الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تخلت روسيا فعلا عن الأسد؟

هل تخلت روسيا فعلا عن الأسد؟

03.06.2020
العرب اللندنية



العرب اللندنية
الثلاثاء 2/6/2020
لندن – تذهب جميع القراءات والتحليلات في الأسابيع الأخيرة إلى الإقرار بأن روسيا باتت منزعجة من النظام السوري وأنها بدأت تتخلى عنه وتسحب الثقة منه بصفة تدريجية، خاصة بعد كل ما قيل عن اتهامات الكرملين للنظام السوري بالتورط في الفساد.
لكن توجد تطورات جديدة في الأيام الأخيرة بعدما عين الرئيس فلاديمير بوتين سفير روسيا لدى دمشق ألكسندر يفيموف مبعوثا خاصا له لتطوير العلاقات مع سوريا، وكذلك إصدار مرسوم يطالب فيه نظام الأسد بمنشآت جديدة تثير الجدل حول العلاقة الحقيقية بين الطرفين.
وتأتي هذه التطورات بعد كل ما ورد من إجماع لدى الخبراء الروس بأن قانون قيصر الذي يدخل حيز التنفيذ منتصف يونيو، سينقل العقوبات الأميركية إلى مستوى جديد لأنه سيلاحق المتعاونين مع النظام السوري مثل روسيا وإيران.
خطة جديدة
يؤكد مراقبون أن تحركات روسيا في سوريا ستكون مغايرة تماما لما سبق خاصة أن قانون قيصر سيربك حلفاء النظام السوري؛ بحيث لا يشكل ضربة للجهود الروسية فحسب، بل تتجاوز آثاره المنتظرة البعد السياسي ليضرب بقوة خطط القطاعات الاقتصادية والمالية في روسيا التي جهزت نفسها طويلا لما بعد الحرب في سوريا.
وعلى العكس من ذلك تتفق تحليلات بعض مراكز الدراسات على حقيقة باتت شبه ثابتة وهي أنه بعد خمس سنوات من القتال من أجل الحفاظ على نظام بشار الأسد في سوريا، يبدو أن روسيا تميل الآن إلى التخلص من حليفها، بعد أن ازداد إمعانا في الوحشية والفساد، وبعد أن أثبت عدم قدرته على التظاهر بإقامة دولة جادة، مما حوله إلى عبء تفضل موسكو التخلص منه.
تكهنات وتقييمات مبكرة لحليفين رئيسيين ما يجمعهما من تصورات أكثر ممّا يفرقهما في منطقة الشرق الأوسط
وقال في هذا الصدد في الأشهر الماضية، الباحث جيريمي هودج في مقال بموقع “ذي ديلي بيست ‏الأميركي”، إن “ما تسعى إليه موسكو من إعادة تأهيل نظام الأسد كرمزٍ للاستقرار قادرٍ على جذب مئات المليارات من الدولارات التي تستعد الشركات الروسية لاستقبالها، في إطار إعادة الإعمار، لن يكون ممكنا بسبب عمل أقارب الأسد كمافيا، ودعمهم للقوات الإيرانية، مما يمنع وصول الأموال من الدول الأوروبية والخليجية التي ينتظر منها دفع فاتورة إعادة إعمار سوريا”.
وأشار الكاتب أشار الكاتب إلى ما أشيع عن أن موسكو تدرس خيارات أخرى غير الأسد لحكم سوريا، إذ قالت وكالة “تاس” في افتتاحية لها إن “روسيا تعتقد أن الأسد لم يعد قادرا على قيادة البلاد بعد الآن، وأنه يجرّ موسكو نحو السيناريو الأفغاني”. لكن كمال علام، المحلل العسكري السوري المتخصص في التاريخ العسكري المعاصر للشرق الأوسط، يقول إنه قد اتضح أن التقييمات المبكرة حول فشل ونهاية الأسد لا أساس لها من الصحة وبعيدة عن أي تفهم للحقائق الأساسية.
ويضيف علام، الذي يحاضر في كليات عسكرية في الشرق الأوسط، وباكستان، وبريطانيا، في تقرير له نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأميركية أن نفس من تكهنوا بنهاية بشار الأسد من محللين ووسائل إعلام يتحدثون الآن بصخب عن كيف أن روسيا سئمت الأسد وأن الخلاف مع أغنى رجل في سوريا وهو رامي مخلوف دليل على النهاية. وفي حقيقة الأمر، كانت روسيا في كل مرة في تاريخ سوريا حتى قبل تولي عائلة الأسد الحكم تدعم العسكريين ليتولوا زمام الأمور في البلاد. ومع تركيز الأسد على الاستقرار الاقتصادي بالنسبة لسوريا التي تعاني من عجز مالي، يقوم الروس بالتفكير في طرق لتدعيم مكاسبهم العسكرية أيضا في المجالين السياسي والاقتصادي.
ويقول علام إن الحديث عن وجود خلاف روسي مع دمشق أو شعور بالإحباط إزاءها يتجاهل أساسا الدور التاريخي لروسيا في سوريا.
