الرئيسة \  تقارير  \  هل ستطيح الحرب الروسية بالحكومة الإسرائيلية؟

هل ستطيح الحرب الروسية بالحكومة الإسرائيلية؟

09.05.2022
حسام محمد


حسام محمد
القدس العربي
الاحد 8/5/2022
تصنف سوريا بعد ما آلت إليه تطورات الأوضاع فيها خلال السنوات الماضية كإحدى أبرز المعادلات المعقدة على الساحتين الإقليمية والدولية، علاوة عن مخاض البؤس والظروف القاسية للسوريين داخل جغرافية البلاد وخارج أسوارها، في حين تعتبر التفاهمات والسياسات القائمة بين روسيا الحليف الدولي الأبرز والأقوى للنظام السوري وإسرائيل من أعقد الموازنات من حيث تقاطع المصالح إلى تنفيذ كل جهة أهدافها الخاصة.
فموسكو، هي القوى الدولية القادمة من بعيد نحو المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط والمسلحة بمخططات توسعية تتجاوز عتبة الحدود السورية من دون الاستغناء عنها، مستغلة في ذلك جملة من العوامل الإقليمية كغياب التأثير العربي المحوري، وتطابق مسارها مع بعض الأنغام لثلة من الأنظمة العربية.
في حين تعمل تل أبيب على تثبيت خطوطها الحمراء بما يتناسب مع مخاوفها الأمنية وغاياتها التوسعية، فكانت الساحة السورية بوابتها للتفاهم مع موسكو بما يخص المحافظة على رأس النظام بشار الأسد وبنيته الأمنية، والتركيز على تحجيم الانتشار الإيراني ومكافحة قوافل الإمداد العسكري التي تصل لحزب الله عبر الأراضي السورية.
إلا أن كل تلك التوافقات لا تشير إلى تطابق في الرؤى الروسية والإسرائيلية حول سوريا، فلكل طرف غاياته وأهدافه الأحادية، وبين التوافقات الدولية والاختلافات يبقى المستقبل السوري معقودا على ما ستؤول إليه تلك المعادلات التي حولت الوطن إلى ساحة للصراع وجغرافية لتصفية الحسابات.
تناغم بدون مقايضات
ما بين روسيا وَإسرائيل أكبر مِن مجرّد تناغم وفق قراءة الباحث في العلاقات الدولية محمود إبراهيم، بل هي علاقات تحكمها معاهدات وَاتفاقات منذ العهدة السوفييتيّة، لكنّ العلاقة تبلورت بشكل مُحدّد بِما يخصّ الجانب السوريّ في لقاءات القدس التي تمّت في عهدة الرئيس الأمريكيّ السابق ترامب، وَجمعت بين الأجهزة الأمنيّة وَالعسكريّة لِثلاثة بلدان هي أمريكا وَإسرائيل وَروسيا.
معتبرا أن الحرب في أوكرانيا لا تحمل أي انعكاسات مباشرة على السياسة الروسية في سوريا، وأن الملف السوري منفصل تمامًا عن الأوكراني، كما أن موسكو لم تعتد على سياسة مقايضات الملفات كما يتم الترويج لها من قبل أصحاب نظريات المؤامرة ومنهم المعارضة السورية.
المتحدث أشار كذلك خلال تصريحات أدلى بها لـ “القدس العربي” إلى قيام بوتين بوضع الملف السوري بمكان مختلف عن الملف الأوكراني، ثم بدأ يفاوض العالم على هذه الملفات، ولكن كل واحد منها على طاولة خاصة، وقال: “هناك انعكاسات مباشرة للحرب الأوكرانية تخص تغيير الحكومة الإسرائيلية ولا تخص تغيير رأس النظام السوري، وأن روسيا لن تقايض أوكرانيا بسوريا، رغم ارتباطهما عضويا بقواعد عسكرية”.
أما القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون فقال: الأوضاع في سوريا خلقت فرصة ومناخا جيدا لكل من روسيا وإسرائيل لتعزيز وجودهما في المنطقة، ولتحقيق هذا الوجود فإن مصلحتهما اقتضت استمرار الصراع في سوريا، وتحقيقه يتطلب المحافظة على نظام الأسد إلى أطول مدة ممكنة.
