الرئيسة \  تقارير  \  هل تنقذ قطر أوروبا من هيمنة "الدب الروسي" على الطاقة؟

هل تنقذ قطر أوروبا من هيمنة "الدب الروسي" على الطاقة؟

24.01.2022
الخليج أونلاين


الخليج اونلاين                      
الاحد 23/1/2022
لن يمر وقت طويل قبل أن تصبح قطر المَصدر الرئيس للغاز بأوروبا، في ظل سعي القارة العجوز للتخلص من استخدام روسيا هذا الوقود كورقة ضغط عليها لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية.
وخلال السنوات القليلة الماضية أبرمت دول أوروبية- خاصةً بريطانيا- صفقات مع دولة قطر، أحد كبار منتجي الغاز المسال في العالم، لتوفير بديل سهل للغاز الروسي يصل مسالاً عبر ناقلات بحرية عملاقة.
هيمنة الدب الروسي     
أحدث المساعي للتخلص من ورقة "الدب الروسي" ظهرت من خلال مباحثات أجرتها الولايات المتحدة الأمريكية مع قطر حول إمكانية أن تعمل على تزويد أوروبا بالغاز المسال في حال غزت موسكو أوكرانيا.
وكشفت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، في 21 يناير 2021، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن "الرئيس الأمريكي جو بايدن، يعتزم أن يطلب من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، زيارة البيت الأبيض، ربما في وقت لاحق من هذا الشهر"؛ وذلك من أجل مناقشة إمكانية تزويد أوروبا بالغاز في حال أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى نقص في هذه المادة.
وذكرت أن المسؤولين الأمريكيين يريدون المساعدة في تخفيف مخاوف الأوروبيين بشأن كيفية تدفئة منازلهم هذا الشتاء.
وأشارت إلى أن بعض الدول الأوروبية أعربت عن مخاوفها من أن يؤدي فرض عقوبات قاسية على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية إلى الإضرار باقتصاداتها، وإلى دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى قطع أو تقليص إمدادات الغاز لأوروبا في منتصف الشتاء.
وتحصل أوروبا على أكثر من 40٪ من غازها الطبيعي من روسيا، ونحو ثلث الغاز الروسي المتدفق إلى أوروبا يمر عبر أوكرانيا.
وخلال الأسابيع الماضية، حشدت روسيا نحو 100 ألف جندي على الحدود الأوكرانية، وسط تحذيرات أمريكية وأوروبية من أن موسكو تستعد لغزو أوكرانيا، لكن موسكو تنفي أن يكون وجودهم للغزو.
وتسعى أوروبا، منذ سنوات، إلى العدول عن الاعتماد على الغاز الروسي بشكل كبير، من خلال التنويع، والتخلص من هيمنة موسكو وفرض سيطرتها على الغاز الوارد إلى بلدان القارة العجوز الباردة.
إذ تعاني أوروبا من تعارض في المصالح بين الاستراتيجية السياسية الساعية إلى عزل روسيا وتكبيدها خسائر كبيرة بعد ضمها شبه جزيرة القرم والتدخل في أوكرانيا، وحصولها على الغاز الروسي الرخيص والمضمون.
وللتخلص من هذه المعضلة بدأت أوروبا تتجه شيئاً فشيئاً تجاه الدوحة لتغطي احتياجاتها المتزايدة من الطاقة.
وقطر واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم، إلا أنها تبيع 75% من هذا الغاز إلى دول آسيوية تفتقر إلى الطاقة؛ مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وتوفر نحو 5% من الغاز الطبيعي لأوروبا.
توسع قطري بإنتاج الغاز
وبالتزامن مع الرغبة الأوروبية في تنويع مصادر الطاقة، تعمل قطر على توسيع إنتاجها من الغاز وتقوية أسطول ناقلاتها البحرية.
وفي أكتوبر الماضي، أعلنت شركة قطر للغاز البدء رسمياً ببناء 4 خطوط إنتاج عملاقة جديدة للغاز الطبيعي المسال في مدينة "رأس لفان" الصناعية، لرفع الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر من 77 مليون طن سنوياً إلى 110 ملايين طن.
وذكرت الشركة، في تغريدة على "تويتر"، أن المشروع يستهدف الحفاظ على استمرار الريادة العالمية لدولة قطر في إنتاج الغاز الطبيعي المسال.
وتستهدف قطر رفع إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال، بنسبة 40% بحلول 2026، من حقل الشمال، إلى 110 ملايين طن.
ويقع حقل الشمال قبالة الساحل الشمالي الشرقي لقطر، واكتشف عام 1971، وتقدر احتياطاته بنحو 900 تريليون قدم مكعبة، بما يعادل 10% من الاحتياطيات العالمية المكتشفة من الغاز الطبيعي.
وفي قطر زاد عدد أسطول "ناقلات الغاز" إلى 74 سفينة، بعد إضافة سفن الغاز الطبيعي المسال الجديدة البالغ عددها 4 بنهاية عام 2021، وهو ما يشكل نحو 12% من إجمالي القدرة العالمية لسفن نقل الغاز الطبيعي المسال.
