مساء الاثنين حتى مساء الثلاثاء، إخلاء نقطتين عسكريتين ضمن مناطق سيطرة النظام في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، بالتزامن مع البدء بإخلاء عدة نقاط بريف حلب. المتحدث العسكري باسم الجيش الوطني، الرائد يوسف حمود، قال لـ  "القدس العربي " إن الجيش التركي أخلى قاعدة مورك، ويجهز لإخلاء كلٍ من نقطة  "شير مغار " ونقطة  "معر محطاط " فضلاً عن تحضيره لإخلاء قاعدة قبتان الجبل في ريف حلب الغربي، هي وقاعدة خلفية، بعيدة عن خط الجبهة، سوف يتم الانسحاب منها مع القاعدتين المتقدمتين القريبتين منها. 
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن القوات التركية انسحبت بشكل شبه كامل من نقطة المراقبة في شير مغار بجبل شحشبو شمال غربي محافظة حماة، ومن المنتظر أن تنهي انسحابها خلال الساعات المقبلة، حيث توجهت عشرات الشاحنات المحملة بالمعدات اللوجستية إلى ريف إدلب قادمة من نقطة المراقبة في شير مغار. 
 
الوضع الميداني 
كما تنسحب القوات التركية من نقطة  "معرحطاط " الواقعة على طريق حلب – دمشق الدولي جنوبي إدلب، بعد تفكيك معداتها، حيث شوهدت عربات تركية تخرج من النقطة بشكل تدريجي. وأشار المرصد إلى مواصلة القوات التركية استكمال عملية انسحابها من نقطة شير مغار بجبل شحشبو شمال غربي محافظة حماة، إلى النقطة العسكرية في قرية قوقفين بريف إدلب الجنوبي، فضلًا عن إخلاء نقطة المراقبة التركية التاسعة في مورك بشكل كامل، ورفع علم النظام السوري فيها، وذلك بعد أكثر من 10 أيام من البدء بتفكيكها. مصادر عسكرية تحدثت عن عشرات الشاحنات المحملة بالآليات والمعدات العسكرية والهندسية، التي وصلت الليلة الماضية، إلى القواعد العسكرية التركية في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، بعدما انسحبت من نقطة المراقبة التركية في شير مغار في ريف حماة، مرورا بنقاط معرة حطاط وسراقب ووصولاً إلى جبل الزاوية. وترافقت عملية الانسحاب مع استنفار وانتشار للجيش التركي على أوتوستراد  "حلب – اللاذقية " (M4) طيلة الليلة الماضية حتى صباح الثلاثاء. 
وبالتزامن مع الانسحاب من ريف حماة، خرجت 50 شاحنة وآلية عسكرية ولوجستية وهندسية من نقطة المراقبة في قبتان الجبل بريف حلب الغربي في اتجاه القواعد العسكرية في دارة عزة. وأكّدت شبكة  "بلدي نيوز " المحلية أن جميع القواعد سابقة الذكر لم ينته انسحاب الجيش التركي منها إذ أنه من المتوقع، حسب المصدر، أن تخرج 40 شاحنة من نقطة المراقبة في شير مغار التي تبقى فيها ما يقارب 70 ضابطاً وجندياً من الجيش التركي، بالإضافة إلى الكتل الإسمنتية وبعض المواد اللوجستية غير القتالية، كما توجهت 80 شاحنة لإخلاء نقاط المراقبة العسكرية التركية في الراشدين والشيخ عقيل في ريف حلب الغربي.