الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل ستشمل التوافقات الإقليمية سوريا

هل ستشمل التوافقات الإقليمية سوريا

05.02.2019
عبدالباسط سيدا


العرب اللندنية
الاثنين 4/2/2019
التوافق الأخير الذي تمّ بين مختلف القوى المعنية بالملف اللبناني، وأدى إلى الإعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانية بعد تعطيل استمر أشهراً، يتقاطع في أوجه كثيرة منه مع ذاك الذي تمّ حول الوضع العراقي، وأسفر عن تشكيل الحكومة العراقية التي ما زالت تنتظر الاستكمال الذي لن يتحقق من دون التوافقات الصعبة التي تمسّ الملفات الأمنية والعسكرية التي لا تريد إيران التفريط فيها، حتى ولو كان ذلك مقابل تفاهم مغرٍ مع الجانب الأميركي.
ولكن مع ذلك، يبقى المستخلص من عملية رفع العراقيل أمام تشكيل الحكومة اللبنانية، وقبلها الحكومة العراقية، هو الأمر اللافت الذي يستوقف الاهتمام ويؤكد وجود إرادة دولية تنزع نحو تهدئة إقليمية عبر تجزئة الحلول إذا صحّ التعبير.
في العراق حصل تفاهم أميركي إيراني، لأسباب متباينة بالنسبة إلى كل طرف، حول تسليم رئاسة الحكومة إلى شخصية من خارج إطار السرب الإيراني، وهذا ما مهّد لانفتاح عربي نسبيّ على بغداد. وهو انفتاح من شأنه تحقيق قسط من التوازن المفقود.
كما أسهم التفاهم الأميركي الإيراني في تحسين العلاقات بين إقليم كردستان والحكومة المركزية. وفتح الآفاق أمام حلّ الإشكاليات والتعقيدات الأساسية عبر الحوار المؤسساتي، ومن خلال شخصيات غير إشكالية، قادرة على الفصل بين الاحتياجات العملية الضرورية، والقضايا الأخرى التشريعية والإدارية، وصلاحيات المركز والإقليم والمؤسسات، وهي القضايا التي تستوجب المزيد من النقاش والصبر والوقت. والاعتقاد السائد هو أن أمرا من هذا القبيل سيساهم في تعبيد الطريق أمام اختراقات إيجابية على مختلف المستويات.
أما في لبنان، فيبدو أن اللوحة كانت أعقد من ناحية الظاهر على الأقل، ولكنها لم تكن تنذر بانتكاسات أو حتى انفجارات كبرى كما كان متوقّعا بالنسبة إلى الوضع العراقي.
القوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف اللبناني هي أكثر عددا مقارنة بتلك المنخرطة في الملف العراقي. فهناك إيران والسعودية، إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وفي الخلفية تبقى إسرائيل تراقب الأوضاع عن كثب. وتحرص على ضرورة التزام الجميع بقواعد اللعبة التي لم تعد سرّا رغم كل الشعارات التي تسوّق هنا وهناك. كما أنّ النظام الأسدي ما زال موجودا ومتغلغلا في مفاصل الدولة والمجتمع اللبنانييْن.
من العوامل التي ساعدت على بلوغ التوافق في لبنان هو حرص مختلف الأطراف على عدم تجاوز الحدود المرسومة بين الطوائف، وذلك في ما يتصل بموضوع توزيع المواقع، وحجم المسؤوليات، وأعداد الوزراء، وهوية رؤساء الأجهزة والمدراء العامين الأساسيين. هذا في حين أن الشعارات الوطنية التي كانت تُرفع عراقيا لم تكن تعكس واقع حالة الاستقطاب الطائفي والقومي، التي تظل وإلى إشعار آخر هي التي تحدّد التوجّهات والممارسات، طالما لا يوجد مشروع وطني حقيقي يبدد الهواجس، ويطمئن الجميع على أساس احترام الخصوصيات وتأمين الحقوق.
وما يعنينا سوريا من هذه التوافقات الإقليمية الجزئية هو معرفة مدى انعكاسها على الوضعية السورية، وتلمس احتمالية إمكانية الوصول إلى توافق ما بين القوى المتصارعة على سوريا، وذلك بعد أن تمكّنت من إزاحة السوريين، سواء في المعارضة أو في الولاء، عن موقع التأثير الفاعل في مجريات ومتغيّرات القضية التي تمس مصير شعبهم وبلادهم.
فالحالة السورية هي أكثر تعقيداً على جميع المستويات من الحالتيْن اللبنانية والعراقية، ولهذا الأمر أسبابه منها: المكانة الجيوسياسية التي تحتلّها سوريا في المنطقة، والتأثير المباشر في دول الجوار نتيجة التداخل السكاني، والاعتبارات الأمنية، والمصالح الاقتصادية. هذا فضلا عن الاستثمار الإيراني الكبير القديم – الجديد فيها منذ ثمانينات القرن الماضي.
