الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تواجه تركيا أمريكا في سوريا؟

هل تواجه تركيا أمريكا في سوريا؟

05.07.2015
د. محمد نور الدين



الشرق القطرية
السبت 4/7/2015
تشبه الخريطة الميدانية في سوريا لعبة الشطرنج. ليس من بيدق واحد يبقى في مكانه. واحد يخرج فيحل مكانه آخر ثم يأتي ثالث ليحل محل الاثنين.
تعدّد القوى المتصارعة في تركيا يقود إلى هذه النتيجة. النظام وداعش والنصرة وجيش الفتح والجيش الحر وقوات الحماية الكردية والعشرات من التنظيمات ذات الأسماء التي تعصى على التذكر.
عندما بدأت الأزمة في سوريا قبل أربع سنوات ونصف السنة تقريبا لم يكن أحد يمكن له أن يتوقع أن يكون المشهد الميداني على ما هو عليه الآن. كانت التطورات تتسارع وتتفاعل في اتجاهات متباينة ومتضادة.
اليوم عندما نستمع إلى أن أنقرة تحشد قواتها على الحدود مع سوريا وتهدد بإقامة منطقة عازلة أو آمنة داخل سوريا فإنما انطلاقا من هذه التطورات المتسارعة وغير المتوقعة.
في رأس العوامل التي تدفع أنقرة إلى إطلاق نفير التهديد والتحذير لا شك هو العامل الكردي.
والأكراد هم "عقدة العقد" لدى الأتراك.لا يقتصر الأمر على حزب العدالة والتنمية بصفته الحزب الممسك بالسلطة حتى الآن بل يتعداه إلى كل الأحزاب القومية والعلمانية (باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بالطبع) من جهة، وإلى المسار التاريخي للدولة عموما. فمنذ أتاتورك وصولا إلى طورغوت أوزال وسليمان ديميريل وغيرهما وحتى نجم الدين أربكان كانت تعتريهم حساسية عالية جدا تجاه كل ما له علاقة بالهوية الكردية. وهذا بالطبع يتناقض ويتعارض مع الحقوق البديهية للفرد وللجماعات الإنسانية خصوصا إذا كانت ذات حجم كبير مثل الأكراد وهم في تركيا يناهزون ال 12 مليونا.
المسألة لا شك متشعبة وليست سهلة تختلط فيها العوامل الداخلية بالخارجية بالحضارية وبالنفسية.
ومنذ أن انفجر الوضع في سوريا ومن ثم في العراق ومصر واليمن وليبيا وتونس وغير ذلك ظهرت الطروحات التقسيمية في كل مكان تحت شعار أن سايكس- بيكو القديمة انتهت وأننا أمام سايكس – بيكو جديدة. في هذه السايكس بيكو الجديدة تتشظى الكيانات الحالية إلى كيانات أصغر.
وإذا كان النفط قد رسم بقوة كبيرة حدود ما بعد الحرب العالمية الأولى فإنه لايزال عاملا مهما ولكن الصراعات الدموية على أساس ديني ومذهبي وعشائري ومناطقي التي تعصف بالوطن العربي قد رسمت منذ الآن حدودا واقعية على الأرض على هذه الأسس، وتحوّل العالم العربي إلى كانتونات ذات لون واحد من دون أن يكون ذلك بالضرورة حدودا رسمية أو هي الحدود التي ستصبح رسمية.
لبنان مثلا نموذج على ما نقول. حيث كل طائفة ومذهب يتقوقع في مناطق محددة حتى في العاصمة بيروت فإن معظم الأحياء مفروزة على أساس الانتماء المذهبي سواء الإسلامي أو المسيحي أو الدرزي أو الأرمني أو الكردي.
في الآونة الأخيرة نجح الأكراد في السيطرة على مدينة تل أبيض وعين عيسى وغيرها من يد تنظيم "داعش".. وهذا الانتصار يحمل دلالة جغرافية كبيرة إذ إنه وصل بين كانتون "الجزيرة" في الشرق وكانتون عين العرب/ كوباني في الوسط. وجعل على امتداد أكثر من نصف الحدود السورية مع تركيا شريطا ذا لون إتني واحد هو الكردي.
التحذير التركي يأتي من أن الأكراد سيحاولون في المستقبل أن يسيطروا على المنطقة المتبقية التي تفصلهم عن الكانتون الكردي الثالث في منطقة عفرين إلى أقصى الغرب من الحدود التركية وفي حال نجحوا في ذلك تنقطع تركيا جغرافيا عن الفضاء العربي كلية.
الهدف التركي الحالي هو في منع استكمال الشريط الكردي بالإعلان أنها ستقيم منطقة عازلة في هذه المنطقة محذرة الأكراد من التقدم إليها.
لا يتصل الأمر فقط بالهواجس التركية. فهم أعلنوا عن هواجس مماثلة في شمال العراق في العام 2003 وفشلوا ونشأت "الدولة" الكردية هناك. والآن السيناريو ليس بعيدا خصوصا إذا ذكّرنا أن وراء انتصارات الأكراد القوة العظمى الأولى في العالم أي الولايات المتحدة الأمريكية. فما الذي يمكن أن تفعله أنقرة في حال كان الشريط الكردي في سوريا هدفا إستراتيجيا للولايات المتحدة؟. هل تذعن أم أنها تغامر في الدخول في مواجهة مع واشنطن في شمال سوريا؟ وما ستكون عليه العواقب؟