وكان موقع "ميدل إيست آي" البريطاني قد قال في تقرير سابق له، إن قطر ستعتمد على التوسع في جميع الاتجاهات؛ من أجل تحقيق هدفها في سوق الغاز الطبيعي المسال بأوروبا وتصدير الطاقة النظيفة عالمياً.
وأشار الموقع إلى أن التشديد على التوسع في الكفاءة القطرية لإنتاج الغاز الطبيعي المسال أسهم في التخطيط لتكبير حجم أسطول ناقلات الغاز القطرية، حيث أقدمت الدوحة على تقديم طلب ببناء ما يصل إلى 100 سفينة، ستخصص لاحقاً لنقل منتجات الدوحة من الغاز الطبيعي المسال إلى مختلف عواصم العالم.
وبيّن أن هذه الصفقة قد تكون الكبرى في تاريخ صناعة الناقلات، مشيراً إلى فوائدها الكبيرة على مستقبل إمداد دول العالم بالغاز الطبيعي، حيث سيمكّن هذا العدد الهائل من الناقلات التي تحوزها قطر، من الوصول بهذا المنتج إلى جميع القارات، خاصةً أوروبا.
اتفاقيات قطرية أوروبية
وقَّعت شركة "قطر للطاقة"، في أكتوبر 2020، اتفاقية طويلة الأمد مع شركة "ناشيونال جريد جرين" للغاز الطبيعي المسال في المملكة المتحدة لسعة تخزين وإعادة الغاز الطبيعي المسال إلى حالته الغازية.
وبموجب الاتفاقية التي سيبدأ العمل بها عام 2025 وتستمر 25 عاماً، ستتمكن الشركة التابعة لـ"قطر للطاقة" من استغلال السعة التخزينية لمحطة "آيل أوف جرين" لاستقبال الغاز الطبيعي المسال في مقاطعة كينت، وبما يصل إلى ما يعادل 7.2 ملايين طن في العام.
وتأتي الاتفاقية في ختام العملية التنافسية التي بدأتها الشركة في نوفمبر 2019، وستؤمّن مستقبل أكبر محطة استقبال للغاز الطبيعي المسال في أوروبا.
وفي نوفمبر الماضي، كشفت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، أن "الحكومة البريطانية تواصلت مع قطر بشأن دعم الدولة الخليجية لإمداداتها من الغاز".
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة، قولها إن "وزراء بريطانيين أجروا مع نظرائهم من أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم، محادثات حول صفقة طويلة الأجل، تصبح فيها قطر المورد الرئيس".
وأكدت المصادر أن "لندن تسعى إلى صفقة طويلة الأجل؛ نظراً إلى المخاوف بشأن زيادة المنافسة على إمدادات الغاز الطبيعي المسال مع آسيا".
وقال أحد هذا المصادر: "أبدى القطريون استعدادهم للاتفاق على صفقات توريد طويلة الأجل للغاز إلى المملكة المتحدة".
وفي أكتوبر 2020، نشر موقع "kallanish energy" تقريراً تحدث فيه عن مستقبل قطر بالسوق العالمي للغاز الطبيعي المسال، مرشحا إياها لأن تكون من بين أبرز الدول المصدرة لهذا النوع من الطاقة لأوروبا.
وأشار التقرير إلى تفرُّغ الدوحة لتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، بعد تمكنها من السيطرة على السوق الآسيوي في هذا المنتج.
وبشأن التوقعات لمستقبل سوق الغاز الأوروبي، يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش: إن "الصراع حول أسواق الطاقة يزداد شراسة في جميع أنحاء العالم وليس بأوروبا فقط".
وأضاف عايش، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": أن "روسيا تسعى لتوسيع نفوذها، والولايات المتحدة كذلك تسعى للسيطرة مستقبلاً على إمدادات الغاز في أوروبا الغربية ولاحقاً الشرقية، إضافة إلى أستراليا التي تعد منافساً لديه إمكانات ضخمة".
إلا أنه رأى أن "قطر ليست منافساً سهلاً أيضاً، فهي استعدت لهذه المنافسة العالمية واستثمرت- ولا تزال تستثمر- في البنية التحتية لإنتاج وتصدير الغاز، وجهزت أسطولاً يتكون من 74 ناقلة غاز تشكل نحو 12% من إجمالي القدرة العالمية لنقل الغاز".
واعتبر أن أوروبا تبحث عن مصدر موثوق لا يستغل احتياجاتها للغاز لتحقيق أجندته السياسية كما تفعل روسيا، مشيراً إلى أن قطر تعد ذلك المصدر الموثوق، حتى إنها أفضل من الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لأوروبا.
وأوضح عايش، أن قطر عندما اندلعت أزمتها مع الإمارات استمرت في تزويد الأخيرة بالغاز ولم تفتح أي باب للابتزاز في هذه القضية.
ولفت إلى أن قطر تتمتع بخبرة ومعرفة تتفوق فيهما على كثير من الدول، خاصة في مجال تسويق الغاز المسال وتصديره.
ومن غير المستبعد أن تنجح قطر في الاستحواذ على سوق الغاز الأوروبي خلال السنوات المقبلة، حسب عايش، الذي أشار إلى أن أكثر ما يقيد أوروبا في هذا الشأن هو عقود الغاز الضخمة طويلة الأمد المرتبطة بها مع روسيا.
واعتبر أن قطر تقرأ المستقبل جيداً وتدرك أن أوروبا ستلجأ إليها عاجلاً أم آجلاً، لذلك ضخت استثمارات ضخمة في البنية التحتية لإنتاج وتصدير الغاز.