الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تسرّعت المناطق المحررة باستبدال العملة السورية بالتركية؟

هل تسرّعت المناطق المحررة باستبدال العملة السورية بالتركية؟

09.07.2020
منصور حسين



المدن
الثلاثاء 7/7/2020
ملايين القطع النقدية التركية من مختلف الفئات دخلت الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، عن طريق شركة "ptt" التركية، كبديل عن الليرة السورية التي انحدر سعر صرفها إلى مستوى مخيف قارب 3500 ليرة للدولار الواحد، قبل أن تعود لتستقر عند حاجز 2400.
وبعد مضي أكثر من شهر على اعلان الحكومات المعارضة في الشمال استبدال الليرة السورية بالليرة التركية للعمليات التجارية الصغيرة، لاتزال العملة المحلية حاضرة بالتعاملات التجارية، خاصة وأن قرار الاستبدال جاء من دون تقديم حلول بنكية وتدخل حكومي يساعد التجار والمستهلكين على استبدال ما لديهم من العملة السورية بأخرى تركية، دون خسائر.
خسائر فرق الاسعار
قرار استبدال الليرة السورية بالتركية، أدى الى هزات ضربت السوق المحلية، وانعكست نتائجه بشكل كبير على تجار التجزئة، الذين يمثلون غالبية اليد العاملة في مناطق سيطرة المعارضة.
أبو خالد وهو بائع ألبسة متنقل بين البازارات اليومية في محافظة ادلب، اضطر للتوقف عن العمل بعد الخسائر التي لحقت به نتيجة تبعات قرار استبدال العملة المحلية بنظيرتها التركية، ويقول: "الأسبوع الماضي فقط تعرضت لخسائر تجاوزت الثلاثمئة ألف ليرة، أي ما يعادل أرباح البيع وجزءاً من رأس المال، ذهبت كفرق سعر تحويل الليرة السورية التي بعت بها، إلى الليرة التركية التي أسدّد بها فواتير بضائعي".
ويضيف "بالنسبة لنا كباعة متجولين ما تزال عمليات البيع تتم بمعظمها بالعملة السورية التي إذا رفضناها فلن نبيع شيئاً، أما بالنسبة  لنا فنحن مطالبون بتسديد ثمن مشترياتنا بالليرة التركية أو الدولار، وتحمل الخسائر وحدنا. فبنظر التجار الكبار، هناك بديل عن الخسارة وهو المطالبة بمبلغ فرق سعر الصرف الذي يطبقه الجميع اليوم لكن على حساب المستهلك".
ولا يبدو أبو أحمد، صاحب محل لبيع المواد الغذائية في مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي، بحالٍ أفضل، فقد تسبب قرار استبدال الليرة السورية على النحو الذي تم عليه بخسائر كبيرة بالنسبة له.
ويقول: "إما أن ترفع السعر وتخسر زبائنك وتُشتم بظهرك، وهذا لن يعوضك عن الخسارة، أو أن تبقيه على السعر الذي اشتريته وتخسر أموالك.. هذه هي حال السوق اليوم بعد تدهور سعر صرف الليرة السورية واستبدالها بالتركية".
ويضيف أنه "بعد تسعير السلع بالعملة التركية، وهو أمر كنا قد استبشرنا فيه خيراً، أصبحنا أمام خسائر جديدة، بسبب البيع بسعر يوازيها بالعملة المحلية، وخسارة فرق سعر الصرف عند شراء بضائع جديدة، خاصة وأن التجار يضعون مبلغ أمان عن كل دولار أو ليرة تركي ما يقارب 30 أو 40 ليرة سورية، وهذا المبلغ يُدفع من جيوبنا نحن الباعة".
الخسائر الكبيرة التي تعرض لها معظم الباعة وتجار التجزئة الذين يتعاملون مع المستهلك بشكل مباشر، نتيجة تحملهم فرق سعر استبدال العملة المحلية بالتركية، حتّم عليهم وضع رسوم على المشتري بالعملة السورية، وهو أمر وجد فيه السكان (الزبائن) عملية سرقة ودفع مبالغ مقابل لا شيء.
