الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نظام التعايش القلق في الشرق الأوسط

نظام التعايش القلق في الشرق الأوسط

15.05.2018
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 14/5/2018
منذ أن انتهت منظومة الأمن والاستقرار القديمة في الشرق الأوسط، بعد أن هزّ ما يسمى "الربيع العربي" عدداً من البلدان، وتباينت مصالح ومواقف الدول الإقليمية منه، غابت مع نهاية النظام القديم ملامح التوافق على مشتركات لإعادة البناء، فقد كان زلزال التغيير في المنطقة فرصة سانحة لبعض دول الإقليم من أجل مدّ نفوذها، وتوسيع رقعة سيطرتها المباشرة، معتمدة على متغيّرات طالت النظام الدولي.
اعتمدت منظومة الأمن والاستقرار القديمة على الدور الأمريكي في ضبط مجمل المنظومة، وعدم السماح للتناقضات أن تتحوّل إلى مواجهة بين الدول، وكان للتحالف التقليدي بين الولايات المتحدة ودول الخليج دور كبير في ذلك التوازن الذي حظي به الشرق الأوسط، وقد أحدث الرئيس أوباما شرخاً في العلاقات التقليدية بين بلاده ودول الخليج، فقد فضّل الوصول إلى اتفاق مع إيران على برنامجها النووي، بدلاً من الإبقاء على علاقات راسخة وتاريخية مع الحلفاء الخليجيين.
أثبت توجه أوباما نحو تخفيف التوتر مع إيران على حساب الخليج أنه توجّه غير مدروس، ومضر بتوازنات المنطقة، فإيران لم تستفد من الاتفاق بالالتفات نحو الداخل، وإعادة بناء الاقتصاد الإيراني، وتحسين شروط المعيشة لسكانها.
هل كان بالإمكان التعايش مع التوسّع الإيراني في المشرق العربي؟ وهل بإمكان الدول الرئيسية في الشرق الأوسط السماح للنفوذ الإيراني بالتمدد إلى ما لا نهاية؟ وهل يمكن توقع المدى الزمني للفوضى التي ستعم الإقليم في حال حدوث مواجهة مباشرة بين واحدة من الدول الإقليمية أو أكثر مع إيران؟.
إن تخلي إدارة أوباما عن الشرق الأوسط وأزماته، والتعاطي مع منظومة الأمن والاستقرار بانتهازية وتجريبية، دفع دول المنطقة أيضاً لتمارس سياسات تجريبية، وجعلها تنخرط بشكل أكبر في الصراعات الموجودة، حتى من دون وجود حسابات دقيقة حول الجدوى من تلك السياسات، وتراجع العمل الديبلوماسي إلى أدنى حدوده.
في هذا السياق الحدّي والخطير، تتحمّل إيران مسؤولية كبيرة، فهي ترى في تعايشها مع الفوضى في العراق وسوريا تفوّقاً على خصومها الإقليميين، لكن هذا "التفوّق" هو أحد الأسباب الرئيسية المباشرة في هدم أي آمال في إعادة بناء منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة، بل وفتحها من جديد أمام تدخل القوى العظمى، فساحة الشرق الأوسط تبدو لتلك القوى المسرح الأمثل لخوض مواجهات منخفضة التكلفة، بل واستخدام قوى إقليمية في صراعها.
لقد عوّل أطراف الصراع في الشرق الأوسط على انتصارات ساحقة، وقبلوا بصيغ تعايش مؤقتة، ريثما يكون بإمكانهم إحداث فوارق نوعية، يقومون بتثبيتها في منظومة أمن واستقرار جديدة، تضمن لهم حالة من التفوّق لعقود مقبلة، لكن هذا التعويل ما هو إلاّ مجرد وهم كبير، إذ لا يمكن لأي طرف من الأطراف إحراز انتصار ساحق من دون مساندة قوى دولية، وهو ما يعني فعلياً تقديم تنازلات هائلة لتلك القوى، وهي تنازلات ستجعل من نتائج أي انتصار تذهب لمصلحة القوى الدولية، وليس لمصلحة دول الإقليم.
لقد بات واضحاً، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران، ومع استمرار إصرار القيادة الإيرانية على الاستحواذ على المشرق العربي، أن صيغة التعايش القلق في طريقها إلى الزوال، وأننا سندخل مرحلة جديدة، بسيناريوهات محدودة، تحتاج إلى تقديم تنازلات من جميع الأطراف، وإلا فإنه سيكون من الصعب التكهن بمستقبل المنطقة ومآلات دولها خلال العقد المقبل.