الرئيسة \  تقارير  \  نيويورك تايمز :الأكرانيون أولى بتقرير مصيرهم

نيويورك تايمز :الأكرانيون أولى بتقرير مصيرهم

22.01.2022
أليونا غيتمانشوك


*خدمة “نيويورك تايمز”
الشرق الاوسط
الخميس 20/1/2022
إنه لأمر مخزٍ أن تغيب أوكرانيا إلى حد كبير عن المحادثات التي جرت الأسبوع الماضي بين الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين والروس، خصوصاً أن مستقبلنا على المحك. وقد تأتي تساؤلات كييف مباغتة للغاية.
إن بلادنا لا تنعم بالأمل في مُنقذ غربي أو عملية إنقاذ من جانب حلف الناتو في مواجهة الغزو الروسي. بل ما نريده من شركائنا الغربيين الذين يشاطروننا رغبتنا في تكوين ديمقراطية حقيقية خالية من الاستعباد الروسي هو المساعدة في التأهب للحرب، وبالتالي قد تسنح لدينا الفرصة إذا أقدمت موسكو على غزو بلادنا.
وبينما نقدر - نحن الأوكرانيين - أن الزعماء الأميركيين يبذلون قصارى جهدهم في قول “لا شيء بشأن أوكرانيا من دون أوكرانيا”، فإن هذا لا يحدث على وجه الدقة. فغالباً ما يخيم مناخ من الصمت المطبق على أصواتنا في خضم التواترات البلاغية المتبادلة بين الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، وروسيا.
لكي نكون واضحين: فالمحادثات لا يمكن وصفها ببساطة “محادثات” عندما يكون هناك سلاح مسدد إلى رأسك. وهذا ما يحدث معنا في أوكرانيا الآن.
وبينما كانت المحادثات تجري في جنيف وبروكسل، شرعت روسيا في نقل المروحيات العسكرية إلى الحدود الأوكرانية، وانخرطت في تدريبات عسكرية جديدة في المناطق الروسية المجاورة لأوكرانيا. وجاء هذا بعد حشد موسكو لنحو 100 ألف جندي على الحدود، ويقال أنها تنقل أيضاً المعدات العسكرية والأفراد إلى الحدود من أجزاء أخرى من روسيا.
وسواء قام بالغزو أو لا، فنحن نعلم أن الرئيس فلاديمير بوتين يستخدم حشد القوات على الأرجح لإرغام أوروبا والولايات المتحدة في نهاية المطاف على إعادة التفاوض بشأن توازن القوى في القارة.
لكننا لسنا كرة قدم سياسية. ويتعين على زعماء الغرب أن يتذكروا أن الضحية الحقيقية في هذه القصة هي أوكرانيا. ومن المثير للقلق أن المحادثات تهدف ظاهرياً إلى معالجة المخاوف الأمنية لروسيا، الجانب المعتدي، حتى وإن كان ذلك يأتي على حسابنا أولاً. يجب على القادة الغربيين أن يتجنبوا موقفاً تكون سبل الحوار فيه أكثر من سبل ردع روسيا - وهذا هو الموقف الراهن.
مما لا شك فيه أن الدبلوماسية تشكل أهمية بالغة، ونحن جميعاً ندرك كيف تدير السياسة الواقعية الاستعراض الدبلوماسي في الغالب. ولكن من السذاجة أيضاً افتراض أن روسيا سوف تتفاوض بحسن نية. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، اتهمت موسكو بإرسال المخربين إلى شرق أوكرانيا لترتيب حادثة يمكن أن توفر لبوتين ذريعة الغزو.
لذا، كان يجب أن تترافق المحادثات مع إجراءات واضحة لتعزيز قدرة أوكرانيا على الصمود، مثل تقديم المساعدات الأمنية والعسكرية الإضافية، لا سيما تعزيز قدرات الدفاع الجوي.
