الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هدوء حذر في إدلب: المعارضة تشكك بنوايا الروس والنظام

هدوء حذر في إدلب: المعارضة تشكك بنوايا الروس والنظام

05.08.2019
أمين العاصي


العربي الجديد
الاحد 4/8/2019
في اليوم الثاني من الهدنة التي أقرها المشاركون في جولة مفاوضات أستانة 13 الأخيرة، ساد الهدوء الحذر في الشمال الغربي من سورية الذي شهد عمليات عسكرية على مدى نحو 100 يوم أدّت إلى مقتل المئات من المدنيين وتشريد عشرات الآلاف وتدمير أغلب مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي. ولكن المعارضة التي تلتزم عادة بكل اتفاقات وقف إطلاق النار، تشكّك في نوايا النظام وداعميه الروس، كون الجانبين يسعيان إلى إخضاع محافظة إدلب ومحيطها، أبرز معاقل المعارضة السورية، بالقوة، وعلى مراحل، ويبدو أنّ المرحلة الحالية انتهت بالاتفاق على الهدنة التي يتوقّع قيادي في "الجيش السوري الحر" أنها لن تطول.
وذكرت مصادر محلية لـ "العربي الجديد"، أنّ هدوءاً حذراً ساد في ريفي حماة وإدلب الواقعين ضمن منطقة خفض التصعيد شمال غرب سورية، لليوم الثاني على التوالي، في ظلّ الهدنة التي أعلنتها الأطراف المشاركة في مباحثات أستانة الأخيرة، وبدأ سريانها منذ منتصف ليل الخميس الجمعة الماضي.
من جهته، أكّد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أنّ الهدوء النسبي يتواصل في محافظة إدلب ومحيطها، خلال اليوم الثاني من تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الجديد. وذكر أنّ الطائرات الحربية والمروحية التابعة للنظام والروس، غائبة عن أجواء المنطقة منذ قبيل منتصف ليل الخميس الجمعة. غير أنّ "المرصد" أشار إلى أنّ الهدوء النسبي هذا "تكسره قذائف قوات النظام بين الحين والآخر، إذ استهدفت قذائف صاروخية عدة، بعد منتصف ليل الجمعة السبت، أماكن في بلدة الزكاة ومحيطها وكفرزيتا واللطامنة بريف حماة الشمالي، وذلك في تراجع ملحوظ في حدة القصف البري عن سابقه خلال اليوم الأول من اتفاق وقف إطلاق النار". وأكد "المرصد السوري" أنه "رصد أكثر من 400 ضربة برية تبادلتها قوات النظام والفصائل المقاتلة ضمن المنطقة، خلال الـ24 ساعة الأولى من بدء تنفيذ الاتفاق".
بدورها، قالت "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم أغلب فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، في بيان أمس السبت، إنها صدّت، الجمعة، محاولة تسلل لقوات النظام وحلفائهم الروس على محوري عجاز والمشيرفة في ريف إدلب الشرقي، مؤكدةً مقتل وإصابة عدد من القوات المهاجمة. والتزمت فصائل المعارضة السورية المسلحة بالهدنة التي تعني بقاء قوات النظام في 18 مدينة وبلدة وموقعا كانت سيطرت عليها خلال شهر مايو/أيار الماضي في ريف حماة الشمالي، ما يؤكد تثبيت خارطة السيطرة الجديدة وفق ما كان يريد الجانب الروسي.
وعلى الرغم من تفاهمات أستانة 13، إلا أنّ فصائل المعارضة السورية لا تزال تشكك في نوايا النظام، خصوصاً أنّ أغلب الاتفاقات التي أبرمت بين الثلاثي الضامن (روسيا وتركيا وإيران) لم تصمد، إذ يتحيّن النظام الفرص لتقويضها. وكان من الواضح أنّ الجانب الروسي سيطلب هذه الهدنة بعد فشل حملة عسكرية استمرت نحو مائة يوم فشل خلالها في إحداث تبدّل كبير في خارطة السيطرة في شمال غربي سورية، من شأنه تغيير مجرى الصراع، ودفع المعارضة إلى تقديم تنازلات "مؤلمة" من قبيل التفاوض مع الروس حول اتفاق مصالحة، كما جرى في الجنوب السوري. وتؤكّد المعطيات الميدانية أنّ الجانب التركي يرفض أي تسوية يمكن أن تؤدي إلى كسر إرادة فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية، بل إن أنقرة ترفض عودة النظام إلى المنطقة، لما يشكله ذلك من خطر مباشر على الأمن القومي التركي.