وهو تاريخ يسبق تولي فلاديمير بوتين الرئاسة ويمثل استمرارا لأكثر من ستين عاما من المشاركة الدائمة في الشؤون العسكرية السورية.
 وهذه العلاقات شكلت جزءا رئيسيا من السياسة السوفييتية في العالم العربي والتي لم تتغير. ويرى أن الجيش السوري والمخابرات السورية يفضلان العمل مع الروس، الذين ينظر إليهم على نطاق واسع على أنهم يدعمون مؤسسات الدولة، ولهم تاريخ في دعم سوريا في حروبها الإقليمية.
فقد ساعدت روسيا الأسد والجيش السوري في استعادة الدولة وتحدى أي فكرة بأن يكون هناك أي جهاز أمني مواز.
وذكر علام أنه في فعالية لمركز ناشيونال إنتريست الأميركي في عام 2015 تنبأ بسبب نجاح التدخل الروسي في سوريا في وقت كان كثيرون يشككون في الدوافع أو ما إذا كانت سوريا سوف تكون أفغانستان جديدة بالنسبة لروسيا. ويرى أنه في حقيقة الأمر كانت سوريا شيشان جديدة وليست أفغانستان جديدة بالنسبة لروسيا. فبمجرد أن حقق بوتين انتصارا ساحقا في غروزني، أعاد البناء وحقق وجها جديدا كاملا للمنطقة ذاتية الحكم. والروس يعيدون الآن بناء الجيش السوري وببساطة يتخلصون من الميليشيات التي تهدد سيادة دمشق.
ملفات الفساد
كانت محاربة الفساد الاقتصادي مطروحة على أجندة الأسد منذ عام 2018، وبعد شعوره الآن ببعض الارتياح على الجبهة العسكرية، بدأ يلاحق الفاسدين بما في ذلك ابن خالته رامي مخلوف. ويراقب الروس عن كثب الوضع في دمشق وكيف أن الرأي العام تحول ضد الفساد والأسماء الكبيرة مثل رامي مخلوف.
وفي مؤتمر عقد بجامعة دمشق عام 2018 نظمته الجمعية البريطانية السورية، تحدث رئيس الوزراء السوري ووزير المالية بغضب عن الفساد في الدولة وكيف أنه يمثل أكبر خطر أمام تحقيق الاستقرار. وكان الروس ببساطة ينصحون الأسد بالتصرف على أساس ما أظهره المجتمع المدني ونخبة قطاع الأعمال. وبالفعل فإنه بعد تحقيق انتصار عسكري بدأت الحرب الاقتصادية وبدأ الروس يحشدون حلفاء جددا للتعاون معهم في سوريا. ويشير علام إلى أن سوريا نجحت دائما في تحقيق توازن في علاقتها القوية بإيران، ومع ذلك تواصل تحقيق مصالح استراتيجية قوية مع دول الخليج. وقد تعلم بشار من والده حافظ الأسد متى وكيف يستخدم ورقة الخليج، فبعد اغتيال الحريري نجح في إعادة كل دول الخليج كمستثمرين في دمشق مع تغلب سوريا على العقوبات في فترة ما بعد اغتيال الحريري. ويفعل بشار الأسد نفس الشيء الآن وفي الوقت المناسب، كما أن مصالح موسكو تتوافق مع العديد من دول الخليج، ولاسيما الإمارات العربية المتحدة والبحرين بتأييد ضمني من السعودية. فروسيا والإمارات تتخذان معا الآن مواقف مضادة في مواجهة تركيا في ليبيا وسوريا. وهذا يعني أنه سوف يتعين على تركيا تحقيق توازن دقيق مع روسيا في ضوء أنها تبدو في حالة انعزال متزايدة في منطقة البحر المتوسط. ومع زيادة تواصل اليونان وقبرص مع سوريا، يؤدي هذا إلى زيادة الضغط على تركيا.
ويقول علام إن بوتين يسعى للتعاون مع الإمارات والسعودية في سوريا من خلال تعزيز عدائهما ضد تركيا والرغبة في إحداث توازن في مواجهة النفوذ الإيراني. ومن المعروف تماما أن الروس يريدون انحسار الدور الإيراني، وهو ما ترحب به المنطقة كلها. كما ترحب روسيا بتواجد صيني واضح بصورة متزايدة في سوريا. فهناك مسؤولون صينيون كبار يزورون دمشق بانتظام، ويعتبر الصينيون سوريا مركز استثمار طويل الأمد وليس مجرد مكسب سريع. بالإضافة إلى ذلك، عينت اليونان أول مبعوث رسمي لها في سوريا منذ بدأت الحرب هناك، وهو ما يعتبر دليلا إضافيا على وجود تحالفات جديدة لمواجهة تركيا في سوريا.
ويختتم علام تقريره بالتأكيد على أن الأسد يدرك أنه لكي يفوز في المعركة الاقتصادية، يتعين عليه التخلص من الأسماء الفاسدة حتى لو كانوا من أفراد عائلته. وهو في ذلك يحظى بدعم روسيا وجيشه. كما أكد أن روسيا لا يمكن أن تتخلى عن سوريا أو الأسد، فهناك علاقات مستمرة منذ 60 عاما وستبقى على الدوام.