لا تطالب أوكرانيا الغرب بالدفاع عنها، بل تطلب المساعدة في الإعداد لهذه المعركة من خلال تعزيز قدراتنا العسكرية. فضلاً على ذلك، فإن أفضل طريقة للدفاع عن أوكرانيا تتلخص في الدفاع عن المبادئ والقيم الغربية، بما في ذلك مبدأ “لا مجال للنفوذ” الذي يمنع الدول الكبرى من السيطرة على جيرانها وسياسة “الباب المفتوح” التي ينتهجها حلف الناتو، التي تتلخص في الترحيب بالمتقدمين الجدد للانضمام إلى الحلف. وينبغي استمرار التعاون الوثيق بين أوكرانيا والحلف - مثل التدريبات العسكرية التي تعزز قدرة الجيش الأوكراني على العمل مع الدول الأعضاء في حلف الناتو، وتُذكّر روسيا أيضاً بأن أوكرانيا ليست بمفردها.
ورغم تفهمنا للمناقشة الدائرة بشأن المخاطر المترتبة على قبول أوكرانيا في عضوية حلف الناتو، فلا بد أيضاً من عقد مناقشة بين الدول الأعضاء في الحلف بشأن المخاطر المترتبة على التقاعس عن ذلك. فعرقلة انضمام أوكرانيا قد يعطي روسيا تصوراً بأنها تملك حق النقض (الفيتو) في حلف الناتو، أو ربما تستفيد من التحريض على النزاعات في البلدان الأخرى الساعية إلى الانضمام للحلف. تلك هي تساؤلاتنا. وفي هذه الأثناء، نحن نستعد للأسوأ.
حتى وقت قريب للغاية، أظهرت استطلاعات الرأي أن الأوكرانيين كانوا إلى حد كبير يخشون ارتفاع فواتير الخدمات والمرافق وتدهور الاقتصاد، وأقل من النصف كان يقول إن الحرب ممكنة. ذلك لأنه بعد نحو 8 سنوات من عدوان الرئيس بوتين، اعتاد الأوكرانيون (للأسف) على استخدامه الناجح لتكتيك جلجلة السيوف للدعوة إلى المفاوضات مع الغرب بشروطه الخاصة.
لكن الآن أصبح الأوكرانيون مشغولين على نحو متزايد باحتمالات حدوث غزو جديد، فهم لا يعتقدون أن المحادثات مع بوتين ستكون مثمرة، ما يعني أن روسيا سوف تعد العمل العسكري هو السبيل الوحيد لإعادة أوكرانيا إلى مجال النفوذ الروسي. ويتردد صدى هذه المخاوف في عملي بمركز الأبحاث هنا، وفي محادثاتي مع الأصدقاء والعائلة.
وليس من المستغرب أن يكون أحد المواضيع الشائعة هذه الأيام هو كيفية الانضمام إلى وحدات “المقاومة” المدنية لاستكمال المؤسسة العسكرية في حالة الغزو. وهناك لوحات إعلانية في كثير من المدن الأوكرانية وعلى الطرق السريعة تحث الناس على الانضمام إلى صفوفهم، مع وجود رقم هاتف للتجنيد. ورأيت تعليقات على “فيسبوك” تعكس ضرورة ما يسمى حقيبة الطوارئ من الأشياء الأساسية للاحتفاظ بها عند بدء الغزو.
حتى كييف، التي عدت ملاذاً آمناً تقريباً، بعيداً عن الحرب في الشرق وفي شبه جزيرة القرم المحتلة، أصبحت على حافة الهاوية بسبب المخاوف من غزو بوتين لأوكرانيا.
تهيمن تطورات المحادثات الدبلوماسية على أخبار المساء، وتنشط المحادثات على “فيسبوك”. وكما أظهر أحد استطلاعات الرأي، فإن أغلبية الأوكرانيين مقتنعون بأن بوتين سيواصل إيلام أوكرانيا حتى لو تخلت عن آمالها في الانضمام إلى حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي في المستقبل.
يتعين على زعماء الغرب في طاولة المفاوضات تذكّر أن الأوكرانيين يستحقون امتلاك المقدرة على تخطيط حياتهم وفقاً لأحلامهم، وليس وفقاً لرغبة بوتين الاستعمارية، وأن فشل أوكرانيا لن يكون فقط نصراً لنظام بوتين، بل أيضاً صدمة للديمقراطية العالمية.
- خدمة “نيويورك تايمز”