الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل أميركا حليف يُعتمد عليه ويجب الاستمرار معه؟ 

هل أميركا حليف يُعتمد عليه ويجب الاستمرار معه؟ 

06.02.2021
رياض قهوجي



النهار العربي 
الخميس 4/2/2021  
لا توحي القرارات الأخيرة الصادرة من واشنطن والمؤشرات المتوافرة أنه سيكون هناك تغيير كبير في السياسية الخارجية الأميركية في ما يخص ملفات المنطقة، وتحديداً تلك المتعلقة بإيران. فالزخم الكبير الذي أحدثته قرارات إدارة دونالد ترامب التصعيدية في الأشهر الأخيرة من عمرها قد جرفت المنطقة في تيار قوي سيصعب على الإدارة الجديدة للرئيس جو بايدن الخروج منه بسرعة أو بسهولة. فلا تزال المنطقة تعيش مرحلة خطرة من التصعيد الميداني من جهات عدة رغم تراجع التهديدات بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين الذين أعربوا عن استعدادهم للمحادثات وتفعيل الاتفاق النووي، ولكن بشروط. الأميركي لن يستأنف المفاوضات ويبدأ بتقليص العقوبات قبل أن تجمّد إيران عمليات تخصيب اليورانيوم وتعود للالتزام بكل شروط الاتفاقية الموقعة عام 2015. 
في حين أعلن عدد من المسؤولين الإيرانيين أن بلادهم لن توقف عمليات تخصيب اليورانيوم بدرجة مرتفعة وتعود للاتفاق قبل أن ترفع أميركا كل العقوبات التي فرضتها عليها. باختصار، لا عودة إلى المفاوضات في وقت قريب، وإنْ استؤنفت فهي ستشهد تعقيدات إدخال مواضيع جديدة عليها مثل سياسة إيران الاقليمية وبرنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية. 
لكن المعضلة التي تواجه الولايات المتحدة هي أن سرعة وحجم تخصيب اليورانيوم في طهران قد بلغا مراحل متقدمة. فقد صرح وزير الخارجية الجديد أنطوني بلينكن أن إيران باتت على مسافة ثلاثة أشهر من امتلاك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لتصنيع قنبلة نووية. 
يبدو أن إيران تستعمل هذا الموضوع كأداة ضغط على إدارة بايدن. لكن إسرائيل أيضاً تستخدم هذا الموضوع كوسيلة ضغط على واشنطن، إنما لتبرير اللجوء الى الخيار العسكري لوقف برنامج إيران النووي. فقد أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي أن بلاده بدأت بوضع خطط لعملية عسكرية هذه السنة ضد المنشآت النووية الإيرانية. ويذكر أن إسرائيل ستشهد انتخابات تشريعية في الأسبوع الأخير من شهر آذار (مارس) المقبل حيث المنافسة هناك على أشدها، ويسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جاهداً للفوز بالأغلبية والاحتفاظ بمنصبه، تلافياً لدخوله وعدد من افراد عائلته السجن في حال الخسارة، بسبب تهم الفساد التي يواجهها. هذا قد يضع نتنياهو تحت ضغط كبير يمكن أن يدفعه للدخول في مغامرات خطيرة. 
تواجه إدارة بايدن أيضاً مشكلة بناء الثقة مع حلفاء أميركا في الشرق الأوسط وحتى أوروبا. فالتغيير في السياسة الخارجية الأميركية كل بضع سنوات قد أضعف حلفاء أميركا في المنطقة وزاد من مكانة ونفوذ خصومها – مثل إيران والصين وروسيا. فعندما توافق إدارة أميركية على صفقات سلاح لحلفائها في المنطقة وتأتي إدارة أخرى بعد أيام وتقوم بتجميدها بداعي مراجعتها، فهذا يوحي بأن أميركا كدولة لا تملك سياسة موحدة وواضحة نحو الشرق الأوسط، ما يزعزع ثقة حلفائها بها، ويقوّي من معنويات ونفوذ خصومها. وعندما يعلن وزير خارجية أميركا قبل شهر أن بلاده تعتبر ميليشيا الحوثي إرهابية وتدعم جهود التحالف الدولي لإعادة السلطة للحكومة الشرعية هناك، ومن ثم تأتي ادارة جديدة لتعكس هذا الموقف وتنتقد الحرب في اليمن (بغض النظر عن أسبابها وشرعيتها)، فهذا تناقض على مستوى استراتيجي لا يمكن لدولة عظمى أن تمارسه من دون توقع عواقب كبيرة وفوضى على الأرض، كما هو الحال في الشرق الأوسط اليوم. 
