الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فنزويلا أكثر من سوريا جديدة لموسكو بل كاستعادة ألاسكا

فنزويلا أكثر من سوريا جديدة لموسكو بل كاستعادة ألاسكا

03.04.2019
حسين مجدوبي


القدس العربي
الثلاثاء 2/4/2019
تراجع الاهتمام الإعلامي بالملف الفنزويلي، لكنه يستمر ضمن الملفات الجيوسياسية التي بدأت ترسم ملامح خريطة جديدة، بشأن الحرب الباردة التي تتخذ كل مرة معالم واضحة، إلى مستوى أنها تحولت بالنسبة لروسيا إلى مثابة "استعادة ألاسكا" التي باعتها في القرن التاسع عشر ضمن أغبى الصفقات التاريخية.
واهتم العالم بالملف الفنزويلي بكثافة، عندما أعلن رئيس الجمعية العامة (البرلمان) خوان غوايدو نفسه يوم 23 يناير الماضي رئيسا لفنزويلا، بدل الرئيس المنتخب نيكولا مادورو. وسارع عدد من عواصم العالم، خاصة الغربية مثل واشنطن ولندن وباريس وبرلين إلى الاعتراف به، علاوة على الأنظمة المحافظة في أمريكا اللاتينية مثل، البرازيل وتشيلي والأرجنتين وكولومبيا. وكان الرأي السائد هو بداية نهاية النظام اليساري، الذي أقامه الرئيس الراحل هوغو تشافيز، وبالكاد يحافظ عليه مادورو. وكان الاعتراف يرمي الى إحداث الصدمة لدى الفنزويليين، وجعله منعطفا سياسيا يمهد لتغيير سياسي جذري، بالتخلي عن اليسار واعتناق الفكر المحافظ بحكم موالاة غوايدو للولايات المتحدة.
ولكن التغيير السياسي لم يحدث في هذا البلد الأمريكي اللاتيني، وتحولت فنزويلا للعنوان الثالث للحرب الباردة، وكان الملف الأول هو الأوكراني الذي انتهى بضم موسكو لشبه جزيرة القرم، وتجلى الملف الثاني في سوريا، حيث أسفر التدخل الروسي عن تثبيت نظام بشار الأسد، والآن تجري أطوار الملف الثالث وهو فنزويلا. وهكذا، بعد سوريا، أصبحت فنزويلا الدولة التي تستقبل أكبر عدد من القطع الحربية الروسية سواء منها البحرية أو الجوية، ومن ضمن الأمثلة استقبالها خلال ديسمبر الماضي القاذفات الاستراتيجية تو 160. وهذا ما جعل البنتاغون يعرب عن قلق شديد، وبدأت المخططات التي قادت الى إعلان خوان غوايدو رئيسا مؤقتا للبلاد، في محاولة دفع الفنزويليين الى الثورة على النظام اليساري. لقد أدرك الغرب، خاصة واشنطن مخططات روسيا، ودخلت معها في مقامرة حول فنزويلا، وتعتبر المواجهة بمثابة سباق المسافات القصيرة، أي سيحسم في وقت وجيز. ووفق المؤشرات السياسية والعسكرية، ربما الغرب بصدد خسارة هذا الملف الثالث.
في هذا الصدد، لم ينتبه الغرب الى مدى تشبث روسيا بدعم من الصين، بعقيدتها الجديدة في معالجة الأزمات الرئيسية المطروحة في العلاقات الدولية، وتتلخص في ما صدر عن زعيم الكرملين فلاديمير بوتين يوم 1 مارس 2018 بقوله "روسيا لا تتخلى عن أصدقائها". فلكي تكتسب مصداقية لدى حلفائها الحاليين، ومن ترغب في استمالتهم مستقبلا، عليها إقناعهم بعدم التخلي عنهم في وقت الأزمات الكبرى. وتترجم هذا سياسيا من خلال رفض تغيير الخرائط السياسية والأنظمة، عبر التدخل الخارجي والقوة. وهذا ما جعل بالفعل عددا من الدول تميل تدريجيا إلى الكرملين ومنها مصر وتركيا. ولعل صفقات الأسلحة هي معيار دال في هذا الشأن، وعلى رأسها الصفقة المثيرة للجدل ببيعها إس 400 إلى تركيا. وعلاقة بصفقات الأسلحة، جعلت روسيا فنزويلا تمتلك أحسن أسطول حربي جوي في كل أمريكا اللاتينية، مكون من طائرات سوخوي 30 ومن منظومة صواريخ إس 300، علاوة على صواريخ أخرى قصيرة المدى لكنها حاسمة. وهذا ما يجعل كل مغامرة عسكرية أمريكية مستبعدة بسبب كلفة الخسائر الغالية في العتاد والبشر. وفي ذروة تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتدخل العسكري في فنزويلا منذ أيام، ترسل موسكو مئة من الخبراء العسكريين الى هذا البلد، لتطوير قدرات ضباطه على استخدام صواريخ إس 300 وطائرات سوخوي 30.
أدرك الغرب، خاصة واشنطن مخططات روسيا، ودخل معها في مقامرة حول فنزويلا
وضمن إعادة انتشارها العسكري والبحث عن مواقع استراتيجية،  وعلى شاكلة سوريا، لا تعتبر فنزويلا دولة صديقة فقط، بل هي ذات أهمية قصوى في استراتيجية موسكو، وإذا كانت سوريا قطعة رئيسية في سياسة الكرملين العسكرية بالتواجد في البحر الأبيض المتوسط، ومحاولة التحكم فيه إذا استدعت الظروف السياسية الدولية، وهو ما يفسر لماذا تلتزم بدعم كبير للنظام الذي يتزعمه بشار الأسد، فقد تحولت فنزويلا الى مثال مشابه. في هذا الصدد، وضمن الحديث عن عودة الحرب الباردة وإعادة الانتشار العسكري، ثم تواجد الحلف الأطلسي على أبواب روسيا، تراهن هذه الأخيرة على جعل فنزويلا بمثابة أوروبا الشرقية للحلف الأطلسي وعلى أبواب الولايات المتحدة. ويمكن القول إن موسكو ترى فنزويلا بمثابة استعادة رمزية لمنطقة ألاسكا التي باعتها روسيا للولايات المتحدة  سنة 1867 وتعتبر من أغبى العمليات في التاريخ. وباعت روسيا القيصرية لواشنطن مليون ونصف مليون كلم مربع بقيمة 7 ملايين و200 ألف دولار، سعر منزل متوسط في قلب نيويورك. ولو كان الروس قد بقوا في ألاسكا حتى يومنا هذا، خاصة بعد قيام الاتحاد السوفييتي، لكانت الخريطة السياسية العالمية مختلفة نوعا ما.
والنقطة الأخيرة الآخذة في التبلور سياسيا، هي محاولة موسكو إرساء أنظمة شبيهة بالنظام الروسي، أي العمل على تعددية متحكم فيها، مع ضمان فوز الحزب الحاكم دائما مع توفير نسبة معقولة من العيش الكريم. وتذهب بكين وموسكو في هذا الاتجاه، حيث تعتبر فنزويلا مختبرا مهما لهذا النموذج السياسي مستقبلا لهذا يتم توفير الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لإنجاحه.