الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل كان هيغل على حق؟ أم أن بوتين له رأي آخر؟

هل كان هيغل على حق؟ أم أن بوتين له رأي آخر؟

09.01.2017
أنس يلمان


الخليج
 الاحد 8/1/2017
جاء التدخلُ الروسي في سوريا استجابةً لنداء بشار الأسد، الذي كان يسيطر على أربعةَ عشرَ بالمئة فقط من الأراضي السورية، إذ يُعتبر هذا التدخلُ دعماً وسنداً لاستقامة ظهر الأسد، الذي أوشك على الانكسار، ليستعيدَ بعد ذلك القوةَ التي ساعدته على إعادةِ احتلالِ حلب، فهل هذا التدخلُ كان بدعوةٍ أمريكيةٍ ضمنية؟
لا يخفى على أحدٍ بأن التدخلَ الروسيَّ في الحرب السورية كان بحجةِ القضاءِ على داعش، وكذا الحال بالنسبة للولاياتِ المتحدةِ الأمريكية ودولِ التحالفِ الاثنتين والستين دولةً، إضافةً إلى دعوةِ الأسد الذي كان على مقربةٍ من الانهيار. فلو نظرنا إلى تلك الأحداثِ، لتذكرنا المقولةَ الشهيرةَ لهيغل "التاريخُ يعيد نفسَه"، إذ يعيدُ للأذهانِ غزوَ الاتحادِ السوفييتي لأفغانستان، ففي أواخر عام ألفٍ وتسعِ مئةٍ وتسعةٍ وسبعين، وبدعوةٍ من حكومةِ الشيوعي الأفغاني بابراك كرمال للتدخلِ في الحربِ ضدَّ الفصائل الجهادية في أفغانستان، تمكن جنودُ الاتحاد السوفييتي من الاستيلاءِ على كابول في وقت قصير، وكان يوري أندروبوف رئيسُ الاستخبارات السوفيتية آنذاك في طليعةِ المؤيدين لفكرة التدخلِ؛ بهدف حفاظِ الحكومةِ الأفغانيةِ الشيوعيةِ على السلطة؛ لأنه كان يعتقدُ أن خسارةَ تلك الحكومةِ يشكل خطراً على الأراضي السوفيتية في آسيا الوسطى وفقدانِ استقرارِها، إلا أنَّ جنودَ الاتحادِ السوفييتي واجهوا مقاومةً صعبةً من قبل الإسلاميين في أفغانستان، وباتت فاتورةُ مشروعِ الغزو ثقيلةً على كلا الطرفين، حيث تم قتلُ ما لايقل عن مليون أفغاني أثناءَ فرارِهم إلى الباكستان وإيران، وأصبحَ المجاهدون الطرفَ الرابحَ من هذا الغزو.
في الواقع، إن مَنْ صنعَ هزيمةَ الاتحادِ السوفييتي هو الرئيسُ الأمريكي جيمي كارتر، فقد اعترضَ على ذلك التدخلِ، وقامت استخباراتُ الولاياتِ المتحدةِ بالتعاون مع نظيرتيها السعوديةِ والباكستانيةِ بحشدِ جميع العالم الإسلامي ضد موسكو، وتُرجم بذلك – ضمنياً - مقاومة الاتحادِ السوفييتي التي تغزو أفغانستان المسلمة، عن طريق الترويج للجهاد، فكانت النتيجةُ انهيارَ الاتحاد وتفكيكَ حلفِ وارسو.
فكلُّ تلك الأحداثِ السابقة أعقبَها محاولةُ بوتين استرجاعَ روسيا لتكونَ قوةً عالميةً مرةً أخرى، حيث عملت روسيا على اغتنامِ الفرصةِ في استراتيجية انسحابِ القوةِ العسكريةِ لإدارةِ أوباما من الشرق الأوسط، وقيامِها باحتلالٍ جزئيٍّ لجورجيا، واستغلالِ الأزمةِ التي عانتها أوكرانيا وإلحاقِ جمهورية القرم بروسيا.
ولو نظرنا إلى ما يحدثُ الآنَ على الساحة، لا يختلفُ كثيراً عن تلك الأحداثِ الماضية، فإدارةُ أوباما ليست بمنأى عن إدارةِ كارتر، حيثُ خططت لسحب روسيا إلى الشرق الأوسط عن طريق سوريا، وتحريضِها لمواجهةِ تركيا في المنطقة، وهنا لا نستبعدُ تخطيطَ الولاياتِ المتحدةِ لإسقاطِ الطائرةِ الروسيةِ على الحدودِ التركيةِ، وكذا مقتلِ السفيرِ الروسي في تركيا، في حين فشلت الولاياتُ المتحدةُ ودولُ الاتحاد الأوروبي– مبدئياً- بالردِّ العسكري على روسيا، فجاءَ الردُّ عن طريق محاولاتِ فرضِهم الحصارَ الاقتصاديَّ عليها.