وفي ذلك تحققت الفرصة لدخول روسيا إلى سوريا والحصول على مكاسب متوالية ومنحها قواعد وامتيازات عسكرية تجعلها لاعبا دوليا مهما في المنطقة ويمنحها قوة إضافية.
في حين استفادت إسرائيل من استمرار الصراع كثيرا، فهي لم تخسر جنديا واحدا أو طائرة ولم تتضرر بناها العسكرية والتحتية والاقتصادية، حيث أدى ذلك إلى تدمير جيش الدولة السورية الذي استخدمه نظام الأسد ضد الشعب السوري، وجميع البنى السورية بما فيها الاجتماعية.
وهي نتائج جعلت الفارق يزداد اتساعا من دون ان تخسر إسرائيل شيئا يذكر، وهي التي كانت أعدت خططا عسكرية للوصول إلى هذه النتائج تحتاج إلى مليارات الدولارات وإلى عشرات الآلاف من الجنود وإلى مراحل زمنية طويلة.
تقارب بهدف الهيمنة
إثر تفكك الاتحاد السوفييتي، خرج الوريث المتمثل بالاتحاد الروسي منهكا، فلم يكن مهتما كثيرا بموقعه على الساحة الدولية بقدر اهتمامه باستعادة بنائه الداخلي وفقا لمتغيرات السياسة الدولية والعمل نحو نهضة اقتصادية وانفتاحه على الغرب.
وقد اقتضى ذلك وفق ما قاله العميد حسون لـ”القدس العربي” انفتاحا روسيا بالضرورة على إسرائيل باعتبارها عضوا في النادي الغربي وقوة متنامية لا يمكن تجاهلها في الشرق الأوسط، وخاصة هي القوة الوحيدة المالكة للسلاح النووي وترسانة عسكرية تعتبر الأقوى والأكثر حداثة.
ومع طموحات بوتين لاستعادة الأمجاد السوفييتية والعودة إلى مياه المتوسط والمضائق المتحكمة في الملاحة الدولية فإنه بحاجة إلى القوى الأكثر تأثيرا وخاصة في شرق المتوسط وإسرائيل هي بوابة رئيسية لذلك، في حين ان إسرائيل باتت تحتاج أكثر إلى روسيا في مجلس الأمن لتمرير مشاريع قرارات الكنيست المتعلقة بضم الأراضي العربية التي احتلتها، وتعطيل مشاريع القرارات الدولية التي تعد في مجلس الأمن لمناهضة الاحتلال الإسرائيلي.
وإذا ما أضفنا التدمير الذي حصل للجيش العراقي وما أصاب جيش الدولة السورية وتدمير البنى السورية فإن إسرائيل أصبحت تمتلك أكبر المنظومات العسكرية التي تتفوق فيها على جميع الجيوش العربية عددا وقوة، ومع التهديد الذي تواجهه هذه الجيوش من إيران، فقد توجهت بعض الدول العربية لبناء علاقات مع إسرائيل التي تحولت إلى شرطي المنطقة بلا منازع.
وما زالت حاجة إسرائيل إلى الأسد لتثبيت النظام الجديد في المنطقة، وما زالت حاجة الروس إليه لمنحهم استمرارية ومشروعية وجودهم في سوريا، على الأقل من وجهة نظرهم.
في حين أشار الباحث في العلاقات الدولية محمود إبراهيم إلى ضرورة تحديد صفة العلاقات بين إسرائيل وَروسيا على مستويين استراتيجيّ دولة لِدولة وَهذه استراتيجيّة طويلة وَعميقة، بينما المستوى الثانيّة تكتيكي بين الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة وَبين السلطات الروسيّة.
مكاسب إسرائيلية
استطاعت إسرائيل رغم الحلف بين روسيا وأعدائها في الساحة السورية، أن تبني تفاهمات مع روسيا حول مصالحها الأمنية في سوريا، وتتمثل هذه المصالح في عدة نقاط، أهمها: “منع نقل سلاح من الساحة السورية إلى لبنان، ومنع اقتراب الحرب من الحدود الإسرائيلية، ومنح إسرائيل حق الرد على هجمات عليها من أطراف داخل الساحة السورية”.