ويقول أبو جمال من ريف حلب الشمالي: "إذا استلم الموظف راتبه، أو حصل شخص على حوالة مالية من أحد أقاربه، فإنه سيتمكن من الشراء بالليرة التركية، أما الغالبية هنا، وأنا منهم، فما نزال نشتري ونتعامل  بالليرة السورية، فهي المتوفرة بين أيدينا، ونتيجة لذلك نحن مضطرون لدفع سعر السلعة على ما يوازيها بالليرة التركية مضافاً إليها فارق سعر الصرف، وهو ثمن ندفعه مقابل لاشيء".
سلبيات تغيير العملة
ويوضح الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أنيس أن "فرق العملة هو القيمة التي يجب أن تدفعها الجهة التي اتخذت قرار استبدال عملتها المحلية بأخرى أجنبية، وهذه الجهة في الشأن السوري تمثل المعارضة السورية، باعتبار أن البنك المركزي التركي غير ملزم بتحمل التكاليف والخسائر الناجمة عن عملية الاستبدال".
ويضيف أنه "نظراً لعدم وجود مؤسسات اقتصادية قوية قادرة على تحمل الأعباء والخسائرفي الشمال السوري، من خلال تأمين مكاتب أو مصارف تحويل العملة دون أرباح، فإن الخسائر ستقع على كاهل المواطن السوري من خلال معاملاته المالية اليومية، بدءاً من فروقات الأسعار ووصولاً إلى استلامه الرواتب والأجور والمقايضات بالعملة السورية، وبالمقابل التعامل بالعملات الأجنبية، وهنا يقع الإجحاف بحقه".
وعن الطريقة التي تم من خلالها اتخاذ خطوة استبدال العملة في الشمال السوري، يقول أنيس إن "اتخاذ قرار تغيير العملة أو استبدالها في مختلف الدول، يعتبر حدثاً نقدياً له أبعاد سيادية ورمزية للشعب، وعادة من يتخذ هكذا قرارات تكون جهة عامة مرتبطة بالدولة صاحبة السيادة والأرض، وتتكون من مجلس أعلى للنقد في الدولة، يتألف من ممثلين عن البنك المركزي ووزارة المالية ولاقتصاد، وممثلين عن الجهات ذات التأثير السياسي الفعلي، وهي أعراف وقواعد غير متوفرة في الشمال السوري".
ويشرح أنه "لتدارك تبعات قرار استبدال العملة والإلمام بمختلف جوانبها السلبية، كنا قد قدّمنا مشروعاً مفصلاً لتأسيس سلطة نقدية في المناطق المحررة، هدفها التنسيق بين الفعاليات والقطاعات المالية والمصرفية، ورسم السياسات المالية والمصرفية في المنطقة، والعمل على إيجاد الحلول العملية للمشاكل التي يسببه انهيار الليرة المحلية، وحينما يتم إقرار الاستبدال يكون وفق منطق اقتصادي سليم".
وأشار عبد الرحمن أنيس إلى أن رئيس الحكومة السورية المؤقتة يمتلك اليوم دراسة شاملة لتأسيس وحدات ومؤسسات نقدية تقوم بإدارة القطاع المالي، إلا أن بناءها يستلزم فترة زمنية لتكون قادرة على إدارة زمام الأمور الاقتصادية وفق منهجية واضحة، وإعادة رسم السياسة الاقتصادية للمنطقة المحررة، في حال تمت فإنها ستعود بنفع كبير على الفاعلين بالشمال السوري وعلى رأسهم المواطن.
مع استقرار سعر الصرف خلال الأسبوعين الماضيين، استأنف السكان تعاملاتهم بالليرة السورية بعد أن استبشر الكثيرون بقرار تداول العملة التركية للحد من تبعات الانهيارات المتتالية التي تعرضت لها العملة المحلية قبل ذلك، إلا أن تطبيق القرار بشكل اعتباطي وغير مدروس من قبل حكومتي الائتلاف والإنقاذ لم يحل المشكلة الأساسية وحسب، بل أضاف مشكلة جديدة أخرى.