الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل اخطأ الرئيس الفرنسي في الرهان على ايران ؟ 

هل اخطأ الرئيس الفرنسي في الرهان على ايران ؟ 

29.09.2020
علي حماده



النهار العربي 
الاثنين 28/9/2020 
سقطت المبادرة الفرنسية في لبنان، وإن يكن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون رفض الاعتراف بالأمر، واصفاً التحول الناجم عن اعتذار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة مصطفى أديب بجولة أولى ستعقبها جولة أخرى من المحاولات الفرنسية لانقاذ المبادرة، و إنقاذ لبنان من الأزمة المالية والاقتصادية التي وقع فيها و التي تزداد تعقيداً بتداخلها مع الأزمة السياسية الحادة الناجمة عن وقوع لبنان تحت الاحتلال الموصوف لـ"حزب الله" المهيمن على القرار السيادي في البلد، و على الدولة و مؤسساتها كافة. 
هذه حقيقة يعرفها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جيداً، كما يعرف أن "حزب الله" ليس حزباً لبنانياً يتمتع بتمثيل شعبي فحسب، بل أنه أولاً و أخيراً جزء لا يتجزأ من "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الايراني"، و بالتالي فإنه جزء من منظومة أمنية – عسكرية تحت أمرة طهران. هذه الحقيقة التي حاول الرئيس إيمانويل ماكرون القفز فوقها عندما جاء مرتين الى لبنان، و تعامل مع الحالة الشاذة التي يمثلها "حزب الله" من خلال أفكار "أوروبية " ديموقراطية، رفضت أن ترى بأم العين أن ممثل "حزب الله" على الطاولة التي دعا اليها الرئيس الفرنسي في مقر السفارة من اجل وضع القيادات اللبنانية امام مسؤولياتها السياسية و التاريخية، انما كان دون سائر الجالسين على الطاولة "ضابط ارتباط" آت من تنظيم أمني – عسكري مسلح، لا يعمل وفق الآليبات التقليدية للعمل السياسي كما حاول ماكرون أن يصف الامر، عندما سئل عن سلاح "حزب الله" غير الشرعي، فأجاب السائلين: أنتم انتخبتموهم، و ليس أنا! هذه الاجابة كانت لتصح لو أن الطرف المعني بجواب الرئيس الفرنسي كان حزباً تقليدياً، لا ماكينة أمنية – عسكرية ذات وظائف داخلية و خارجية متعددة تعرف المخابرات الفرنسية أكثر من غيرها، لا سيما في أفريقيا حيث يعشعش "حزب الله" في  القارة السمراء عبر مجموعات من رجال الاعمال اللبنانيين الذين يعملون في اطار تمويل الحزب، وتبييض أمواله كما بات معلوما . 
 لقد تصرف الرئيس ماكرون مع الاستعصاء الذي مثله "حزب الله" في المعادلة اللبنانية، بالطريقة عينها التي تصرف فيها مع سائر القوى السياسية الاخرى، التي غلب عليها الطابع المحلي، و ان تأثر بعضها بقوى اقليمية. و لكن النموذج الذي مثله "حزب الله" و يمثله في كل وقت، كان مختلفاً تماما عن بقية القوى اللبنانية التقليدية، ولذلك قد يكون الرئيس الفرنسي ارتكب الخطأ الاول في التعاطي مع الازمة اللبنانية، عندما حاول أن "يصرف" لقاءه العلني مع ممثل ل"حزب الله" الموضوع على اكثر من لا ئحة إرهاب في أوروبا و غيرها من دول العالم، في دار السفارة الفرنسية ببيروت، جاعلاً من اللقاء "سلفة " فرنسية لايران، و ذراعها في لبنان، من اجل أن ينتزع تسهيلاً حقيقياً لمبادرته من قبل الطرف الاكثر قوة على الساحة اللبنانية، و ان تكن مرتكزات القوة تقوم على العنف، و استخدامه، بطرق عديدة