ما سهَّل وفق ورقة بحثية أعدها الباحث مهند مصطفى في 2017 ونشرها موقع “الجزيرة للدراسات” التوصل إلى هذه التفاهمات التأكيد الإسرائيلي للجانب الروسي على أنها محايِدة في الصراع في سوريا ولا تدعم طرفًا ضد الآخر وأنها لا ترى نفسها شريكًا في تحديد مستقبل سوريا؛ الأمر الذي دفع روسيا إلى الأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية ذات الطابع الأمني في سوريا.
ومع ذلك، فإن تحليلًا لكمية الهجمات التي شنَّتها إسرائيل قبل التدخل الروسي وبعده يشير إلى أن روسيا لا تمنح إسرائيل حرية التصرف الكامل حتى في هذه المصالح، فكمية الضربات تراجعت بعد دخول روسيا عمَّا كانت قبله، وربما يعود الأمر أيضًا إلى حرص روسيا على عدم إعطاء سلاح مُتقدِّم لأعداء إسرائيل في سوريا.
4 سيناريوهات
ألهبت تصريحات وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف حول النزاع في أوكرانيا الأجواء الروسية مع إسرائيل، وهو ما دفع صحيفة “جيروزليم بوست” العبرية إلى طرح 4 سيناريوهات حول إمكانية تأثر العمليات العسكرية الإسرائيلية بعد الخلافات الأخيرة بين موسكو وتل أبيب.
السيناريو الأول هو أن كل شيء يبقى كما هو، تنظر روسيا وإسرائيل إلى سوريا كملف واحد ويمكنهما العمل على ذلك. وعلى الرغم من أنهما قد لا يشاركان نفس وجهة النظر بشأن الصراع في أوكرانيا، فقد يكون لديهما أيضًا بعض المصالح المشتركة في أماكن أخرى.
كما أشارت الصحيفة العبرية في تقريرها الذي ترجمته “القدس العربي” إلى إن فقدان الإجراءات الأمنية الإسرائيلية المطبقة مع الروس في سوريا سيكون مشكلة إستراتيجية لسلاح الجو الإسرائيلي حيث تواصل القدس الحفاظ على توازن دبلوماسي حول الحرب في أوكرانيا.
السيناريو الثاني: تقوم روسيا بتغيير وجهات نظرها حول دور إيران في سوريا. هناك شعور بأن طهران وموسكو لا تنظران إلى سوريا بنفس الطريقة. فإيران وفق الصحيفة تريد نظاماً سورياً ضعيفاً حتى تتمكن من إغراق سوريا بالأسلحة والمخدرات والميليشيات. وتريد روسيا نظامًا سوريًا أقوى ومستقرًا، على حد وصفها.
السيناريو الثالث: هو أن روسيا يمكن أن تساعد الدفاع الجوي السوري. من المفترض أنها زودت سوريا بصواريخ إس -300 بعد حادثة أسقطت فيها سوريا طائرة روسية. أسقطت سوريا تلك الطائرة بالقرب من اللاذقية في عام 2018 بإطلاق النار بشكل عشوائي على الطائرات الحربية الإسرائيلية. يمكن أن يمنح الكرملين دمشق المزيد من المعلومات الاستخباراتية أو المزيد من المعلومات والمساعدة في أشياء مثل الرادار.
السيناريو الرابع: يمكن لروسيا أيضًا زيادة التسريبات وتبادل المعلومات الاستخباراتية. وكشفت موسكو الغاضبة عن تفاصيل عملياتية للغارات الجوية الإسرائيلية، كما يمكن لروسيا أيضًا أن تذهب أبعد من ذلك وتبدأ في بيع الأسلحة لإيران أو بيع المزيد للنظام السوري، أخيرًا، يمكن لموسكو أن تبدأ في مساعدة النظام السوري في مواجهة الضربات الجوية الإسرائيلية.