الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تدخل تركيا شرق الفرات

هل تدخل تركيا شرق الفرات

17.12.2018
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 16/12/2018
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن بدء عمليّة عسكرية قريبا شرقي نهر الفرات، ضد وحدات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يعتبره فرعا لحزب العمال الكردستاني التركي، المصنف إرهابيا في تركيا.
أتى التصعيد التركي بعد ساعات من إعلان البنتاغون، الثلاثاء الماضي، عن انتهاء إقامة مراكز مراقبة أميركية على حدود سوريا، لحماية أمن تركيا، وفصلها عن مناطق تواجد وحدات حماية الشعب، حسب التصريحات الأميركية؛ رغم تقدّم أنقرة بطلب رسمي إلى واشنطن بالعدول عن إقامة تلك المراكز؛ فضلا عن إعلان واشنطن إقامة منطقة حظر جوي شمالَ سوريا، على غرار ما فعلت شمال العراق، مما سيشل قدرة تركيا على الدخول إلى المنطقة.
واشنطن، منذ قرَّرت البقاء في سوريا، تعمل على تعزيز قواعدها العسكرية، وتُقدّم الدعم السياسي والسلاح لحلفائها من الأكراد والعرب في قوات سوريا الديمقراطية، كشريك محلي مضمون الولاء بالنسبة إليها؛ وهي تعترف بشراكة الأطراف الأخرى الفاعلة في سوريا، ما عدا إيران، إذ وافقت على كل اتفاقيات خفض التصعيد التي جرت بين تركيا وروسيا، في شرق حلب وفي الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ودرعا. ولم تعترض على دخول تركيا إلى جرابلس أو عفرين، وطردها وحدات حماية الشعب منها، بل واتفقت مع أنقرة على تنفيذ “خارطة الطريق” في منبج، التي لم ينفّذ منها سوى تسيير دوريات مشتركة بين الطرفين.
لكنّ واشنطن، من موقع سيطرتها العسكرية على الثلث الأغنى اقتصاديا من سوريا، تريد إمساك كل خيوط اللعبة السورية المتشابكة، بين الأطراف المتصارعة على أجنداتٍ مختلفة، بل وتستثمر في الملف السوري، لفرض أجنداتها في ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة إليها، أي أوكرانيا وإيران والعراق، وحتى تركيا نفسها، وصولا إلى الاتحاد الأوروبي، وعبر الأدوات الدبلوماسية وبالعقوبات الاقتصادية.
لكن الإدارة الأميركية تعاني من صراعات داخلية حول درجة التشدّد المطلوبة في كلّ ملفّ، خاصّة مع تراجع قوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بسبب الحصار الذي يواجهه بتحقيقات روبرت مولر حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
في ملف العلاقة مع تركيا، يتشدَّد البنتاغون، إذ يستبق نيّة تركيا بالتحرك شرق الفرات بإقامة نقاط المراقبة على الحدود مع سوريا، والإعلان عن إمكانية إقامة منطقة حظر جوي شمالا، لأنه يريد الإمساك بملف الأمن التركي من الجانب الأميركي وحده، الأمر الذي لا يكفي لتطمين تركيا؛ خاصّة مع التلكُّؤ الأميركي في تنفيذ اتفاق منبج، واستمرار تسليح “الوحدات” شرق الفرات بسلاح ثقيل بحجة محاربة تنظيم داعش، وتجنيد آلاف آخرين، وعدم سرعة واشنطن في الفصل بين وحدات حماية الشعب وبين حزب العمال، واستبدال قيادات الصف الأول والثاني من حزب العمال بآخرين سوريين.
في المقابل، يميل جيمس جيفري، المبعوث الأميركي إلى سوريا، والسفير السابق في تركيا، إلى تحسين العلاقة مع تركيا، عبر تهدئة مخاوفها بإجراءات ملموسة، قد تكون بتسريع اتفاق منبج، وربما أن يشمل مناطق على الحدود السورية التركية شرق الفرات، كإشراكها في مراكز المراقبة، والسماح لها بملاحقة العناصر “الإرهابية” من الأكراد، والتسريع في فصل الوحدات عن حزب العمال، وإجراء تغييرات بنيوية في تركيبة قوات سوريا الديمقراطية، خاصة في المناطق ذات الغالبية العربية، كالرقة.
