الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نقاط وبعض حروف في ما خصّ علاقة الجولان المحتل بالسويداء

نقاط وبعض حروف في ما خصّ علاقة الجولان المحتل بالسويداء

28.06.2020
حسان شمس



القدس العربي
السبت 27/6/2020
الأمر غير الطبيعي؛ هو ألا يتفاعل أهالي الجولان المحتل مع ذويهم في جبل العرب. فما يربط الجولان بالسويداء ليس الانتماء المذهبي وحسب، إنما قرابات مِن الدرجة الأولى:
أبناء وأخوة وأعمام وأخوال وعلاقات مصاهرة ونسَب وصداقات، منها ما قبل الاحتلال عام سبعة وستين، وأُخرى جاءت بعد ذلك بفعل الاحتكاك الناتج عن زيارات بعض الأهل مِن الشق المحتل إلى الوطن، التي تنظّمها قوات الأمم المتحدة العاملة في الجولان "أوندوف"، والطلبة الجولانيين الدارسين في جامعة دمشق منذ منتصف سبعينيات القرن المنصرم.
بعض أهالي الجولان المحتل أو قُل جلّهم، يحفظون تاريخ السويداء عن ظهر قلب ومواكبون لأدق تفاصيل حاضرها، بفعل ما وفّرته وسائل الاتصال الحديثة والتواصل الاجتماعي، سيّما منذ اندلاع الثورة في آذار- مارس2011.
 
التجييش الطائفي والمذهبي
 
يعلمون ما حلّ بأهل الجبل على يد نظام البعث مِن اغتيالات وتهميش وتفقير وتهجير، مِنذ أيام عبد الكريم زهر الدين وسليم حاطوم وفهد الشاعر ومنصور الأطرش، ثم خَصي مَن سَيَّدَهم نظام الأسد ودفعَ بهم إلى سُفرة سُلطته الصورية وواجهتها، وصولاً إلى اغتيال شيخ العقل أحمد الهجري في آذار-مارس 2012، ثم "شيخ الكرامة" وحيد البلعوس في أيلول- سبتمبر2015، ومحاولات تنكيل النظام الدؤوبة بهم وإرهابهم، سواء بالأصالة أم بالوكالة عن طريق "الدواعش" تارة أو إثارة الأحقاد والضغائن مع جيرانهم في درعا تارة أخرى.
نظام الأسد يدرك منذ البداية مكنونات العلاقة التي تربط أهالي الهضبة السورية المحتلة بذويهم في السويداء وريف دمشق وجبل الشيخ، لذا فإنه لم يوفّر منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة حيلة في تجييشه الطائفي والمذهبي بين شرقي الشريط المحتل وغربه، لا بل قبل ذلك حاول أيام انتفاضة الاستقلال في لبنان، عام 2005 وبعدها، شد العصب المذهبي لأهالي الجولان المحتل ضد الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، عبر أذنابه، ممّن هم على شاكلة المير طلال أرسلان و"الفتنة المتنقلة" وئام وهّاب وكذلك الأسير المحرّر سمير القنطار.
مَن لهُ ذاكرة جيّدة وعلى بيّنة مما يحدث على الساحة الجولانية المحتلة، لا يحتاج لأي جهد لرصد أنّ الجهة التي حاولت دائماً العبث واستخدام أدوات التخريب الطائفية والمذهبية لدرجة فاقت حتى ما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي، في هذا المضمار، هو النظام السوري وليس أحد سواه.
ظاهرة كثافة رفع "أعلام درزية"، على سبيل المثال لا الحصر، التي شهدتها مسيرات تابعية النظام في الجولان المحتل، طيلة سنوات الثورة، خير دليل، والتي لم تعرفها ساحة الجولان السوري منذ ما يربو على نصف قرن مِن الاحتلال الإسرائيلي، ورغم كل ما بذله الأخير مِن جهود لـ "تدريز" أهالي الهضبة المحتلة وشد عصبهم الطائفي والمذهبي وعزلهم عن أبناء جلدتهم العرب؛ لكن نظام الأسد فَعلها!
ما شهدته وتشهده محافظة السويداء، منذ تظاهرة المحامين ضد النظام – أياماً قليلة بعد اندلاع الثورة في آذار- مارس 2011 – وصولاً لامتناع ما بين 40-50 ألفاً مِن شبانها عن الالتحاق بجيش النظام وقتال أهلهم في المحافظات الأخرى، ثم التضييق والتكالب المفضوح والتآمر على تحييد أهلها وكتم حراكهم وصوتهم، سواء مِن نظام الأسد نفسه أم مِن الجهات والدول العربية والإقليمية التي سعت منذ اللحظة الأولى لتطويق الثورة وإجهاضها، عبر أسلمتها وتسليحها، وانتهاء بالحراك الذي اشتعلت جذوته منذ أيام في تلك المحافظة، كل ذلك لا يغيب عن بال الكثيرين في الجولان المحتل الذين يراقبون عن كثب ما يحصل داخل وطنهم السوري وبضمن ذلك السويداء.
أمّا أنْ يعمد مجموعة صبايا وشباب قبل أيام لتنظيم اعتصام دعماً "لحراك السويداء وباقي المحافظات" دون التنبّه أنّ ذلك قد يُفسّر مِن آخرين، سواء مِن أصحاب النوايا الحسنة أم السيئة، على أنه لدوافع مذهبية، ثم ليشطح البعض، وبضمنهم إعلاميون ووسائل إعلام، في مخيالهم لدرجة يعتبرون فيها أنها المرة الأولى التي يخرج في الجولان المحتل حراك ثوري ضد نظام الأسد؛ ففي ذلك غبن وحيف وتحريف وجهل ما بعده جهل.
 
