الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نصر الله نظير “سانا”

نصر الله نظير “سانا”

30.04.2019
إياد الجعفري


جيرون
الاثنين 29/4/2019
يومًا تلو الآخر، تتراجع براعة أمين عام “حزب الله”، في الإقناع، وتبهت كاريزميته، ليصبح على قدم المساواة مع مصداقية (سانا) وكالة أنباء النظام التي كان السوريون يشككون في النشرة الجوية الصادرة عنها، حتى قبل العام 2011.
أن ينفي حسن نصر الله احتمالية “الحرب مع إسرائيل” في الصيف، خلال خطابه الأخير، يبدو ذلك أمرًا مفهومًا، نظرًا لكون تلك الاحتمالية التي تهافتت عليها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، في الأيام القليلة الماضية، استندت إلى خبر غير معروف المصدر، نشرته صحيفة كويتية. أما أن يسحب أمين عام “حزب الله”، ذلك النفي، ليشمل به ما يُتداول من أنباء عن اشتباكات روسية – إيرانية في حلب ودير الزور، بسورية، فذلك ما يبدو أنه انحدار ملحوظ في مستوى أداء رجلٍ سياسي، لطالما عُرف بمهاراته الخطابية.
وإن كان أمين عام “حزب الله” قد تطرق إلى نفي تلك الاشتباكات، بالإشارة إلى أنها ترويج من جانب قناة (العربية) السعودية، فإنه تجاهل، بشكل غير موفق، عشرات المواقع والصحف التي تحدثت عن التوتر الميداني الإيراني – الروسي، على مدار الأشهر الثلاثة السابقة، وبعضها مواقع روسية، وإيرانية أيضًا.
ومن الممكن الإشارة إلى أسماء بعض الصحف والمواقع الروسية التي أشارت إلى ذلك الصراع، بصفته الميدانية، ومنها، صحيفة (نيوز.ري)، وصحيفة (نيزافيسيمايا غازيتا)، وكذلك صحيفة (الكرملين)، وموقع (Lenta.ru)، وصحيفة (سفابودنايا براسا). فضلًا عن عشرات التقارير في الصحافة العالمية. هذا إن تجاهلنا تمامًا المصادر المحلية المتواترة التي تتحدث يوميًا عن تطورات التوتر الإيراني – الروسي.
وبعيدًا من الجدل حول وجود مصادر إعلامية موثوقة تؤكد المعلومة، فإن التحليل السياسي الذي يعتمد على منهج الإسقاط التاريخي، ومنهج دراسة الحالة، يرجح اتساع هوة التباينات الإيرانية – الروسية في سورية، نظرًا لما يمكن أن نسميه الانحلال التدريجي للمصالح المشتركة، كنتيجة لتباين الرؤى والأجندات، وكذلك الثقافة الأيديولوجية.
وإذا راجعنا تاريخ العلاقات الإيرانية – الروسية، خلال العقد الأول من القرن الحالي، فإننا نلحظ أمثلة عديدة تثبت أن روسيا لا تنظر إلى إيران، كحليف، وإلا لما كانت شريكًا في إصدار قرارات دولية تفرض عقوبات أممية على إيران، بسبب برنامجها النووي والباليستي، وصل عددها إلى 4 قرارات دولية، بدءًا بالقرار الدولي رقم 1737، عام 2006، الذي تم تشديد العقوبات فيه، من خلال نسخة أخرى، في كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه، مرورًا بقرار آخر وسّع قائمة المُعاقبين إيرانيًا، في العام 2007، وليس انتهاءً بالقرار الصادر عام 2008، الذي تضمن تجميد الأصول والحسابات المصرفية الإيرانية في الخارج.
سلسلة القرارات المشار إليها آنفًا، شاركت فيها روسيا، كأحد المُصوتين بالموافقة، وكان ذلك في عهد حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي مرحلة كان يتم فيها الترويج لمحور “شرقي” يضم روسيا والصين، إلى جانب “محور الممانعة” (إيران وسورية وحزب الله اللبناني). وعلى الرغم من صراعها مع الغرب في ملفات، من أبرزها دعم الولايات المتحدة الأميركية للثورات الملونة على حدودها، كانت روسيا شريكة للغرب، في فرض ضغوط إضافية على إيران، بخصوص ملفها النووي، خلال السنوات العشر الأولى من القرن الحالي.
وبناء على ما سبق، يصف المؤرخون العلاقات الإيرانية – الروسية، خلال العقد الماضي، مرورًا بتطوراتها في العقد الحالي، بأنها “شراكة الضرورة”. ويرفض معظم المؤرخين وصفها بأنها “تحالف”. حتى إن مسؤولين روسيين رفضوا، علنًا، وصف علاقة بلادهم بإيران، على أنها “تحالف”. كما حدث قبل أسابيع، حينما رفض نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، وصف إيران بـ “الحليف”، ردًا على سؤال بهذا الخصوص في أثناء مقابلة مع قناة (سي إن إن) الأميركية. وهو ما فعله أيضًا، السفير الروسي في طهران ليفان جاغاريان، حينما وصف إيران بـ “شريك استراتيجي” لروسيا، وليس حليفًا.
تصريحات المسؤولين الروس جاءت في أعقاب اتهامات وجّهها إلى روسيا، رئيس “لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية” في البرلمان الإيراني “حشمت الله فلاحات بيشه”، مشيرًا إلى أن موسكو منعت استخدام نظام (إس 300) الصاروخي، خلال هجمات للطيران الإسرائيلي على مواقع إيرانية بسورية، مؤخرًا.
وما بين اتهام البرلماني الإيراني لروسيا، ونفي حسن نصر الله للاشتباك معها، مرت أسابيع قليلة فقط، جرت خلالها مياه كثيرة، أبرزها تعزيز العقوبات الأميركية على إيران، مع عدم تمديد الإعفاءات الخاصة بشراء النفط الإيراني، وهو ما يعني تزايد الحاجة الإيرانية إلى الغطاء الروسي. حاجة يتشارك فيها النظام أيضًا، الذي منح ميناء طرطوس للروس، في الوقت نفسه الذي نفت فيه وكالة الأنباء الرسمية التابعة له (سانا) أنباء الاشتباكات في حلب ودير الزور.
يقول بعض المراقبين إن النفي في عالم السياسة هو تأكيد. وإن كانت هذه القاعدة لا تصح دائمًا، إلا أنها في حالة النفي الصادر عن حسن نصر الله، و(سانا)، بخصوص الاشتباكات الإيرانية – الروسية في سورية، تبدو صالحة تمامًا للتوصيف.