الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تحالف محور الممانعة ونتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية؟

هل تحالف محور الممانعة ونتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية؟

10.04.2019
مثنى عبد الله


القدس العربي
الثلاثاء 9/4/2019
مفهوم جدا أن يقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، فيقدم له كل الدعم الممكن كي يفوز في الانتخابات الاسرائيلية، فقاعدته الانتخابية التي أوصلته إلى البيت الابيض غالبيتها من الإنجيليين الذين يؤمنون بأن قيام دولة إسرائيل هو تبشير إلهي، وإن المعجزة بظهور السيد المسيح لن تحصل، إلا بعد أن يسيطر اليهود على كل أرض فلسطين، واكتمال حدودها التي لا تُعرف حتى الآن، فكانت محصلة هذه العلاقة إعلان الولايات المتحدة القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وكذلك التوقيع على ضم الجولان السورية إلى السيادة الإسرائيلية.
نقول إن العلاقة بين الرجلين يمكن فهمها، وإن كل ما قررته وما ستقرره الولايات المتحدة على مرّ العصور، وفي عهد أي رئيس، هو سياق طبيعي للعلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكن العصي على الفهم والمستغرب، الذي لا يمكن إدراكه وهضمه، هو أن يصطف محور الممانعة إلى جانب نتنياهو، ويقدم له الدعم كي يفوز في الانتخابات. هذا المحور الذي أنزل ميليشياته في الأراضي العراقية والسورية واللبنانية واليمنية في سبيل فلسطين، كما تقول أدبياته السياسية وبياناته التي لا تكف عن هذا الادعاء.
بتاريخ الرابع من الشهر الجاري إبريل/نيسان 2019، استقبل الرئيس الروسي بوتين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وبرفقته رؤساء الأجهزة الأمنية، كي يقدم الشكر والامتنان له، لأنه أعاد رفات العريف في الجيش الاسرائيلي زخاريا باومل، الذي فُقد في لبنان في عام 1982 أثناء الاجتياح الاسرائيلي. كما حضر نتنياهو المراسم الرسمية التي أقامتها وزارة الدفاع الروسية، لتسليم بعض متعلقات العريف وأغراضه الشخصية. وفي هذا اللقاء كان الرئيس الروسي واضحا جدا عندما قال "كما تعلمون فقد تعرّف جيشنا مع الجنود السوريين على مكان دفن زخاريا. نحن سعداء لأن وطنه يمكن أن يجري له تكريما عسكريا، وسيتمكن أقاربه وأصدقاؤه المقربون من جلب الزهور إلى قبره". في حين أجابه نتنياهو قائلا "قبل سنتين توجهتُ إليك بطلب شخصي لمساعدتنا في العثور على جثث الجنود، وأنت استجبت فورا، وقمتم بعمل استثنائي".
التحليل السياسي يقول إن السلطات السورية كانت تعلم وتشارك في البحث عن الجندي الإسرائيلي، تحت السيادة الروسية
ما يهمنا هنا ليس التعاون الروسي الاسرائيلي فهو ليس سرا ولا مُستغربا. المهم هو كيف لعملية بهذا الحجم تعاونت فيها المخابرات الروسية والاسرائيلية، وربما مخابرات دول أخرى على الاراضي السورية، بينما تعلن الحكومة السورية عبر وكالة الانباء الرسمية أنه لم يكن لديها علم بهذا الموضوع؟ المعلومات الواردة من الطرف الإسرائيلي تقول بأن عددا كبيرا من الجثث تم نقلها من سوريا إلى إسرائيل للتثبت من هوية الجندي الاسرائيلي، وأن ملايين الدولارات صُرفت على أطراف في الداخل السوري كي يوصلوهم إلى ما يريدون. فهل يُعقل أن يتم كل ذلك من دون علم السلطات السورية وبموافقتها؟ وإذا كان عدم العلم حقيقة، أليس معنى ذلك أن السيادة السورية قد باتت في خبر كان، إن مازالت موجودة بعد الاحداث الاخيرة؟
التحليل السياسي يقول إن السلطات السورية كانت تعلم وتشارك في البحث عن الجندي الاسرائيلي، لكن عملها هذا لم يكن تحت العلم السوري، بل كان تحت السيادة الروسية، وإن الإنكار الإعلامي ليس له مبرر سوى الحفاظ على شعارات الممانعة والمقاومة، التي يتغنى بها النظام وحلفاؤه، وإن الرئيس الروسي لو كان يعرف أن السيادة السورية مازالت موجودة، ما تجرأ على إحراج السوريين بهذا الشكل الواضح، ففي العلاقات الدولية توجد مقايضات ومشاركات في عمليات استخباراتية نظيفة وقذرة، قد تضر بسمعة أحد الاطراف المشاركة، لكن التستر على العمل هو شرط من شروط المشاركة فيها بين الاطراف. لقد سبق للرئيس الروسي أن وصف إسرائيل بأنها حليف استراتيجي، كما وصف العلاقة مع سوريا وإيران بأنها حلف استراتيجي أيضا، فهل بدأ بوتين يرسم سيناريو تقليص نفوذ الحليف الإيراني في سوريا، بواسطة الضغط من قبل الحليف الإسرائيلي؟ قد يكون هذا هو السيناريو المقبل، خاصة أن بوتين قالها صراحة بأن على الجميع الخروج من الارض السورية وسماهم بأسمائهم، الأمريكيين، والاتراك، والايرانيين، وقال نحن فقط من سيبقى في سوريا. والدليل على أنه يستخدم الضغط الاسرائيلي لإجبار الايرانيين على الخروج من الأرض السورية، أنه قد تخلى عن الخط الاحمر الذي وضعه على القصف الاسرائيلي عليها. فبعد أن تسبب الاسرائيليون بأسقاط الطائرة الروسية، وقتل الجنود الستة عشر الذين كانوا على متنها، حذرت القوات الروسية الطيران الاسرائيلي من التحليق في الأجواء السورية. لكننا رأينا كيف أن الطيران الاسرائيلي عاود نشاطه وقصف حلب وبعض المواقع الاخرى قبل أسبوع من عملية تسليم رفات الجندي القتيل.
يقينا أن محور الممانعة قد تلقى ضربة قاصمة ممن كان يعدّه ضلعا مهما في هذا المحور. كان الرئيس الروسي بالنسبة لهم هو المرشد الاعلى الذي يحميهم، فهو لم يدخر جهدا إلا واستخدمه لإنقاذ أحد أضلاع المحور من الانكسار، حين وقف إلى جانب النظام في سوريا، وأفشل كل المعادلات التي كانت ضده على الارض السورية، كما أفشل كل مشاريع القرارات الدولية ضد النظام في مجلس الامن، بعد أصراره المستميت على استخدام حق النقض الفيتو مرات ومرات، لكنه اليوم قد أحرج جميع أطراف الحلف، لقد أحرج النظام السوري وأثبت أن سوريا بلا سيادة. وأحرج الايرانيين حين استخدم الاسرائيليين كي يقول لهم حان وقت الرحيل عن الارض السورية، لكن الإحراج الاكبر هو حين يُدحرج سمعة محور الممانعة في هذا المستنقع، ويستثمر أرضهم وتعاونهم معه في البحث عن رفات الجندي الاسرائيلي، كي يقدم كل ذلك هدية لنتنياهو عشية الانتخابات الاسرائيلية، لتلميع صورته أمام الناخب الاسرائيلي. فهل يستقيم هذا الفعل الذي قامت به السلطات السورية مع التوقيع على اعتبار الجولان المحتلة جزءا من السيادة الاسرائيلية؟ قديما قالت العرب، إن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية