الرئيسة \  تقارير  \  هل تشهد اّسيا الوسطى تنسيقا عسكريا أمريكيا-روسيا؟

هل تشهد اّسيا الوسطى تنسيقا عسكريا أمريكيا-روسيا؟

06.10.2021
أحمد السيد


المرصد المصري
الثلاثاء 5/10/2021
أثارت سيطرة حركة “طالبان” على أفغانستان في منتصف أغسطس 2021 نتيجة انسحاب القوات الأمريكية، تساؤلات حول كيفية تعامل دول الجوار الأفغاني مع الأوضاع الجديدة.
في هذا السياق، اتسمت سياسة موسكو –وهي احدى دول الجوار الأفغاني- تجاه عودة “طالبان” إلى السلطة بقدر كبير من الهدوء والعقلانية.
تأسست هذه السياسة على قبول الأمر الواقع، إذ أبدت موسكو استعدادها للعمل مع طالبان، ووصفت قادتها بـ “الأشخاص العقلاء”. وسبق أن اتضح وجود ترتيبات مُسبقة بين موسكو وقادة الحركة، وهو ما تجلى في إعلان السفارة الروسية في كابول عدم نيتها إخلاء السفارة وإجلاء موظفيها من العاصمة الأفغانية، بعد تطمينات من قادة “طالبان” بعدم تهديدهم لأمن البعثة الدبلوماسية.
مخاوف روسيا تمثلت في سيادة حالة عدم استقرار الأوضاع الأمنية في منطقة أوراسيا، كما خشيت من تغلغل الفوضى إلى دول الاتحاد السوفيتي السابق المجاورة في آسيا الوسطى، عبر انتشار التجارة غير المشروعة خاصة الأسلحة، والمخدرات، أو شن هجمات إرهابية على حلفاء موسكو في آسيا الوسطى، مثل أوزبكستان وطاجيكستان.
رؤية موسكو للحل
أرادت روسيا أن تلعب دور الوسيط المرحَّب به في مجريات الأوضاع القادمة على الساحة الأفغانية لتشكيل حكومة انتقالية في إطار “صيغة موسكو”، أو توسيع “الترويكا” لتضم روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، وباكستان.
ترى روسيا أن حل الصراعات في أفغانستان يتطلب جهودًا مشتركة، كما دعت إلى إطلاق الحوار الأفغاني /الأفغاني الشامل، بهدف تشكيل حكومة ائتلافية، تضمن الاستقرار وسيادة القانون في هذا البلد، مع التأكيد الروسي بضرورة الامتناع عن فرض أي شكل من أشكال الحكومة من الخارج على أفغانستان.
وفي خضم هذه الجهود المتواصلة من قِبل الروس، أجرت الخارجية الروسية اتصالات مع وزراء خارجية الولايات المتحدة، الصين، وباكستان، وممن لديه مصلحة في مواصلة هذا العمل، وذلك لخلق تعاون بناء وظروف مواتية للأفغان للتوصل إلى اتفاق فيما بينهم بحثًا عن السلام والاستقرار على الأراضي الأفغانية، تجنبًا للتهديدات المُتمثلة في الإرهاب، وخطر الإتجار غير المشروع بالمخدرات، والتي قد تهدد أمن المنطقة بأثره.
هل أسيا الوسطى بصدد تنسيق عسكري أمريكي روسي؟
في 22 سبتمبر 2021، شهدت العاصمة الفنلندية “هلسنكي” اجتماعًا بين رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي الجنرال “مارك ميلي” ونظيره الروسي الجنرال “فاليري جيراسيموف”.
شهد الاجتماع تبادلا لوجهات النظر بين الجانبين حول مسألة استخدام القواعد العسكرية الروسية في اّسيا الوسطى، لمواجهة التهديدات الإرهابية الناشئة في أفغانستان.
فسر البعض هذا الاجتماع بأنه قد يبدو مؤشرًا على بلورة تعاون عسكري بين “موسكو” و “واشنطن” في منطقة اّسيا الوسطى.
وفي هذا السياق، يتبلور عدد من الأسئلة التي تتعلق بطبيعة التعاون العسكري؟ وهل هذا يعني تغييرًا في الموقف الروسي، الذي طالما كان رافضًا للوجود الأمريكي في منطقة اّسيا الوسطى؟ وهل الطرفان جادان في بلورة تنسيق عسكري بينهما؟ أم أنها مجرد تصريحات عابرة أطلقها الرئيس الروسي عند لقائه بنظيره الأمريكي في “جنيف” يونيو 2021؟
تعود جذور ذلك النقاش إلى اجتماع قمة “جنيف” في 16 يونيو 2021، بين الرئيس الأمريكي “جو بايدن”؛ ونظيره الروسي “فلاديمير بوتين”؛ حيث طرح الأخير مسألة استضافة قوات عسكرية أمريكية في القواعد العسكرية الروسية في طاجيكستان وقيرغيزستان.
ويأتي ذلك الحراك الأمريكي، الذي لم يتم الإعلان عنه مُسبقًا، في الوقت الذي تبحث فيه إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” عن اّلية لتعزيز قدرتها على مراقبة المخاطر الإرهابية المحتملة في أفغانستان، والتصدّي لها بعد أن غادرت القوات الأمريكية البلاد.
فعندما أعلن الرئيس “بايدن” في أبريل 2021 أنه يعتزم إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، أوضح أن “واشنطن” ستضمن أن تنظيمات كـ “القاعدة” و “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش) لن تستعيد قوتها بما يُشكل تهديدًا للولايات المتحدة، وفي سبيل تحقيق ذلك، سعت الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز قدراتها على القيام بالضربات الجوية والاستخباراتية، والمراقبة والاستطلاع من خارج أفغانستان.
