الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هدم البيوت في صور باهر وفي إدلب

هدم البيوت في صور باهر وفي إدلب

28.07.2019
محمود الريماوي


العربي الجديد
السبت 27/7/2019
شرعت سلطات الاحتلال الاسرائيلي، منذ يوم 22 يوليو/ تموز الحالي، في هدم عشرات البيوت في بلدة صور باهر المتاخمة للقدس الشرقية المحتلة. وشارك في افتتاح عملية الهدم عدد كبير من قوات الاحتلال، إذ تحرّك مئات الضباط والجنود في الرابعة من فجر الاثنين الماضي، وبدأوا تنفيذ عملية الهدم، مستفيدين من خبرة متراكمة ومعدات متطوّرة في هدم بيوت الفلسطينيين. وكانت المحكة العليا الإسرائيلية قد رفضت التماساً من أصحاب البيوت بوقف عمليات الهدم، وزعمت "أن البنايات تقع على أرض خاضعة لقرار عسكري سابق، يحظر البناء عليها لقربها من الجدار الأمني"، علما أن بلدة صور باهر تقع ضمن "منطقة أ" التي تتبع إدارياً للسلطة الوطنية الفلسطينية، وكان أصحاب البنايات قد تحصلوا على رخص للبناء من السطة منذ زهاء عشرة أعوام، لكن المحكمة الإسرائيلية تحتكم إلى قرارات السلطات العسكرية للاحتلال، وليس إلى قرارات السلطة الفلسطينية. والذريعة الواردة في قرار المحكمة هي قرب الأبنية السكنية من جدار الضم والتوسع بمسافاتٍ تتراوح بين 250 و400 متر (يطلق عليه الفلسطينيون تسمية خاطئة هي جدار الفصل العنصري، فالجدار يفصل أرض الفلسطينيين عن بعضها بعضا، ويمكّن الاحتلال من الاستيلاء عليها، ولا يفصل الأراضي المصادرة عن الدولة العبرية مثلاً).
وحتى كتابة هذه السطور، فقد تم هدم عشرة أبنية، والخطة ترمي إلى هدم أضعاف هذا العدد من الأبنية، وهي خالية من السكان، وفي طور الانتهاء من تشييدها، وحرم حتى الآن نحو ثلاثمائة شخص من الإقامة في بيوتهم الجديدة التي شيّدها الأزواج والآباء بعرق كفاحهم. ويسخر قرار المحكمة العليا الإسرائيلية من عقول الناس، حين يتحدث عن القرب من "الجدار الأمني" كما يسمّونه، فبناء الجدار غير مشروع، وقد أقيم على أراضٍ مصادرة بسطوة السلاح. وكما لم تعبأ المحكمة العليا بالرخص الممنوحة من السلطة الفلسطينية للبناء، لم تبال، في الوقت نفسه، بدعوة منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، جامي ماغولدريك، إلى إلغاء عمليات الهدم. وقد وصف الرئيس محمود عباس هدم بيوتٍ تفع في منطقة تتبع إدارياً للسلطة بأنها "قمة في الوقاحة". أما رئيس الوزراء محمد اشتيه فأوضح أن السلطة سوف تتقدّم بشكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية بخصوص "الاعتداء الجسيم".
وقد جاءت عملية هدم البنايات في وقت يستعد فيه المستشار الأميركي، جاريد كوشنر، لجولة 
"الضحايا يستحقون التعاطف التام، والسعي إلى إنقاذهم في كل مكان، فالضمير الإنساني مثل الوازع الأخلاقي لا يتجزأ" في المنطقة، لوضع اللمسات الأخيرة على صفقة الرئيس دونالد ترامب. أما المبعوث جيسون غرينبلات فقد صرح بأن الإفراج عن الصفقة ينتظر قراراً من ترامب، وقام غرينبلات بتنوير من يهمهم الأمر إلى أنه لا علاقة للصفقة العتيدة بقرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة، ولا بأحكام القانون الدولي، ولا بتوافقات المجتمع الدولي، ومن الواضح أن هدم عشرات الأبنية لا يمس بالصفقة العتيدة، ولا يصطدم مع فحواها.
