الرئيسة \  مشاركات  \  نظام الأسد بين الإنكسار والانتصار

نظام الأسد بين الإنكسار والانتصار

12.09.2017
د. محمد أحمد الزعبي




أولاً ، بين الإزالة والإزاحة :
يمكن لنا هنا أن نضرب عصفورين اثنين بحجر واحد ، بمعنى أن نحدد مضمون المفهومين الانتصار والانكسار ( المذكورين في عنوان هذه المقالة ) ، من خلال ربطهما بمفهومين سوسيلوجيين آخرين ، أكثر وضوحاً وأقل تشاكلاً وإشكالاً هما مفهوما الإزالة والإزاحة
 فإزالة نظام عائلة الأسد مثلاً تقتضي ليس فقط أن يحمل بشار الأسد زوجته وأبناءه والمتنفعين والمتنفذين من عائلته على كتفيه ويرحل إلى حيث ألقت ... ، وإنما تقتضي تدمير وإزالة الأسس والأعمدة التي ارتكز ويرتكز عليها هذا النظام ،ألا وهي " الطائفية " بعناصرها ومستوياتها الثلاثة ( العسكري ، والأمني ، والسياسي ) ، أو بتعبير آخر ، إزالة العناصر والأسباب التي سمحت لعائلة الأسد أن تحكم وتتحكم بمصير الشعب السوري من عام ١٩٧٠( إن لم يكن قبل ذلك ) وحتى يومنا هذا ، سواء بنفسها ( حافظ وبشار ) أو بغيرها ( إيران وحزب الله وروسيا ) . أما الإزاحة فتقتضي ، إزاحة ذلك المثلث الطائفي ( السياسي ، العسكري ، الأمني ) إيّاه عن طريق الممارسة الديموقراطية للشعب بكل مكوناته الاجتماعية ، الأكثرية منها والأقليات ، بحيث يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وهو مايتمثل اليوم بالمطلب الشعبي الذي بات معروفاً ب (جنيف1) أي بتشكيل " هيئة حكم سياسية كاملة الصلاحية " ينزاح بواسطتها كابوس الطائفية عن كاهل وصدر الشعب السوري ، ويسمح بعودة الحياة الديموقراطية الحقيقية والسلمية إلى " الجمهورية العربية السورية " ولاسيما ، التعددية بكل أبعادهما السياسية والاقتصادية والثقافية ، ولايهم بعدها ، ووفق هذا المفهوم ل " الإزاحة " من يرحل ومن يبقى من عائلة الأسد ونظامها وبمن فيهم بشار الأسد نفسه .
إن العصبية والعنصرية بمختلف أشكالهما وأنواعهما ودرجاتهما(الطائفية، القبلية ، الجهوية المذهبية ، القومية. ، العنصرية ... الخ ) هي مفسدة للحياة الديموقراطية في المجتمعات البشرية كلها ، وبما فيها المجتمع السوري ، بل إنها( العصبية) المرض الخبيث الذي يتوقف التطور الديموقراطي الحقيقي في مجتمعاتنا العربية ومنها مجتمعنا السوري، والقائم على مبدأ المواطنة على استئصاله من جذوره . إن مفهوم ال " إزاحة " يتعادل ويتكافؤ ، واقع الحال ، مع مفهومي " الحرية والكرامة " اللذين كانا منذ اليوم الأول لثورة آذار ٢٠١١ المجيدة هما المنطلق الجوهري والأساسي والأخلاقي لهذه الثورة ، كما ويتعادل ويتكافؤ أيضاً مع شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " الذي اقتضته وتقتضيه الممارسة العملية الثورية بوصفه ( إسقاط النظام) الممر الإجباري والذي لاغنى عنه للوصول إلى شاطئ الحريّة والكرامة المنشودين .
 