ولا يخفى على أحد الانقسام الأفقي بين الحزبين "الجمهوري" و"الديموقراطي" في أميركا، والذي ازداد حدة وعنفاً في الأسابيع الأخيرة. الانقسام الحالي له بعد عقائدي يؤثر في شكل كبير في علاقات واشنطن الدولية. ففي حين يدفع قادة الحزب الديموقراطي نحو سياسة التعددية الدولية ضمن مفاهيم منظومة الحوكمة العالمية التي قادتها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، يسيطر تيار ترامب الشعبوي على جزء كبير من الحزب الجمهوري، وهو قائم على مبادئ تعزيز القومية والانعزالية الأميركية والابتعاد من نشر مبادئ الديموقراطية عالمياً كهدف من سياسات أميركا الخارجية. ولا أحد يعلم كيف ستؤول الأمور في أميركا في الأشهر المقبلة. فهل سيسبيطر تيار ترامب كلياً على الحزب الجمهوري، أم تضعف قواه ويعود الحزب إلى مبادئه القديمة والتي لا تختلف كثيراً عن الديموقراطيين في العلاقات الدولية. 
 وعلى حلفاء أميركا حول العالم أن يتساءلوا عن مدى تأثير استمرار هذا الانقسام على سياسات أميركا الخارجية المتقلبة والتي باتت تؤثر في مصالحهم وأمنهم القومي. من يمكن أن يثق بحليف لا يحافظ على تعهدات واتفاقات بين شهر وآخر؟ وبسبب حجم ترابط المصالح بين أميركا وحلفائها في العالم العربي – في المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية – ولأن حجم المخاطر المحدقة بالعالم العربي جمة وكبيرة، يجب على هذه الدول أن تجري مراجعة موضوعية لسياساتها مع الولايات المتحدة الأميركية. فقد يكون من الحكمة التنويع أكثر بمصادر السلاح وتسريع برامج تطوير الصناعات الدفاعية المحلية لتخفيف حجم الاعتماد على أميركا كمصدر أساسي للتسلح. ويجب النظر أيضاً ببناء أو حتى تطوير علاقات أمنية مع القوى الدولية الأخرى مثل روسيا والصين. كما أن مقاربة العلاقات مع أوروبا يجب أن تكون مستقلة عن مقاربة العلاقات مع أميركا. فأوروبا نفسها وبعد خروج بريطانيا وتأزم علاقاتها مع أميركا خلال حقبة ترامب قد تغيرت مقاربتها لأمور عدة، وتحديداً في ما يخص أمنها وعلاقتها مع روسيا والصين. 
أميركا اليوم لسيت مثل أميركا 1990 عندما هبّت بسرعة وشكلت تحالفاً دولياً لتحرير الكويت، ومن ثم قادت مبادرة دولية للسلام في الشرق الأوسط. فقد أنهكتها الحروب وشتتها الانقسام الداخلي. حتى إيران والتي تعتبر الخصم الأكبر لأميركا والتي اتهمها بعض الإدارات الأميركية السابقة بأنها الراعي الأكبر للإرهاب، تمتلك اليوم لوبي لها في العاصمة الأميركية يقوم بالترويج والدفاع عن سياسيات طهران. وهذا اللوبي الذي كان نشطاً خلال إدارة باراك أوباما، عاد اليوم للتحرك مع عودة عدد كبير من فريق أوباما في تشكيلات إدارة بايدن الجديدة. وستشهد واشنطن خلال الأسابيع المقبلة منافسة حادة بين اللوبي الإيراني واللوبي الإسرائيلي وحتى لوبي بعض دول الخليج العربية، للتأثير في  قرارات إدارة بايدن. والغريب في المشهد أن الخصم (إيران) يملك الفرصة ذاتها في الوصول والتأثير في قرار واشنطن مثل الحلفاء. 
في ضوء كل ما تم عرضه يبرز سؤال مهم وهو، كيف يجب مقاربة الملف الإيراني في شكل يضمن مصالح الدول العربية وأمنها؟ من الواضح أن السياسات الأميركية نحو إيران فشلت في تحقيق أهدافها، أي الحد من انتشار نفوذها في المنطقة ووقف برنامجها النووي وتغيير النظام فيها أو أقله التأثير في قراراته. فهي تجنبت استخدام قوة السلاح واكتفت بضغط العقوبات بهدف الاحتواء. فشل الاحتواء وباتت إيران أقوى عسكرياً من السابق وهي على عتبة أن تصبح دولة نووية. لعله آن الأوان للدول العربية المعنية بالملف الايراني بأن تلجأ الى خيارات أخرى لرسم مسار السياسة مع طهران في شكل مستقل عن السياسة الخارجية الأميركية، بغض النظر عمن هو سيد البيت الأبيض.