الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هجوم تركي محدود ووشيك على شرق الفرات

هجوم تركي محدود ووشيك على شرق الفرات

07.10.2019
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 6/10/2019
عادت التصريحات التركية إلى لغة التهديد والتصعيد بالقيام بعمل عسكري أحادي الجانب ضدّ ما يسمى “وحدات حماية الشعب” الكردية شرق الفرات، مع زيادة ملحوظة في التحركات العسكرية بالقرب من الحدود السورية مقابل مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ما ينبئ بعملية عسكرية وشيكة، حسب ما ورد في وول ستريت جورنال نقلا عن مصدر أميركي.
حاولت الولايات المتحدة امتصاص حدّة التهديدات التركية مرات عدّة، عبر إطلاق تصريحات لم ترتق إلى مستوى الأفعال، أو اتخاذ خطوات لم تكن جدية بما يكفي لتهدئة المخاوف الأمنية التركية من قيام كيان كردي على حدودها مع سوريا، رغم اعتراف واشنطن بأحقية تلك المخاوف.
يقع على عاتق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تنفيذ تهديداته بشن هجوم على شرق الفرات، حتى لو كان هجوما رمزيا ومحدودا، وقد تراجع عن تلك العملية مرارا، وهو يرغب بتجنبها، عسى أن تستجيب واشنطن لمطلبه، خاصة أنه يعاني من ضغوط داخلية غير مسبوقة، بسبب قوة الأحزاب المعارضة بعد فوزها في الانتخابات البلدية في المدن الكبرى.
حاول أردوغان إقناع بعض زعماء العالم، خلال لقاءاته الثنائية معهم، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي، بخطة لإعادة مليوني سوري من أصل 3.6 مليون لاجئ سوري مقيم في تركيا، وتشمل الخطة الحصول على دعم المجتمع الدولي لبناء 140 قرية تضم خمسة آلاف شخص، و50 منطقة تضم 30 ألف نسمة في منطقة أمنية بطول 480 ألف كيلومتر وعمق 32 كيلومترا، دون أن يتمكن من مقابلة ترامب لإقناعه بالخطة وتجنب تنفيذ التهديدات التركية.
فيما ينظر كثيرون إلى أنها خطة لإجراء تغيير ديموغرافي في المنطقة، بحيث تصبح موالية لتركيا.
لم تتوضح بعد ملامح الاستراتيجية الأميركية في سوريا حيال ملف شرق الفرات، بسبب الخلافات داخل الإدارة الأميركية بين وزارتي الخارجية والدفاع. فوزارة الخارجية تنحاز إلى موقف ترامب بالرغبة في سحب القوات الأميركية من سوريا، وتسليم إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتها إلى تحالف إقليمي تشارك فيه تركيا، مع إعطاء الأكراد دورا فيه، ومراعاة المخاوف الأمنية التركية.
فيما جيمس جيفري، المبعوث الأميركي إلى سوريا، يميل إلى الموقف التركي، بسبب علاقته الخاصة بتركيا، واطلاعه على مصالح تركيا في الإقليم، كونه سفيرا سابقا في أنقرة.
حيث يرغب جيفري، ومعه دبلوماسيون في الخارجية الأميركية، ببناء تحالفات مع العشائر العربية في شمال شرقي سوريا، بعيدا عن الأكراد، وبما يضمن عدم التمدد الإيراني في المنطقة، خاصة بعد الاختراق الإيراني الأخير في المنطقة، والذي تمثل بإعلان دمشق وبغداد عن فتح معبر “القائم” الحدودي بين البلدين.
حسب ما صرّحت به المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، فإن مسؤولي الخارجية الأميركية ظلوا ينظرون إلى قوات سوريا الديمقراطية على أنها شريك مهم في الجهود المبذولة لإنهاء تنظيم داعش، ويجب الإبقاء على العلاقة معها، ودعمها، لتطهير المناطق المحررة، واستمرار العمل ببرامج التدريب والمساعدة الفنية لتثبيت الاستقرار.
بالتالي تميل الخارجية الأميركية إلى حماية الأكراد، والإبقاء على الهياكل العسكرية والإدارية والأمنية لقوات سوريا الديمقراطية، مع إصلاح تلك الأجسام تدريجيا، عبر استبعاد قيادات حزب العمال الكردستاني، والقيادات غير السورية، وبالتنسيق مع الأتراك، وعبر تعزيز الثقل العربي والعشائري فيها، بما يمكنها من إدارة المنطقة وفق نموذج حكم يعزز “الاستقرار والسلام”، وبما يتناسب مع التمثيل المحلي قبل سيطرة الوحدات وتهجير السكان.
البنتاغون، والقادة العسكريون الميدانيون، ينحازون إلى الأكراد، وقد أقاموا معهم علاقات تنسيق عسكرية وميدانية وثيقة، ويتمسكون بهم باعتبارهم مقاتلين أشداء وأوفياء في معارك استعادة السيطرة على المناطق التي كان يحتلها تنظيم داعش، وهم يسعون إلى تطوير التنسيق مع تركيا لتهدئة مخاوفها الأمنية حيال الأكراد، عبر إقامة كانتونات متفرقة، وليس على كامل الشريط الحدودي، وبعمق 5 إلى 10 كيلومترات كحدّ أقصى، وتسيير دوريات مشتركة، وطلعات جوية مشتركة، وإجراء بعض الإزاحة في تمركز وحدات حماية الشعب، وفق خطة سماها البنتاغون “بالآلية الأمنية”، والتي تحضّر عملياتها في مركز العمل المشترك على الحدود، في الجانب التركي.
يقع على عاتق الرئيس التركي، تنفيذ تهديداته بشن هجوم على شرق الفرات، حتى لو كان هجوما رمزيا ومحدودا، وقد تراجع عن تلك العملية مرارا، وهو يرغب بتجنبها
يأتي تحفظ الخارجية الأميركية على العلاقة مع الفصيل الكردي، نتيجة عدم ثقته به، باعتباره يرتبط عقائديا وسياسيا بحزب العمال الكردستاني، الذي يحمل الأيديولوجيا الماركسية؛ وتفضل إقامة علاقات موسعة مع المكونات العشائرية والمحلية، وأن تبقي خطّا مفتوحا للتنسيق مع دمشق، التي تصرّ على استعادة السيطرة على المنطقة.
ودمشق بدورها، وبدعم وتوجيه روسيين، تستغل الخلاف التركي الأميركي حول شرق الفرات، وتسعى لاستمالة أنقرة، فبعد أن اعتبرت قوات سوريا الديمقراطية منظمة إرهابية، في مسايرة للموقف التركي، صرّح وزير الخارجية، وليد المعلم، وفي هذا التوقيت التركي المستنفر على الحدود الشمالية لسوريا، بأن القوات الفرنسية والأميركية في سوريا غير شرعية، وتجب مقاومتها.
المؤشرات تقول إن أنقرة جادة في تنفيذ تهديداتها، وإن كان بشكل محدود ورمزي لحفظ ماء وجه أردوغان، لكنها لا تستطيع القيام بذلك دون تنسيق مع الأميركيين الذين تتوزع نقاطهم في المنطقة، ومع موسكو، خاصة أن العملية قد تشمل تل رفعت، التي يسيطر عليها الروس، إضافة إلى تل أبيض.
حاولت واشنطن تجنب حدوث مثل هذه الاحتكاكات، لكنها قد تسمح بعملية محدودة لإزاحة القوات الكردية عن بعض المناطق، دون أن تتدخل في الاشتباك التركي مع الميليشيات الكردية، حيث لا يملك البنتاغون تفويضا من الكونغرس بحماية هذه الميليشيات، في ظل الخلافات الداخلية داخل الإدارة الأميركية، ولا ترغب بالاصطدام مع الجانب التركي، وهي تعلم أن الوضع الداخلي التركي، السياسي والاقتصادي خصوصا، لا يسمح لأردوغان بالتورط بعملية عسكرية موسعة شرق الفرات.
تنفيذ التهديد التركي، سيمثّل بدوره تهديدا جديدا للضغط على كل من الحليفين الأميركي والروسي، لتقديم التنازلات لتركيا، التي تستغل بدورها الخلافات الأميركية الروسية، وتسعى بشكل محموم إلى استباق أي اتفاقات روسية أميركية، تنهي الملف السوري، وتخرج تركيا، ليس من حصة السيطرة على شرق الفرات فقط، بل ومن نصيبها من إدلب، وتهدد بإضعاف دورها في عفرين وجرابلس.