إن اعتمادنا في تحديد الإشكالية التي تعاني منها ثورة 18 آذار 2011 السورية على مفهوم " الإزاحة " بدلاً من " الإزالة " فلأنه يبقي الأبواب والنوافذ والمنافذ مفتوحة بين الرأي و الرأي الآخر ، ويضع شعار أن " الخلاف في الرأي لايفسد للود قضية " موضع التطبيق العملي . ولا أراني بحاجة هناإلى أن أشير إلى الفارق الفعلي بين مفهومي الخلاف والاختلاف في الرأي ، من حيث أن المفهوم الأول ( الخلاف في الرأي ) هو الذي لا تفسد معه قضية الود ، وهو مالا ينطبق على المفهوم الثاني (الاختلاف في الرأي ) الذي يمكن أن يفسد معه ود هذه القضية ، كما نراه نحن من جهتنا .
إن انتصار ثورة آذار ٢٠١١ لابد أن يعني نظرياً وعملياً ، رسوخ مفاهيم مثلث : المواطنة والعدالة والحريّة بعد ( إزالة أو إزاحة ) النظام ، بينما يعني الانهزام والانكسار ، غياب هذا المثلث الذهبي ،عن أجندا المعارضة ، بعد غياب / سقوط النظام .
 
ثانياً ، بشار والانتصار السريع في الرقة ودير الزور :
مع دخول الثورة السورية شهرها الثامن والسبعين ( 78) في الفاتح من سبتمبر 2017 ، بدأت تتوالى تصريحات بعض رؤساء الدول العظمى ، وممثلهم السيد دي مستورا ، عن أن رحيل الأسد ، وبالتالي " انتصار الثورة " لم يعد شرطاً لحل الأزمة السورية لأن هذا الإنتصار بات أمراً يصعب تحقيقه ، ومن الأفضل بالتالي تجاوزه . ولكي يصبح كلام هؤلاء الرؤساء الكبار (وممثلهم ديمستورا) مسموعاً ومقبولاً ، ويمكن تمريره على المعارضة ، فإنهم غالباً ما كانوا يشيرون إلى صعوبة إن لم يكن استحالة الحسم عند " الطرفين " وليس عند طرف واحد فقط (!!). إضافة إلى أن هذه الدول العظمى تدعي أنها منشغلة هذه الأيام بتنظيف منطقة " الشرق الأوسط "، وخاصة سوريا والعراق ، من فيروس" داعش " ،الذي يعرف القاصي والداني من زرع هذا الفيروس في قلب سوريا ، بل في قلب الأمة العربية ، ولماذا زرعه (!!).
إن الانتصارات التي حققها عبادي بغداد في العراق، والأخرى التي يحققها هذه الأيام ( أخيه شهاب الدين !! ) في سوريا عامة وفي الرقة ودير الزور خاصة ، تسمح لنا بأن نطرح التساؤل التالي : ترى من يقاتل من ، ومن ينتصر على من في العراق وسوريا ؟؟ بعد أن " ذابت الثلجة وبانت المرجة " في العلاقة بين داعش ومن يدعون كذباً أنهم خصومها . وحول هذا الموضوع أروي للقارئ الكريم الحكاية التالية التي سمعتها بنفسي من أشخاص ثقاة من معارفي :
حدثني" فلان " ( وهو ضابط كبير في جيش بشار ) قال : كنت أسير في أحد شوارع دمشق ، وإذ بصوت يناديني من الخلف صائحاً ( سيدي ، سيدي ) ، تطلعت إلى الوراء ثم توقفت بانتظار وصول هذا المنادي ، وعندما وصلني كانت المفاجأة في أنه أحد جنود قطعتي العسكرية ، ولكن بلباس داعشي ، وبلحية داعشية (!!)، استوضحت منه ( وهو المسيحي مثلي ) عن سبب تنكره هذا ، فأجابني بأنه الآن يعمل كقائد سرية داعشية (!!) بتكليف من أحد رؤسائه .
 إذن هذه هي داعش ، وهذه هي وظيفتها في سوريا ومن ضمنها الرقة ودير الزور ، عندها أدركت ( والكلام للكاتب ) لماذا استغرق تحرير الفلوجة والموصل في العراق أكثر من سنة ، بينما لم ولن يستغرق " تحرير!!" الرقة ودير الزور في سورية أكثر من بضعة أسابيع ، إن لم أقل بضعة أيام . إنها مسرحية ، باتت معروفة المنتج والمخرج والممثلين ، هذا مع العلم أن الكاتب لا يستبعد أن يقتضي إخراج هذه المسرحية جز بعض الرؤوس ، وحلق بعض اللحى ، وتدمير بعض البيوت على رؤوس ساكنيها ، سواء في الرقة أو في دير الزور ، ذلك أن نجاح المسرحية ربما تطلب من أصحابها مثل هذا الثمن .