الرئيسة \  مشاركات  \  نماذج فريدة ، من السيادة

نماذج فريدة ، من السيادة

15.04.2018
عبدالله عيسى السلامة




حلّ رجل حضري ، ضيفاً على أحد زعماء القبائل في البادية ، فبالغ القوم في إكرامه والحفاوة به. وحين أوى إلى فراشه ، لم يستطع النوم ، لعدم تعوّده على نوع الفراش ، ومشاهد البيئة البدوية المحيطة به ، والتي لم يألفها ..!
 وفي الصباح قام باكراً ، والناس نيام ، فكتب أبياتاً من الشعر،على قطعة كبيرة من الخشب، وانسلّ خارجاً من مضارب القبيلة ، مبتعداً عنها .
حين أفاق أصحاب البيت ، لم يجدوا الضيف ، ووجدوا الأبيات .. فقرأها بعضهم ، فاستبدّ بهم الغضب ، وأخذتهم الحميّة ، وهمّوا بركوب خيلهم ، للّحاق بالرجل ، والانتقام منه ، بسبب أبياته التي كتبها .
 وحين سألهم صاحب البيت ، زعيم القبيلة ، عن سرّ غضبهم وحميّتهم ، قرأ له أحدهم الأبيات، وهي :
مَن رامَ أنْ يَـلـقى تَباريحَ الكُـرَبْ           مِن نفسه فَـليأتِ أجْـلافَ العـرَبْ
يَـرَ الجِمالَ والجِـلالَ والخَـشَـبْ           والشَعرَ والأوبارَ.. كَـيفَـما انقـلَبْ
أسـرَقُ خَـلْـقِ الله .. عنْ أمّ وأبْ           وأخْـشَنُ الناسَ، وأخْزى مَن نَهَـبْ
 تألم الشيخ لسماع الأبيات ، وجحود الرجل ، الذي حظي بإكرام بالغ ، فردّ على الجميل ، بهذا السلوك القبيح . لكن الشيخ كتم ألمه في نفسه ، وقرّر أن يبادر إلى معالجة الموقف بحكمة ، كيلا يلحق رجاله بالضيف ويؤذوه .. فقال للرجال : هل أنتم متأكّدون من أنكم قرأتم الأبيات بشكل صحيح !؟ فقالوا له : نعم يا شيخ . وأعادوا له قراءتها ، كما قرأوها أوّل مرة . فتبسّم الشيخ ـ وكان شاعراً ـ وقال لهم بهدوء وثقة : لا لا.. أنتم أخطأتم في قراءة الأبيات، فهي لا تُقرأ هكذا !
فسأله أحدهم : وكيف تُقرأ يا شيخ؟ فقال الشيخ : تقرأ هكذا:
مَنْ رامَ أن يُـلْـقيْ تَباريحَ الكُـرَبْ           عَن نفسه ، فـليأتِ أخلافَ الـعَـربْ
يَـرَ الجَـمال ، والجَـلال ، والأدبْ           والشِعْـرَ، والأوتار .. كَيفما انـقـلَبْ
أشْـرفُ خـلْـقِ الله .. عن أمّ وأب           وأحسَنُ الناس ، وأجْـزَى مَنْ وهَـبْ
 فقالوا له : أهكذا تقرأ الأبياتُ ، يا شيخ ؟
فقال الشيخ : نعم ، هكذا ! ولكنكم تسرّعتم في قراءتها ، وظلمتم ضيفكم ، وكدتم تتبعونه كي تؤذوه ، وهو لم يقل بحقّنا ، إلاّ خيراً .
فجمعَ الشيخُ الحكمة ، مع كرم اليد ، وكرم النفس .. وأكرم ضيفه بداية ، وحفظه من الانتقام على سوء فعله ، في النهاية ! فكم نظيراً ، له ، اليوم ، في أمّة العرب ، بادية وحاضرة !؟