على مر السنوات . فالحزب الذي ثبتت على أحد قادته بالتزامن مع زيارة ماكرون للبنان تهمة اغتيال رئيس حكومة لبناني سابق هو رفيق الحريري، جرى "تكريمه " في السفارة الفرنسية بلقاء علني مع رئيس إحدى اكبر الدول الاوروبية اسوة بسائر القادة الآخرين. وقيل يومها إن الرئيس الفرنسي انما أراد من خطوته هذه أن يمنح الايرانيين شعوراً بأنه لا يزال يتعامل معهم بإنفتاح يلاقي الانفتاح الذي ابداه في مواجهة السياسة الاميركية المتشددة التي سار عليها الرئيس دونالد ترامب. فهل توهم الرئيس ايمانويل ماكرون ان كل ما فعله لايران، و ربما لمصالحه المستقبلية ( لو فاز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في الثالث من تشرين الثاني – نوفمبر المقبل ) يمكن ان يدفع طهران إلى اعطاء الضوء الاخضر في لبنان لمبادرة ماكرون بتشكيل حكومة ذات طابع مختلف تماماً عن الطابع الذي سارت عليه الأمور منذ سيطر "حزب الله" على السلطة في لبنان ؟ 
من السابق لأوانه الاجابة عن هذا السؤال الذي يحتاج الى معلومات ذات طبيعة استخباراتية لمعرفة ما جرى بين الفرنسيين و الايرانيين، و لكن من المؤكد أن السبب الاول لفشل مبادرة فرنسا في لبنان في جولتها الاولى ( كما يصر ماكرون ) كان موقف "حزب الله" و من خلفه "حركة أمل"، شريكه في ما بسمى "الثنائي الشيعي"،  في رفض التخلي عن مكاسب غير دستورية تمكن من انتزاعها في السنوات الاخيرة بسطوة السلاح، و الترهيب و الترغيب، رافضاً العودة الى احترام النص الدستوري البسيط الذي ما اتى يوماً على ذكر تخصيص وزارة المال للطائفة الشيعية أو  أي طائفة أخرى . و كان موقف "حزب الله" في اطار الثنائي المشار اليه بندا من بنود عدة كانت جاهزة لتطرح على طاولة تعطيل تشكيل الحكومة التي كان الفرنسيون يقولون انها يجب ان تكون مصغرة، و ذات مهمة محددة،   ومستقلة عن الاحزاب السياسية، على ان تحظى بدعمها لكي تعمل مع الفرنسيين بسرعة، و فاعلية لانقاذ البلاد من الانفجار المالي و الاقتصادي القادم قريباً جداً . 
 ثمة من يعتبر أن القوى السياسية الأخرى تتحمل مسؤولية كبيرة لفشل المبادرة. هذا صحيح، و لكن العامل الاساسي في اجهاض مبادرة الرئيس الفرنسي في لبنان كان ايرانياً من خلال "حزب الله" الذي كان يمكن له أن يسهل أمر ولادة الحكومة. لكن حسابات اخرى ربما طرأت على المشهد، و أهمها تيقن الايرانيين ان موعد تقديم التنازلات لم يحن بعد، و لا سيما اذا كانت التنازلات ستقدم للطرف الأضعف في معادلة دولية تقودها الولايات المتحدة التي تمثل التحدي الأكبر لايران في واقعها الداخلي، و سياساتها الخارجية في الاقليم. اكثر من ذلك قيل ان مبادرة الرئيس الفرنسي افتقرت الى غطاء عربي عملي و صلب، نعني بذلك الغطاء الذي تمثله بالدرجة الاولى المملكة العربية السعودية و دولة الامارات. و هنا لا بد من التذكير بكلمة الملك سلمان بن عبد العزيز عبر الفيديو امام الجمعية العامة للامم المتحدة التي تناول فيها بشكل لافت و حازم اشكالية الوضع اللبناني في ظل تحكم "حزب الله" بالقرار فيه . فكيف يمكن انقاذ لبنان من دون الاميركيين و العرب، ورغما عن الفخ الايراني الذي نصب للرئيس ايمانويل ماكرون، و لمقاربته الاستشراقية للواقع اللبناني. 
خلاصة الأمر: لا إنقاذ للبنان راهناً .