وهو استثمار يتمحور حول الرغبة في السيطرة الشمولية على البلاد، وإقصاء كل المكوّنات والقوى الأخرى غير الموافقة على المشروع المذهبي السياسي الإيراني الذي اتخذ من سوريا قاعدة للهيمنة على لبنان، والتحكّم في العراق، والسعي من أجل الاستحواذ على الورقة الفلسطينية عبر حركة حماس، والفصائل الأخرى المتماهية مع النظام الأمني السوري.
فالوضعية السورية هي استثنائية بكل ما في الكلمة من معنى. نظام يدّعي العلمانية ويتبجّح مسؤولوه وأنصاره بترفعهم فوق الانقسامات الطائفية وحساسياتها، في حين أنهم يمارسون في واقع الحال أكثر أشكال الطائفية بدائية ومقتا، وما يؤكد ذلك تحالفهم العضوي الاستراتيجي مع النظام الإيراني الذي لم يُخفِ يوما مشروعه المذهبي، واستخدم من أجل تنفيذه كل أذرعه المتمثلة في الميليشيات المتخمة بالفكر المذهبي، وهي الميليشيات التي أدخلها إلى سوريا لقتل السوريين وتشريدهم، وتغيير البنية التكوينية للسكان، والمحافظة على النظام التابع لهم.
أما من الناحية السياسية، فلا توجد أحزاب سورية كبيرة مؤثرة وذات مصداقية، كان من شأنها أن تكون جزءاً من عملية التوافق التي يبدو أن المعطيات الراهنة والمنظورة تبيّن أنها تظل الخيار الأكثر واقعية.
وفي غياب هذه الأحزاب، لم تتمكّن هيئات المعارضة التي تشكّلت بعد الثورة من التحوّل إلى مؤسسات فاعلة لها شعبية في الوسط السوري، وذلك نتيجة التدخّلات الإقليمية والدولية من جهة، وإخفاق القوى التي أسهمت في تشكيلها في عملية تحويلها إلى ركائز في المشروع الوطني السوري من جهة أخرى.
ما يستنتج ممّا تقدّم، هو أن إمكانيات التوافق السوري – السوري هي حالياً معدومة في ظل وجود نظام غير مستعد للتنازل عن أي شيء. بل يسعى إلى تسويق نفسه عبر رعاته، وكأنه هو المنتصر، مع أنه قد تسبب في تدمير البلد وقتل أكثر من مليون إنسان، وتهجير ما يربو على نصف الشعب.ويبقى الحديث عن إمكانية التوافق بين القوى الإقليمية والدولية. فاليوم هناك القوات الروسية إلى جانب القوات الأميركية في سوريا. هذا بالإضافة إلى القوات الإيرانية بكل اختصاصاتها، والقوات التركية. أما إسرائيل فهي تؤكد بصورة مستمرة عبر عمليات القصف التي تقوم بها بتنسيق واضح مع الروس والأميركان، بأنها معنية بصورة مباشرة بالأوضاع السورية، ولن تكون هناك أيّ ترتيبات على حساب أولوياتها الأمنية.
هل من سبيل إلى إيجاد صيغة من التوافق بين هذه القوى، وهي التي تسعى كل واحدة منها إلى استخدام الورقة السورية في إطار المساومات على قضايا أخرى منها إقليمية ومنها دولية، لاسيما بين الروس والأميركان؟
أم ستظل سوريا ساحة صراع، صراع ظل حتى الآن بالوكالة، قد يغدو مكشوفاً بين جملة القوى المتواجدة في الميدان السوري، خاصة في ظل الاستقطاب الدولي الذي أسهم الوضع السوري، إلى جانب قضايا أخرى، في تبلوره؟
هناك اجتماع سيعقد في أستانة أواسط الشهر الجاري، دعت إليه روسيا، سيضم روسيا وإيران وتركيا. واجتماع آخر دعت إليه الولايات المتحدة سيعقد في التاريخ نفسه تقريبا في وارسو، سيشمل العديد من الدول العربية، وربما غيرها.
هل نحن أمام عملية تشكل فعلية لمحوريْن متعارضيْن في مقاربتهما للمسألة السورية؟ لاسيما إذا وضعنا في اعتبارنا موضوع التعليق الأميركي لمعاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى، والتناقض المُعلن بين تقييم كل من الولايات المتحدة وروسيا لأوضاع فنزويلا. أم أنّ ما نشهده لا يتجاوز حدود جهود تكاملية، يسعى الروس والأميركان من خلالها إلى إيجاد المخارج التي تنسجم مع حساباتهما؟
الأمور ليست واضحة بعد. ولكن في جميع الأحوال نرى أنّ التفاؤل بقرب الوصول إلى حلّ للموضوع السوري ما زال يفتقر إلى مسوّغاته الموضوعية.