كل ذلك كان ضمن نقاشات جيفري مع المسؤولين الأتراك، منذ أسبوع في أنقرة، في مجموعة العمل الأميركية – التركية، التي أنشأها لهذا الغرض؛ ومن أجل تقارب مع تركيا يبعدها عن الحضن الروسي، خاصة مع تلاقي واشنطن وأنقرة في ملف الحل السياسي وإشراك المعارضة، وفي ملف اتفاق إدلب، الذي ما كان ليتم لولا دعم واشنطن الصريح.
العملية العسكرية التركية المتوقعة قد تبدأ في تل أبيض، حيث تحشد القوات التركية دبابات ومدفعية وعربات مصفحة، إضافة إلى جاهزية الفصائل العربية التابعة لها للمشاركة من الحدود التركية ومن جرابلس، من أجل التوغّل في العمق، وفصل منبج وغرب تل أبيض عن رأس العين وباقي المناطق؛ ولا يمكن أن تنجح العملية دون مشاركة سلاح الجو التركي، والذي يحتاج إلى تنسيق مع الأميركيين، تسعى أنقرة إلى الحصول عليه بالضغط على واشنطن عبر فرض أمر واقع جديد، مع الحفاظ على لهجة الرغبة الدبلوماسية في هذا التنسيق.
تراهن تركيا في نجاح تحركاتها العسكرية على عاملين: الأول عامل بشري يتعلق بامتلاكها عناصر تنتمي إلى مناطق شرق الفرات، خاصة الرقة، تريد العودة إلى ديارها، هذا فضلا عن وقوف عشائر عربية في الرقة وريفها مع تركيا في حال تمت العملية، مع تململ سكان تلك المناطق، العربية الخالصة، من سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي. ويتعلق العامل الثاني بإمكانية الحصول على دعم سياسي روسي وإيراني ومن النظام، فهذه الأطراف متضررة من النفوذ الأميركي شرق الفرات، ولن تعترض قواتُها أيّ تحرك تركي يربك الأميركيين.
ويجري حديث عن إمكانية سماح تركيا لروسيا والنظام وإيران بهجوم عسكري محدود على إدلب، مقابل صمت الأطراف الثلاثة عن التحركات التركية شرق الفرات. والنظام السوري والميليشيات التابعة لإيران يحشدان منذ أسابيع لهذه المعركة، للسيطرة على الإقليم الأخير للمعارضة. في حين أن روسيا بدورها تسعى للسيطرة على إدلب، لكن دون نقض التفاهمات مع شريكها التركي، وقد تسمح بعمليات موضعية من ثلاثة محاور، هي ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية وريف حلب الجنوبي، حيث يحشد النظام وداعموه، لفتح الطريقين الدوليين. لكنها (روسيا) على المدى الأبعد تريد إنهاء ملف إدلب بالكامل، من أجل التفرغ للأميركيين في شرق الفرات، ولا يزعجها الإرباك الأميركي بشأن التحرك التركي المحتمل.
إذن نحن أمام احتمالين: إما أن تمضي أنقرة في عملياتها العسكرية بدءا بتل أبيض وصولا إلى رأس العين وعلى طول 500 كيلومتر على الحدود السورية التركية، وتفرض واقعها الجديد على الأميركيين، وما سيقابل ذلك من فتح مواجهة في إدلب وكارثة إنسانية وهجرات جديدة، وإما أن تستدرك أميركا التصعيد، عبر مساعي جيفري الدبلوماسية، وتحتوي الموقف التركي بتسريع الاتفاقات وإشراكها في تأمين حدودها. لكن التصعيد الأميركي- الروسي الأخير في أوكرانيا، لا ينبئ إلا بالمزيد من التصعيد في الداخل السوري