على أن اقتراف هدم البيوت السكنية في منطقتنا لا يقتصر على سلطات الاحتلال الإسرائيلي (وإن كانت سبّاقة فيه)، ففي شمال سورية وفي منطقة إدلب، تتواصل، منذ أسابيع، حملة روسية وللنظام هناك، تستهدف أولاً المرافق المدنية، كالمراكز الطبية ومراكز الدفاع المدني والأسواق الشعبية والمدارس والبيوت السكنية، إضافة إلى مواقع المعارضة المسلحة، وذلك في المنطقة المسماة "منطقة خفض تصعيد"، حسب المسميات الروسية. يصعب حصر نتائج هذه الحملة فهي تدور على مدار الساعة، وما إن تهدأ حتى يتم استئنافها، وقد بلغت حصيلة مؤقتة حتى يوم 22 يوليو/ تموز الجاري: مصرع 487 مدنيا، بينهم 112 طفلا و98 امرأة، مع إصابة أضعاف هذا العدد، وتحقق روسيا جملة "انتصارات" متتابعة على المدنيين العزل، وعلى أفراد الدفاع المدني، وروسيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعتبر المراكز الطبية ومراكز الدفاع المدني أهدافا مفضلة لها. وتم استهداف 31 مركزا للدفاع المدني في الحملة التي بدأت في أواخر إبريل/ نيسان الماضي، فيما يواصل المتطوعون ببسالة أعمالاً بطوليةً في محاولة إنقاذ المدنيين. أما البيوت المستهدفة فهي مأهولة بأصحابها، ويجري هدمها على رؤوس أصحابها، كما حدث في معرّة النعمان ومورك وخان شيخون ومعر شورين وكفر نبل وكفريا وأريحا وسراقب وطبيش وبدامات وبلدات أخرى من "الأصدقاء الروس"، وقد تكرر حدوث ذلك منذ التدخل الروسي في سبتمبر/ أيلول 2015 نحو ألف مرة على الأقل.
تلقى هذه الممارسات الإجرامية أصداء باهتة في وسائل الإعلام ولدى المسؤولين الدوليين.
"البيوت المستهدفة في إدلب، مأهولة بأصحابها" وموسكو المتحالفة مع مليشيات إيران لا تتوقف عن الزعم أنها تحارب الإرهاب، علما أن جملة ممارساتها في سورية ذات طابع مليشيوي إرهابي، يستهدف المدنيين والمرافق المدنية الإغاثية بالدرجة الأولى، وبصورة منهجية واستعراضية. وتنشط موسكو، بلا توقف تقريبا، في مضاعفة الكارثة الإنسانية بهدم البيوت المتواضعة على رؤوس قاطنيها، والفتك بالمدنيين، وتشريد من ينجو أو يُصاب من هؤلاء، وفي سد الطرق أمام الحلول السياسية، وطي صفحة مفاوضات جنيف. وبهذه الطريقة في تكرار نموذج غروزني الشيشانية (الأرض المحروقة والتدمير شبه الشامل) لمظاهر الحياة السورية، تعزّز موسكو مركزها في الشرق الأوسط، وتضاعف من مبيعات الأسلحة التي جرت تجربتها بنجاح مئات المرات على بيوت السوريين وأجسادهم!
في المحصلة، ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة من عسف إجرامي منظّم لتقويض مظاهر الحياة والعمران، والتنكيل بالشعب الرازح تحت الاحتلال، وانتهاك مقدسات غير اليهود، يجد صدىً له في ما يتعرّض له السوريون من وحشية متمادية وممنهجة تفوق الوصف، ويلعب "الأصدقاء الروس" متحالفين مع مليشيات إيران دورا قياديا في تعميم المذبحة وإدامتها، ونشر الخراب والدمار على أوسع نطاق، من دون أن تفتر عزيمتهم مع اقتراب الذكرى الرابعة لتدخلهم المباشر في سورية، الذي عمّم الكارثة، وجعل وسائل الإعلام عاجزةً عن إحصاء عدد البيوت المتهدّمة، وعدد الضحايا من الأطفال والنساء وأفراد الدفاع المدني، ذلك أن "الإنجازات" في هذا المضمار تتزايد يوما تلو يوم.
تستحق الفظائع الإدانة القاطعة، أيا كان مرتكبوها وفي أي مكان، والضحايا يستحقون التعاطف التام معهم، والسعي إلى إنقاذهم في كل مكان، فالضمير الإنساني مثل الوازع الأخلاقي لا يتجزّأ.