وفي الوقت الحالي، تعتمد الولايات المتحدة على قواعد عسكرية في دول الخليج العربي؛ مثل قطر والإمارات، وهذا يعني أن الطائرات الأخرى يجب أن تٌحلق من على بُعد مئات الأميال؛ مما يحد من مقدار الوقت الذي يُمكن أن تبقى فيه فوق الأهداف المحتملة. وفي هذا السياق، صرًحت إدارة “بايدن” إنها على استعداد للتعاون مع روسيا في المجالات التي يكون للجانبين فيها مصالح مشتركة.
تنسيق محفوف بالمخاطر
وبينما تشترك الولايات المتحدة وروسيا في مخاوفهما بشأن التهديد الإرهابي، فإن فكرة التنسيق الأمريكي مع الجانب الروسي بشأن مكافحة الإرهاب تُعد محفوفة بالتحديات، لاسيما على الصعيد السياسي.
فمنذ عدة سنوات، سن “الكونجرس” تشريعًا لموازنة الدفاع لعام 2017، يحظر فيها التعاون الوثيق بين الجيش الأمريكي ونظيره الروسي؛ من حيث كبح تخصيص أموالِ لدعم التعاون العسكري الأمريكي الروسي، ما لم تلتزم “موسكو” بالسلام وتنهي وجودها العسكري في أوكرانيا، والمستمر منذ عام 2014، عندما ضمت “شبه جزيرة القرم”، ما لم يُقر وزير الدفاع الأمريكي استثناءً خاصًا.
في السياق ذاته، دافع المسؤولون الأمريكيون عن موقف بلادهم، بأن واشنطن لا تسعى إلى الحصول على إذن مسبق من موسكو لحشد القوات الأمريكية في أقرب نقطة إلى أفغانستان، ولكنها فقط تريد أن تفهم موقف “بوتين” بشكل أكثر وضوحًا؛ على اعتبار أن روسيا أحد الفاعلين البارزين في اّسيا الوسطى، ما يجبر “واشنطن” على التعامل معها، ولا يزال بعض أعضاء الكونجرس متشككين في الدوافع الكامنة لدى موسكو.
ذلك أن العرض الروسي الذي قدمه “فلاديمير بوتين” يتناقض مع السياسيات الروسية التي حذرت كثيرًا دول اّسيا الوسطى من استضافة القوات الأمريكية، وتؤكد روسيا ان إعادة انتشار القوات الأمريكية في آسيا الوسطى أمر غير مقبول، ويؤدي إلى سيادة حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
يذكر أن روسيا تمتلك عدة منشآت عسكرية في آسيا الوسطى يعود تاريخها إلى الحقبة السوفيتية، أهم تلك القواعد تتمثل في قاعدة “كانت الجوية” الواقعة شرق دولة “قيرغيزستان”، فضلاً عن العديد من المرافق العسكرية، من أهمها القاعدة العسكرية المعروفة باسم “القاعدة العسكرية رقم 201، في طاجيكستان، والتي تُعد واحدة من أكبر القواعد العسكرية الخارجية لروسيا حيث تٌشير تقديرات إلى أن قوام القاعدة العسكري يبلغ 7000 جندي.
ماذا عن تصريحات بوتين!
سواء كان اقتراح بوتين حقيقيًا أو غير ذلك؛ فهو أمر بالغ الأهمية بالطبع. لكن في الحالتين، فبهذه الاقتراحات أراد “بوتين” إرسال رسالة لواشنطن مفادها، أن “روسيا” هي الباب الذي يجب على الولايات المتحدة أن تمر من خلاله للوصول إلى المنطقة، على الرغم من مرور 30 عامًا من استقلال دول آسيا الوسطى.
تُدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن روسيا عنصرًا مهما من عناصر المعادلة في المنطقة، لذا فإن التعامل معها ضروري بشكل كبير لخدمة المصالح الأمريكية.
ولمواجهة الإرهاب المحتمل بعد انسحاب القوات الامريكية من أفغانستان، سعت واشنطن لبناء قدرات متطورة لمكافحة الإرهاب تمكنهم من شن غارات جوية، وجمع المعلومات، والقيام بطلعات استطلاعية، من خارج أفغانستان؛ لذلك بدأ المسؤولون الأمريكيون بالتطلع إلى آسيا الوسطى كقاعدة لانطلاق الطائرات الأمريكية.
وخلال اجتماع جنيف، أخبر بوتين بايدن معارضته أي محاولات أمريكية للتفاوض مع حكومات دول آسيا الوسطى بشأن استضافة القوات الأمريكية، وأن الصين تعارض هذه المحاولات، وبدلاً من ذلك اقترح بوتين فكرة استخدام الوحدات العسكرية الأمريكية للقواعد الروسية في طاجيكستان وقيرغيزستان. لكن هذا المقترح قُوبل بقلق من الجانب الأمريكي، الذي يرى إن روسيا مهتمة بجمع المعلومات الاستخبارية عن الولايات المتحدة وحلفائها، أكثر من اهتمامها بمشاركة المعلومات حول التهديدات الإرهابية.
وفي حين أن الجيش الأمريكي يرغب في الوصول إلى المواقع العسكرية بشكل مؤقت في آسيا الوسطى، لم يتحدث المسؤولون الأمريكيون علنًا عن إمكانية نشر وحدات عسكرية أمريكية على القواعد الروسية، وأن الولايات المتحدة الامريكية إذا أرادت القيام بشيء ستفعله بدون حصول على إذن من موسكو، ولكنًّ الهدف من لقاء “ميلي” كان يتمثل في فهم موقف الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”.