الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تخلت تركيا عن حلب؟

هل تخلت تركيا عن حلب؟

30.11.2016
بشر حاج إبراهيم



 كلنا شركاء
الثلاثاء 29/11/2016
الكثير منا كان مطمئناً إلى كون مدينة حلب خطاً أحمر بالنسبة لتركيا، فيما يخص بقاءها بعيداً عن سيطرة النظام وحلفائه، فهل تغير الوضع؟
بعدما أسقطت القوى الجوية التركية طائرة السوخوي 24 الروسية، في تشرين الثاني 2015، توالت التصريحات التركية المتناقضة بين تأكيد على صحة القرار التركي نظراً لاختراق الطائرة للأجواء التركية، مع التذكير بأن تركيا حذرت مسبقاً من مغبة اختراق أجوائها في حوادث سابقة مشابهة.
لتجيئ نقطة الانعطاف بتصريح للرئيس فلاديمير بوتين يؤكد فيه أن إردوغان لم يأمر بإسقاط الطائرة. وكان ذلك بمثابة مخرج للدبلوماسية التركية قدمته روسيا للرئيس التركي على طبق من ذهب. وبذلك سكبت موسكو الماء على النار لتطفئ أزمة ليست في صالحها ويبدأ عهد جديد في العلاقات الروسية-التركية المعقدة حول الوضع في سوريا، هو في مصلحة روسيا أكثر مما هو في مصلحة أي طرف آخر.
ليس بالأولوية أن نعرف من أمر بإسقاط الطائرة الروسية، وإن كان ذلك سيظهر لنا عاجلاً أم آجلاً. إنما من المهم بمكان أن نتتبع خيط العلاقات الروسية-التركية نهاية عام 2015 وخلال عام 2016 لندرك أن ما حصل ويحصل ليس في صالح الشعب السوري وثورته.
لاحقاً، وسواءً أكان اعتذار رجب طيب إردوغان لإسقاط الطائرة صحيحاً أم لا، فإننا شهدنا لقاءات متتالية بين الرئيسين بدأت على هامش قمة المناخ، وانتهت بلقاءين متبادلين في روسيا وتركيا وضعا أسس العلاقات الجديدة.
فيما يخص السوريين، فإن النتيجة واضحة لا تحتاج إلى معادلات ورسوم لشرحها. فهذه اللقاءات لم تخفف من حدة العدوان الروسي على سوريا بل زادت منه وخصوصاً في حلب. مما يدل بشكل قاطع على تخلي تركيا عن خطها الأحمر الذي رسمته لسنوات حول هذه المدينة.
كي نعرف ماذا تلقت تركيا مقابل تخليها عن حلب لصالح روسيا، يكفي أن ننظر إلى عملية درع الفرات التي ترسم المنطقة الآمنة المصغرة التي طالما نادت بها تركيا ومنذ سنين. ولم تبدأ بالتحقق إلا بعد التقارب التركي-الروسي. هذه المنطقة من وجهة النظر التركية تنهي الحلم الكردي بإقامة دولة في الشمال السوري، عبر قطع الطريق بين القامشلي وعفرين. وجل الاعتقاد أن هذا ما عنته تسمية العملية بدرع الفرات. ولكنها للأسف وعلى ما يبدو تستثني مدينة حلب.
بالنسبة للسوريين، قد يكون تأسيس هذه المنطقة بداية لحلم منطقة آمنة لطالما طالبوا بها، ولكن من المحتمل أن يكون نهاية الحلم أيضاً. فإذا تحققت منطقة آمنة يفد إليها السوريون المهددون، لن يكون هناك حاجة إلى إسقاط نظام الأسد أو وقف عدوان الجيوش الروسية والسورية والإيرانية والميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية. وقد تصبح المنطقة أكبر مخيم للاجئين في العالم إذا استمر الوضع السوري على ما هو عليه. مما يصب في مصلحة كل الدول المجاورة والدول الأوروبية بأن يكون في سوريا منطقة آمنة توفر عليهم وفود اللاجئين إليهم والذي كلفهم الكثير مؤخراً اقتصادياً وسياسياً.
الصفقة الروسية-التركية تعبر عن واقع سياسي فرضه التدخل الخارجي في الشأن السوري، سواءً من جهة النظام أو من جهة المعارضة. إذ أصبحت الصفقات تمر من فوق رؤوسنا كما تمر الصواريخ والطائرات، بدون أي قدرة على التحكم بوجهتها وأهدافها.
وإن لم تنتبه المعارضة السورية إلى حاجتها الماسة إلى حليف غير الحليف التركي، يخلق توازناً في سيطرة تركيا على مصير الثورة السورية في الشمال، فإننا مقبلون على واقع صعب للغاية يحتاج إلى أكثر من معجزة كي نستطيع تغييره.
بالمقابل، أرجو أن ينتبه السياسيون الأتراك أن المنطقة الآمنة مقابل حلب، صفقة تختزل الدور التركي المؤثر في سوريا، وتجعله محدوداً وسخيفاً. وأنهم إن كانوا يريدون لتركيا أن تكون دولة مؤثرة في المنطقة فعليهم أن يطبقوا سياسات بحجم بلدهم وبحجم تطلعات الشعب السوري وبحجم الثقة التي يجب أن تبنى بين الطرفين في المستقبل.
أتمنى أن أكون مخطئاً. وأتمنى أن تتحول عملية درع الفرات سريعاً إلى عملية إنقاذ حلب من الحصار الروسي-الإيراني الغاشم. والأيام القادمة ستعطينا الخبر اليقين.