الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تفتح قناة أنقرة دمشق؟

هل تفتح قناة أنقرة دمشق؟

31.01.2019
عائشة كربات


المدن
الاربعاء 30/1/2019
هل يمكن لأنقرة ان تعيد العلاقات مع دمشق؟ ذاك هو السؤال الذي طرح بإلحاح في الشرق الاوسط منذ لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في 23 كانون الثاني يناير الحالي.
ولعل السبب يكمن في الذاكرة القوية للرئيس بوتين، الذي إستعاد إتفاقا وقع بين أنقرة ودمشق في العام 1998، في مدينة أضنة جنوبي تركيا، ويلحظ التعاون بين العاصمتين في محاربة الارهاب. والواقع ان بوتين كان شريكاً في ذلك الاتفاق الغامض عندما كان رئيساً لجهاز الاستخبارات الروسية. في تلك الفترة ، زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان كان يعيش حياة سعيدة في سوريا ، حيث كان ينظم شن عمليات إرهابية ضد تركيا، وكان يساعد حافظ الاسد في تصدير المسالة الكردية من سوريا الى تركيا. حينها لم يكن لدى اكراد سوريا بطاقات هوية ، لكنه جرى تشجيعهم للقتال من أجل نيل الاستقلال عن تركيا. لكن أوجلان أجبر على مغادرة سوريا بناء على إتفاق أضنة الذي جرى توقيعه فقط بعدما هددت تركيا بشن حرب على سوريا وأنجزت التحضيرات لذلك.يومها حاول أوجلان الذهاب الروسيا او الى بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة ، لكن بوتين نفسه منعه من ذلك.
الاتفاق لم يتفادى الحرب بين أنقرة ودمشق ،فحسب، لكنه أرسى أسس تحسين العلاقات الثنائية ان أسرتي أردوغن والاسد باتتا تمضيان الاجازات معا.عندما ذكّر بوتين نظيره التركي بذلك الاتفاق القديم، خلال اجتماعهما الاول هذا العام( والتاسع والخمسين منذ محاولة الانقلاب في تركيا في العام 2016)، كان يأمل أن يحيي قنوات التواصل بين الجراين السوري والتركي مجددا.
إتفاق أضنة الذي جرى توسيعه لاحقاً في العام2010، يتألف من خمسة بنود. أولها حرمان حزب العمال الكردستاني من أي تسهيلات في سوريا. وقد نص بوضوح أن هذا الحظر لا يشمل فقط حزب العمال بل أي مسمى آخر يمكن ان يتخذه ذاك الحزب. اليوم هذا التعريف يشمل "وحدات حماية الشعب" التي تعتبرها أنقرة إمتداداً للحزب، فيما تراها الولايات المتحدة كأفضل حليف في المعركة ضد داعش. هذه القوات تسيطر على ثلث مساحة سوريا، على طول الحدود التركية، حيث تقوم تركيا بإستعدادات للتدخل عسكريا.
اما بقية البنود الاربعة من إتفاق أضنة فإنها تعنى بكيفية تنفيذ ذلك الحظر، بالاعتماد على مندوبين رسميين خاصين لهذه المهمة ، وبالحوار بين الجانبين.تلك هي وجهة نظر بوتين: فتح قنوات بين أنقرة ودمشق لتفادي قيام تركيا بعملية عسكرية في سوريا ضد "وحدات حماية الشعب". لكن بوتين يقصد هدفاً آخر أيضا: موازنة العرض الاميركي لتركيا. قالت واشنطن أنها ستنسحب من سوريا، وتقيم منطقة آمنة على طول الحدود التركية، إستجابة للقلق الامني التركي.
بوتين يقول الان ان هذه المنطقة الامنية لن تكون شرعية، وهي تتطلب قراراً من الامم المتحدة. لكن إتفاق أضنة صالح من وجهة نظر القانون الدولي. ويضيف أن موسكو تشجع دمشق على فتح حوار مع وحدات حماية الشعب. والواضح ان بديله للمنطقة الامنية هو عودة النظام السوري الى المناطق التي تسيطر عليها الوحدات، وفتح حوار بين أنقرة ودمشق.. بحيث تحتفظ الوحدات على بعض مكتسباتها ، وتبقى ورقة يمكن إستخدامها عند الضرورة.
إذا كانت وجهة نظر بوتين مفهومة، فلماذا يكرر أردوغان الحديث عن إتفاق أضنة ؟ هل لديه نية لإحيائه؟عندما كانت واشنطن تتحدث عن منطقة أمنية، وافقت تركيا على ذلك، لكن الواضح ان فهم البلدين للمنطقة الامنية، ليس متقاطعاً. فأنقرة تحلم بمنطقة أمنية تحت سيطرتها، بما يتيح عودة بعض النازحين السوريين اليها، وهي تتطلع الى التدمير الكامل للوحدات. أما بالنسبة الى واشنطن، فإن المنطقة الامنية تعني سيطرة قوة دولية مؤلفة من قوات عربية وجنود فرنسيين الى جانب بعض الكرد غير المنتمين الى الوحدات. المفاوضات ما زالت مستمرة.
الواضح أن أردوغان عندما يتحدث عن إتفاق أضنة فأنه لا يقصد المفهوم الذي يعنيه بوتين. لدى أردوغان ميل لقراءة إتفاق أضنة كأداة تبرر أي توغل عسكري في سوريا، بحيث يمكنه القول :"أنظروا، النظام (السوري) لا يستطيع أن يضمن الأمن الذي ينص عليه إتفاق أضنة. أنا ساقوم بهذه المهمة بنفسي".
حتى ذلك الحين، لا يمكن إستبعاد بعض المحادثات غير المباشرة او حتى المباشرة بين أنقرة ودمشق، على مستويات متدنية. فقد سبق لأردوغان أن رد على العالم كله: "لا يمكننا ان نجري أتصالا على مستوى رفيع مع من كان السبب في قتل أكثر من مليون شخص من شعبه وتهجير الملايين".
هو كان واضحاً : "على مستوى رفيع"!