الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل سيعود النظام السوري إلى شرقي الفرات

هل سيعود النظام السوري إلى شرقي الفرات

09.07.2018
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 8/7/2018
تعيش وحدات الحماية الكردية حالة من القلق على وجودها في سوريا برمّته، ولم يبقَ أمامها سوى التفاوض مع النظام على بعض المكاسب، أي العودة إلى خيمة الدولة السورية وفق ما صرّح به صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي.
الفصيل الكردي قلِق بسبب التفاهم التركي الأميركي الأخير، في عفرين ومنبج خاصّة؛ فقد بات جليّا له أن أميركا استخدمته كورقة لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، ولن تمضي في دعمه إلى النهاية، كما أنّ مصالحها مع تركيا أكبر.
يدعم هذه المخاوف اضطرار الوحدات إلى إزالة صور زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من الشوارع والساحات العامة، بناء على توافق أميركي- تركي.
ما يزيد القلق الكردي هو عودة التصريحات الأميركية حول الانسحاب من سوريا، مع اقتراب التسوية السياسية، والتي من المتوقع أن تضع قمة ترامب – بوتين في هلسنكي نقاطها النهائية، خاصة أن أميركا تخلت عن فصائل الجنوب التي تدعمها، عبر اتفاق أميركي- روسي- إسرائيلي- أردني.
المجتمع الدولي متفق على وحدة سوريا. لكن سوريا ليست في سلّم أولويات الولايات المتحدة، لولا التوغل الإيراني فيها؛ وبالتالي فإن مناطق النفوذ الأميركي في شمال شرق سوريا، كما الجنوب، هي أوراق مساومة بيد أميركا، قد تتخلى عنها لروسيا، مقابل طرد إيران. كما أنها قد ترضي الحليف التركي بتأمين حدوده الجنوبية من خطر ميليشيا حزب العمال الكردستاني وفرعه في سوريا.
تواجه قوات سوريا الديمقراطية إشكالية أخرى تتعلق بسوء إدارتها للمناطق العربية التي سيطرت عليها، خاصة الرقة، وريف الحسكة الجنوبي، حيث لا حاضن اجتماعيا لها، لخلوّها من المكون الكردي، حيث يقطنها سكان من أصول عشائرية عربية.
وفرضت قوات سوريا الديمقراطية ثقافة دخيلة على هذه المناطق، فضلا عن فرضها التجنيد الإجباري وإقامة المعتقلات وقمع الحريات العامة. كلّ ذلك أدى إلى الاقتتال بين مكونات قوات سوريا الديمقراطية، العربية والكردية. وكثيرا ما كانت تبرّر الفصائل الكردية قمعها للمكون العربي باتهامه بالولاء لتنظيم داعش، رغم أن فصائل عربية، أبرزها لواء ثوار الرقة، كانت تقاتل داعش إلى جانبها، تحت غطاء التحالف الدولي.
معاملة الإقصاء هذه للمكون العربي جعلت وحدات حماية الشعب تتحسّس أيضا خطر عودة داعش من الجيوب المتبقية في سوريا والعراق، والتي قَدّرت صحيفة الإندبندنت في تقرير لها عددهم بين 8000 و10000 مقاتل.
في ظل ما يمكن أن يحدث، تفضّل وحدات الحماية الكردية عودة النظام السوري ومؤسساته، مع بعض المكاسب، على أن تسيطر تركيا على الرقة والمناطق الحدودية. وعودة النظام تعني لها العمل تحت الوصاية الروسية، وهو ما تفضّله، خاصّة أن روسيا هي من يحكم سوريا فعليا.
تقول الأنباء إن المفاوضات لعودة النظام جارية، ولا تأكيدات حول نتائجها؛ لكن المؤكّد أن حزب الاتحاد الديمقراطي في موقف ضعيف أمام النظام السوري، وقد لا يتمكن من تحصيل إدارة ذاتية كاملة، إلا بالشراكة مع أجهزة النظام، كما في القامشلي والحسكة، وكذلك تجربة حي الشيخ مقصود في حلب.
فقد قالت وسائل إعلام النظام بقبولها بلامركزية إدارية موسعة، وببعض الحقوق الثقافية الكردية، ومنح مقعد وزارة النفط السورية لشخصية كردية بشكل دائم، مع تسليم حقول النفط والغاز لوزارة النفط السورية والإدارة العامة للرميلان والجْبِسة، وانضمام عناصر الميليشيات الكردية إلى صفوف النظام وتسليم المعابر الحدودية في اليعربية وسيمالكا النهري مع شمال العراق، ومنفذي الدرباسية ورأس العين الحدوديين مع تركيا.
والحقيقة أن العلاقة مع النظام لم تنقطع، فلطالما كان التنسيق بينهما في أعلى المستويات، حتى في أكثر فترات الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية، وحتى حين تقاتلا في 2016، وانتهى الأمر حينها إلى تقسيم الحسكة والقامشلي إلى مربعات أمنية بين النظام والوحدات. كما أن تصريف النفط المستخرج من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وبيعه يتمّان عن طريق وزارة النفط التابعة للنظام، باعتبارها الجهة الوحيدة الشرعية التي يمكنها القيام بذلك.
إذن، التنسيق العالي موجود بين النظام السوري والوحدات الكردية، لكن الخشية من تمدد تركيا عبر صفقة مع أميركا إلى شرقي الفرات، هي ما تدفع الوحدات إلى العودة إلى حضن النظام. وتركيا لا تمانع في تسليم المنافذ الحدودية للنظام، وفي عودته إلى شرق الفرات مصلحة للطرفين. تركيا ستستفيد من العودة للعمل باتفاق أضنة 1998، الذي جُمّد بعد 2011، والذي يعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم. والنظام مستفيد من إمكانية ضغط تركيا على المعارضة السورية للتخلي عن مطلب إسقاطه والقبول بالحل السياسي وفق رؤيته.
تشكل منطقة الجزيرة شرقي الفرات ربع مساحة سوريا، ويمكن اعتبارها سوريا المفيدة بحقّ، حيث تضم حقول النفط والغاز والأراضي الزراعية. وإذا ما تم تسليمها إلى النظام، يمكن القول إن خيوط العقدة السورية بدأت تتفكك، خاصة أن النظام يحاول السيطرة على الجنوب، وقد وصل إلى معبر نصيب على الحدود مع الأردن، ولم يبق سوى إدلب وريف حلب الواقعة تحت تصرف تركيا، وعلى عاتقها تقع مهمة حلّ جبهة النصرة، والمضي بالتنسيق مع روسيا لجعل المعارضة تنخرط في الحل السياسي، وفق الرؤية الروسية.