في السياق، رأى القيادي في فصائل المعارضة السورية المسلحة، العميد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "بعد الفشل الملحوظ للقوات الروسية وقوات النظام والمليشيات التابعة لهما في المعارك الدائرة في منطقة إدلب الكبرى، لم يعد أمام الروس سوى إعادة النظر في أسباب وتداعيات الخسائر التي منيت بها القوات المعتدية على محاور القتال في المناطق المذكورة". وأضاف "لم تأت موافقة روسيا على الهدنة من باب الإيمان بالحلّ السياسي وإتاحة الفرصة أمام الحوار، وإنما من باب التكلفة الباهظة التي أرهقتها في تلك المعارك، في ظلّ الحظر المفروض على نظام بشار الأسد، خصوصاً في القطاع النفطي". واعتبر حسون هذه الهدنة "من ضمن الاستراتيجية المتبعة من قبل الروس في السيطرة على المناطق".
كذلك أشار حسون إلى أنه "لا يمكن التغافل عن الدور التركي القوي الذي يدفع باتجاه حلّ سياسي حقيقي للوضع في إدلب، والذي يقابل في الغالب بتصعيد من قبل النظام وخرق للهدن، مع تغاضٍ روسي ملحوظ". وأعرب حسون عن اعتقاده بأنّ "النظام المجرم لن يلتزم بأي شروط حتى وإن كانت تلك الشروط هو من وضعها"، مضيفاً "هذا النظام لا يمتلك الجدية ولا المصداقية لإيجاد حلّ سياسي للمسألة في كليتها، إنما هو يعوّل على عامل الزمن للحصول على المكاسب على الأرض. لذلك لا يمكن الوثوق به أو بحليفتيه روسيا وإيران، بأي شكل من الأشكال، وهذا ما أثبتته التجارب".
وبدأت الهدنة بعد إعلان مصدر عسكري تابع للنظام، الخميس الماضي، "الموافقة على وقف إطلاق النار، شريطة أن يتم تطبيق اتفاق سوتشي الذي يقضي بتراجع المسلحين بحدود 20 كيلومتراً في العمق من خطّ منطقة خفض التصعيد في إدلب، وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة"، وفق ما نقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام عن هذا المصدر. ويعدّ هذا الشرط مدخلاً للنظام من أجل خرق الاتفاق، بل تقويضه بشكل كامل.
من جانبه، قال العقيد مصطفى البكور، قائد العمليات في "جيش العزة"، أبرز فصائل "الجيش السوري الحرّ" في ريف حماة الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا توجد هدنة بالأساس"، مضيفاً "القصف لم يتوقف الجمعة. قصف النظام بلدات ريف حماة الشمالي بـ 400 صاروخ راجمة". وأشار البكور إلى أنّ أمس السبت شهد هدوءاً حذراً، غير أنه توقّع أن لا يطول هذا الهدوء، وقال "التجارب السابقة أثبتت أنّ الروس والعصابة الأسدية لا عهد لهم ولا ذمة، وهم دائماً يخرقون الاتفاقات".
إلى ذلك، لم ينتظر مهجرون من ديارهم طويلاً، قبل العودة إلى بلداتهم وقراهم في ريف إدلب الجنوبي، حيث أكّدت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" عودة عائلات من عمق محافظة إدلب كانت هربت نتيجة القصف الجوي والمدفعي إلى ريف إدلب الجنوبي. وكانت طائرات النظام والمقاتلات الروسية هجّرت عشرات آلاف المدنيين خلال العملية العسكرية التي بدأت أواخر نيسان/إبريل الماضي. كما قتل وأصيب المئات من المدنيين جلهم أطفال ونساء بقصف كان يستهدفهم بشكل مباشر، خصوصاً في مدن معرة النعمان وأريحا وخان شيخون وكفرنبل وسراقب. وطاول دمار كبير هذه المدن وأريافها، فضلاً عن تدمير المراكز الحيوية وكل مقومات الحياة في ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي.