الرئيسة \  تقارير  \  هآرتس: طوابير اللاجئين المطرودين من قرى اللطرون عام 1967 تذكّر بمشاهد المحرقة النازية

هآرتس: طوابير اللاجئين المطرودين من قرى اللطرون عام 1967 تذكّر بمشاهد المحرقة النازية

22.06.2022
القدس العربي


القدس العربي
الثلاثاء 21/6/2022
الناصرة -“القدس العربي”: كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن مستندات تاريخية تظهر أن سكان المستوطنات الإسرائيلية التي قامت على أنقاض قرى منطقة اللطرون الفلسطينية عقب حرب 1967 قد ترددوا في السيطرة على ممتلكات وأراضي مهجريها في البداية لكنهم عادوا و”تصالحوا مع أنفسهم” فيما قال بعضهم وقتها إن مشاهد احتلالها وطوابير اللاجئين المطرودين من ديارهم قد ذكرّته بمشاهد المحرقة النازية في أوروبا. وتستذكر أنه في يوليو/ تموز 1967، وبعد شهر من الحرب اجتمع أعضاء مستوطنة “نحشون”، وجرى نقاش صاخب في موضوع حساس كان حينئذٍ على جدول الأعمال حيث أرادوا نشر محضر النقاش في الصحيفة الناطقة باسم المستوطنة ولكن في النهاية، وبعد أن تم طباعة العدد من أجل نشره على أعضائها، ذعروا من النتيجة، وتم وقف نشره عن طريق إلصاق الصفحتين إحداهما بالأخرى – بحيث لا يكون بالإمكان قرائتهما بسبب الكشف غير المباشر عن جرائم إسرائيلية. وتتابع “هآرتس”مرّ 55 عاماً، ومؤخراً كشف المحضر الذي تم حظره. واتضح أن موظفة أرشيف ذات حس توثيق تاريخي اهتمت بأن تحتفظ جانباً بنسخة كاملة من العدد الأصلي للصحيفة الناطقة باسم الكيبوتس وإنقاذها من أسنان الرقابة. كان كتب على البطاقة التي أرفقت بالعدد الناجي: تقرر عدم طرح أفكارنا في الصحيفة، ولهذا تم إلصاق الصفحات. النقاش الذي كان في مركز العاصفة تناول مصير ثلاث قرى عربية تم طرد سكانها وهدم بيوتها قبل وقت قصير من ذلك، في حرب 1967: عمواس، وبيت نوبا، ويالو – كلها في منطقة اللطرون”. وتشير إلى طرد حوالي ثمانية آلاف من السكان إلى منطقة رام الله، وبعد ذلك قامت جرافات إسرائيلية بتسوية بيوتهم بالأرض كما حصل في قرى فلسطينية خلال نكبة 1948. وتستذكر إقامة مستوطنة “مفوء حورون”، على أراضي بيت نوبا لاحقا بينما أقيم على أراضي عمواس ويالو “منتزه كندا”. واستنادا للمستندات التاريخية التي يكشف عنها للمرة الأولى يقول محرر مجلة المستوطنة:” نعاني في الآونة الأخيرة من مشاعر مختلطة. لقد زرنا الدير الصامت برهبانه وغرفه، والكنيسة ومصنع النبيذ، وتقريباً نسينا قرية عمواس التي تقف بأنقاضها وراء جدرانه، وسكانها الذين هاجروا وتخلوا عن أملاكهم. لم تنته فرحة النصر بعد، أصبحنا مهتمين بنتائج الصراع السياسي، وهنالك أيضاً اختلافات في الآراء تتعلق بفلاحة أراضي هذه القرى وحصاد محاصيلها وهي ليست لنا”.
وتشير “هآرتس” إلى أن المقال الرئيسي في المجلة المذكورة كتب بـ عنوان “لن نخطو على الأراضي” وعكس قرار أعضاء الكيبوتس (المستوطنة التعاونية) الذي أقيم في 1950 في وادي أيالون من قبل أعضاء “الحارس الشاب” (هشومير هتسعير) بعدم المشاركة في نهب الممتلكات العربية المتروكة وفي جمع غنائم من القرى المتروكة”. وجاء في هذا المقال التاريخي ضمن مجلة المستوطنة “لقد تقرر ألا نأخذ أي ممتلكات أو غنائم… وستبذل محاولات للعثور على أصحابها وإعادة الممتلكات. لقد تقرر عدم فلاحة الأراضي والمحاربة من أجل ألا يقوم أحد آخر بفلاحتها”.
الخوف على السمعة!
وتنبه “هآرتس” على لسان كاتب التقرير الصحافي المؤرخ عوفر اديرت أنه من بين التبريرات لهذا القرار الاستثنائي لأعضاء المستوطنة كان الخوف من المس بصورة وسمعتها فتقول”عبّر “أعضاء كثيرون عن خوفهم من أنه على الرغم من نيتنا الحسنة، فإن الأعمال التي سنقوم بها ستستخدم لأغراض معاكسة تماماً لنوايانا”، وأضاف محرر المجلة المذكورة حسب المستندات الأرشيفية: “صحف معادية من شأنها أن تحول دوافعنا للحصاد واستخدامها ضدنا، لقد خاف أعضاء الكيبوتس.إنكارنا وتفسيراتنا لن تساعد كثيراً… سيتم التشهير بنا في الصحف”.
النزاهة ماذا تفيدنا؟
في المقابل توضح هذه المستندات التاريخية أنه لم يتفق جميع أعضاء المستوطنة حيال قضية الأملاك العربية المستولى عليها بعد الاحتلال والتهجير للقرى الثلاث. عن ذلك تقول الصحيفة طبقا لهذه المستندات:”الرفيق موتي قال إنه حسب رأيه يجب حصاد ما يمكن. هو لا يفهم مقاربة الانسحاب والسير إلى الخلف، والتي تتمثل حسب رأيه، في أقوال الرفاق الذين يعارضون الذهاب إلى الأرض والحصاد. هكذا سنظل دائماً في المكان نفسه. ما الذي سنستفيد منه إذا بقينا نزيهين؟. وتتابع المجلة”كان الرفيق يوسي، قد أيّد أيضاً حصاد المحصول الذي تركه المزارعون العرب لغايات المساومة في حالة توزيع الأراضي إذا لم يتم إعادة القرى، وفي حالة إعادتها فسنكون أول من يوافق على التنازل عن الأراضي، الآخرون من شأنهم أن يحاربوا من أجلها. أما الرفيقة شوشانا فقد طرحت فكرة أصيلة، وهي أن نتبرع بأموال المحصول للاجئين الفلسطينيين”.
معهد عكافوت
وتنبه صحيفة “هآرتس” الى أن من كشف عن هذه القضية هم أعضاء معهد الأبحاث الإسرائيلي “عكافوت” الذي يعنى بالكشف عن حقائق تاريخية ترتبط بالصراع من منطلق أن ذلك يدفع نحو إطلاع الإسرائيليين على حقيقة ما جرى على أمل أن يقرّب ذلك المصالحة والتسوية مع الفلسطينيين بعدما يعترف الإسرائيليون بما ارتكبوه في 1948 و 1967. وحسب أقوال باحث المعهد المذكور المؤرخ الإسرائيلي آدم راز:”وصلنا إلى أرشيف الكيبوتس في إطار بحث يتعلق بحدث آخر، ووجدنا فيه أيضاً التوثيق الذي يتعلق بالمعضلات التي واجهها أعضاء الكيبوتس فيما يتعلق بطرد واستخدام أراضي القرى المدمرة”. حسب أقوال راز الذي سبق وأصدر كتابا جريئا عن مذبحة كفر قاسم قبل نحو العام: “إن لجوء أكثر من ربع مليون فلسطيني وعربي سوري في الجولان السوري المحتل، في حرب 1967، غير معروفة للجمهور اليهودي الإسرائيلي على الرغم من أنها تشكل جزءاً لا يتجزأ من نتائج تلك الحرب”.
ماذا جرى في نهاية المطاف؟
وتشير صحيفة “هآرتس” أنه في نهاية المطاف، وفي التصويت الداخلي، لم يكن سوى عضو واحد أيّد الذهاب إلى الأرض التابعة للفلسطينيين وحصاد محصول القرى العربية، أما الباقون فعارضوا ذلك. إلى جانب ذلك، صوت أعضاء الكيبوتس على قرار القيام بنضال جماهيري جدي في موضوع هدم القرى. وتتابع”لقد رأى الرفيق دان، في الهدم عملاً سياسياً وليس أمنياً. الرفيقة شوشانا دعت إلى إدخال أشخاص آخرين إلى الوحل معنا، حتى لا يسكتوا ويتجاهلوا ما حدث”. وفي المقابل تنوّه أن القرار بحظر نشر المحضر من الصحيفة برّره أعضاء الكيبوتس كالتالي:”المشكلة أن هنالك جهات ستفهم وتريد أن تفهم ذلك بصورة غير صحيحة، وكأننا نسيطر على هذه الأراضي. من جانب آخر، إذا قمنا بفلاحتها الآن، ربما سيتم توزيع الأراضي بين سكان المنطقة”.
الأديب عاموس كينان
وتشير إلى توثيق عملية طرد سكان قرى اللطرون الفلسطينية قد تم في وقتها الحقيقي على يد جندي ومصور يدعى بانيا بن نون، الذي أرسل صوره إلى صحيفة “هآرتس” ضمن منافسة صور الحرب التي أجرتها في صيف 1967. أما الكاتب الأديب الإسرائيلي عاموس كنان، الذي شارك هو أيضاً كجندي في القتال في المنطقة، وصف ما يحدث في وقته الحقيقي: “في وقت الظهيرة، وصلت الجرافة الأولى. لقد دمرت بيوتاً على ما فيها من أغراض. بعد ذلك ظهرت مجموعة من اللاجئين الذين ظنوا خطأً أن بإمكانهم العودة. لقد ساروا أربعة أيام في الطرق – مسنين، وأمهات مع أطفالهن، وأولاداً. لقد قالوا إنه تم طردهم من كل مكان، وليس معهم طعام أو ماء”.
من مشاهد المحرقة في أوروبا
وحسب هذه المستندات والشهادات قال عضو الكيبوتس زئيف (زافن) بلوخ، في مذكراته عن الطرد: أناس يحاولون أن يحملوا أغراضهم القليلة معهم، وأطفال يبكون، وبالغون ومسنون يسيرون في صف طويل على مهل على طول الشارع… هذه المشاهد ذكرتني وذكّرت العديدين من بين جنودنا في الاحتياط في ذلك الوقت بأيام أخرى غير بعيدة، والتي شوهدت فيها عائلات يهودية بهذه الصورة تماماً وهي تسير في أوروبا المحتلة. كان من الصعب تجنب المقارنة، وانفطرت قلوبنا لدى رؤية هذه المشاهد.