واليوم تحاولُ الولاياتُ المتحدةُ وحلفُ شمالِ الأطلسي - بشتى الطرق- التخلصَ من روسيا التي تريد استعادةَ السيطرةِ على العالم بقيادة بوتين، ومن تركيا التي استعصَتْ على المشروعِ الأمريكي المتمثلِ بالأهدافِ الإمبريالية في الشرق الأوسط، وذلك بخلقِ التوترِ العسكريّ والاقتصاديّ بين تركيا وروسيا، حتى وإن أدى ذلك إلى نشوبِ الحربِ بينهما، وبالتالي بات سيناريو الإيقاع بين هاتين الدولتين ( تركيا وروسيا) من قبل أمريكا وحلفِ الناتو أمراً مكشوفاً، فصراعُ الطرفين سياسياً وعسكرياً واقتصادياً يفرغ الطريقَ أمامَ الولاياتِ المتحدةِ وحلفِ شمالِ الأطلسي.
وبالإشارةِ إلى تأثرِ بوتين من هزيمةِ الاتحادِ السوفييتي، في الوقتِ الذي كان ضابطاً في المخابرات السوفييتية، فإنَّ ذلكَ بدا واضحاً من الأقوال التي أدلى بها كرئيسٍ لدولةِ روسيا، إذ يعتبرُها أكبرَ كارثةٍ جيوسياسيةٍ حصلت في القرن العشرين، لكن العالمَ الإسلاميَّ لايشبهُ دولَ أوروبا الشرقية، فتدخلَ في الحربِ السوريةِ بالتعاونِ العلني مع إيران والنظامِ السوري وحزبِ الله اللبناني، والتعاونِ الضمني مع الأطرافِ التي تشكلُ تهديداتٍ كبيرةً ممثلةً بالولاياتِ المتحدةِ وحزبِ العمالِ الكردستاني وحزبِ الاتحادِ الديمقراطي. وفي رأيي، فإنَّ بوتين لا يثقُ بإدارة الولاياتِ المتحدةِ نهائياً، وعلى الرغم من المحاولاتِ العديدةِ لعملياتِ الاغتيالِ التي نفذتْها الولاياتُ المتحدةُ وحلفُ شمالِ الأطلسي لزرعِ الفتنةِ بين تركيا وروسيا، فقد تسببَ ذلك – عكس المتوقَّع - بتقاربِ الدَّولتين.
إن فوزَ الجمهوري ترامب في الانتخاباتِ التي أُجريت في الولاياتِ المتحدةِ في الثامنِ من شهرِ نوفمبر، والبياناتِ التي أدلى بها خلافاً لإدارة أوباما، حيثُ صرحَ أنه سيبني علاقاتٍ أفضلَ مع روسيا، وأكَّدَ دعمَه لأطروحات تركيا في العراق وسوريا، وكذلك توجيه الانتقاداتِ إلى إدارةِ أوباما بإنفاقهِ لسبعةِ ترليونات دولار الذي تسببَ بتحويلِ الشرقِ الأوسط إلى مستنقعٍ للدماء، ووعدَ بأن أمريكا في عهدِه لنْ تشاركَ بأيِّ عمليةِ انقلاب، كلُّ ذلك يشير إلى إمكانيةِ وقوعِ صراعٍ مفتوحٍ -لأول مرةٍ في تاريخ أمريكا- بين ترامب وإدارةِ أوباما.
وبالنظرِ إلى محاولةِ بوتين وأردوغان بضمِّ إيران إلى صفِّهم، ومساهمتِهم في إقامةِ هدنةٍ لوقفِ إطلاقِ النارِ في عمومِ سوريا، ورغمَ محاولاتِ الخرقِ من قبل الجهاتِ التي تضمنُها إيران، إلا أنها تهدفُ إلى تحقيقِ المفاوضاتِ السياسيةِ في أستانة يومَ الثالثِ والعشرين من الشهرِ الجاري، بغرض عقدِ مفاوضاتِ السلامِ واستمراريةِ وقفِ إطلاقِ النار بصورةٍ نهائيةٍ. وبذلك، يبدو أن أوباما قد خسرَ حربَ اللوبي التي يهدف من خلالها إلى إفشالِ روسيا في المنطقة، وكأن لسانَ حالِ بوتين يقولُ لهم: "التاريخُ لا يعيدُ نفسَه لمن يأخذُ العبرةَ منه".
وللحديث بقية...