ساحة الشهداء
 
بصرف النظر أنّ القيّمين على وقفة التضامن والمشاركين فيها، التي شهدتها "ساحة الشهداء" في مجدل شمس المحتلة السبت المنصرم، فاتهم أنّ توقيت تضامنهم يمكن ويحق لأي كان تفسيره أنه جاء بفعل حراك السويداء (يُغذّي هذا الاستنتاج أنّ آخر حراك ثوري عام وجماهيري في الجولان المحتل كان نهاية عام 2013)، إلا أنه ليس لأحد الحق في الادعاء، سواء عن طيب نية أو خبث أو عن جهل، أنها المرة الأولى التي يخرج فيها أهالي الجولان "نصرة لثورة شعبهم"، أو أنّ الوقفة التضامنية ما كانت لتتمّ لولا حراك الأهل في السويداء.
لقد كان حضور الجولان السوري المحتل وأهله واضحاً صارخاً وعلى رؤوس الأشهاد منذ الأيام الأولى لانطلاق ثورة شعبهم. ففي 24 آذار-مارس 2011، وقّع أكثر مِن تسعين شابة وشاب جولاني بياناً تحت عنوان "أنتم الصوت ونحن صداه"، أعلنوا فيه بالفم الملآن أنهم جزء لا يتجزأ مِن ثورة شعبهم، نقلته وكالة "فرانس برس" ومئات وسائل الإعلام.
كما أن العشرات منهم وأحياناً المئات استمروا بتنظيم اعتصامات سلمية في كل يوم جمعة وعلى اسم الجُمَع التي كان يعتمدها الثوار، وذلك حتى نهاية آب-أغسطس 2013.
كاتب هذه السطور كان، منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية، في قلب الحراك الثوري الجولاني ومواكباً له وشاهداً على أدقّ تفصيل فيه.
مِن بين القضايا التي حازت دوماً على إجماع مطلق في كل النقاشات التي كانت تدور بين أهل الثورة في قرى الجولان المحتل، هو عدم تمكين حتى مُحترفي الصيد بالمياه العكرة – وبأي شكل أو زمان ومكان – مِن ربط حراك الجولانيين في الشق المحتل بحراك ذويهم في السويداء وجبل الشيخ، والحفاظ على استقلالية القرار الجولاني وجعله صدى لكل صوت ثوري على مساحة الوطن جمعاء مِن أقصاه إلى أقصاه، وهذا ما تم حقّاً وحقيقة.
بقي أن أقول، إنه رغم كل ما تقدّم ذكره عن الروابط التي تجمع أهالي القرى السورية المحتلة بذويهم في جبل العرب، ورغم كل الجهود التخريبية الجبارة التي بذلها نظام الأسد في هذا المضمار لتسهيل إحكام قبضته وتنفيذ أجنداته القذرة على الساحة الجولانية المحتلة، رغم كل ذلك لم يسبق أنْ كانت مرجعية أهالي الجولان، لا الروحية ولا الزمنية، في السويداء أم في غيرها مِن مناطق التواجد الدرزي في سوريا.